تشهد
مصر نشاطا قويا للعملة الأجنبية في
السوق الموازية مع اقتراب المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في أيلول/ سبتمبر المقبل، بعد اتفاق الحكومة مع الصندوق على ضم المراجعة الأولى لها، والتي كان مقررًا لها آذار/ مارس الماضي، إلا أنها لم تتم بسبب تخلف مصر عن الوفاء بوعودها .
في غضون ذلك، أجلت وكالة "موديز إنفستورز سرفيس" للتصنيف الائتماني، إعلان تعديل تصنيفها الائتماني السيادي لمصر لمدة 3 أشهر رغم أنه كان مقررا الكشف عنه، الجمعة الماضي، محذرة من العديد من المؤشرات السلبية و تداعيات خفض التصنيف الوخيمة.
ستركز فترة المراجعة الممتدة لخفض التصنيف الائتماني في مصر على المدى الذي تساعد فيه عائدات مبيعات الأصول في استعادة احتياطيات السيولة بالعملة الأجنبية الواضحة في احتياطيات النقد الأجنبي، وصافي مركز الأصول الأجنبية للنظام النقدي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك سعر الصرف.
ويشترط صندوق النقد الدولي على حكومة النظام المصري رؤية خصخصة حقيقية لأصول الدولة، وتطبيق سياسة سعر صرف مرن، في حين لم يتغير السعر في البنوك الرسمية منذ أكثر من 3 شهور، إلا أنه بحسب محللين وخبراء اقتصاد فإن استمرار ندرة النقد الأجنبي قد يعوق اتخاذ قرار بشأن
تعويم جديد خلال الفترة الراهنة.
مع استمرار أزمة
الدولار، قلَّص مصرف "سيتي غروب" (Citigroup) نظرته المتفائلة للسندات المصرية بسبب مخاوف بشأن بطء تقدّم الدولة التي تعاني من ضائقة مالية في بيع الأصول الحكومية، وخفّض توصيته بـ"زيادة المراكز" في الديون المصرية.
الدولار يقفز في السوق الموازية
يقول أحد تجار العملة الصعبة ويدعى أبو أحمد في محافظة الجيزة، إن "سعر الدولار في السوق الموازي ظل ثابتا ما بين 38 جنيها و38.25 جنيه، ولكن منذ منتصف الأسبوع الماضي بدأ الارتفاع بشكل تدريجي، وزادت وتيرة الارتفاع مطلع الأسبوع الحالي وبلغ 39.50 جنيه".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21" أن "هناك زيادة في الطلب على الدولار من قبل المستوردين والتجار الذين يحددون لنا السعر اليومي والكميات المطلوبة والتي غالبا ما تكون مفتوحة، ولا نعلم سبب واضح لارتفاع سعر الدولار نحو 5 بالمئة خلال الأيام القليلة الماضية".
على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار، ارتفعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنسبة 11 بالمئة خلال تعاملات الأسبوع الماضي، وفق منصة "
آي صاغة" المتخصص في بيع الذهب، نتيجة عمليات سحب كبيرة وصفها بالـ"مجهولة المصدر على الذهب خلال الأيام الأخيرة.
مبادرات حثيثة لجذب الدولار
وفي محاولة لجذب أكبر قدر من العملة الصعبة، واصلت الحكومة المصرية إغراء العاملين بالخارج بالعديد من المبادرات، كان آخرها "وثيقة معاش دولارية" تحت اسم"معاش بكرة بالدولار"، بدعوى توفير الحماية الاجتماعية للمصريين بالخارج، من خلال توفير معاش إضافي للمستفيدين منها، وصرفه بالعملة الأمريكية، بحسب ما أعلنه مجلس الوزراء.
وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلن بنك مصر والبنك الأهلي المصري، أكبر مصرفين حكوميين في مصر، طرح شهادتي استثمار دولارية لثلاث سنوات، الأولى بعائد سنوي 7 بالمئة، والثانية بعائد سنوي 9 في المئة يصرف تراكميا بنسبة 27 بالمئة مقدما بالعملة المحلية، ولحق بهما البنك العربي الأفريقي الدولي في مصر، وأصدر شهادة ادخار لثلاث سنوات بعائد تراكمي 40 في المئة يُصرَف مقدما.
خفض جديد للجنيه في الطريق
يعتقد خبير الاقتصاد الدولي، إبراهيم نوار، إن شح الدولار هو أساس الأزمة الحالية، قائلا: "رقبة الاقتصاد المصري أصبحت معلقة في حبل الدولار.. ببساطة لأن الدولار هو جسر تسوية المعاملات بين الداخل والخارج، تجاريا وماليا واستثماريا".
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21" أنه "لا توجد علاقة منظمة بين مبادلات النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي وبين السوق الموازية؛ الأولى تحكمها قرارات إدارية ولا علاقة لها بالواقع، والثانية تعيش في الخفاء، رغم أنها ترتبط بأوجه نشاط رئيسية مثل تجارة الذهب والسيارات واستيراد القمح بواسطة القطاع الخاص".
وتوقع نوار أن تجري مصر خفضا جديدا للدولار، وقال: "من الخطأ استخدام مصطلح التعويم لأن الحكومة لا تملك مقومات تعويم
الجنيه. ما سيحدث، اليوم أو غدا أو بعد الغد هو تخفيض قيمة الجنيه المصري بنسبة تتراوح بين 15% و20%".
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإنه قد يعقب خفض العملة المحلية دخول بعض الاستثمارات الأجنبية وتحريك مسار قرض صندوق النقد الدولي المتعثر، لكن أي آثار إيجابية لتخفيض الجنيه ستتلاشى بسرعة، لأن ضغوط سداد الديون اقوى، وعبء سداد الديون أكبر".
وحمًل نوار "السياسة الاقتصادية مسؤولية الأزمة الحالية مسؤولية كاملة، رغم كل محاولات تعليق الأزمة على شماعة أسباب خارجية واهية السياسة الاقتصادية يجب أن تتغير، أولا من حيث عملية صنعها، ثانيا من حيث تحديد أهدافها، ثالثا من حيث طريقة إدارتها"، مشيرا إلى أن "المواطن المصري ضحية، والجنيه المصري ضحية، والاقتصاد المصري ضحية.. كلهم ضحايا فشل السياسة العامة والسياسة الاقتصادية".
مؤشرات على خفض وشيك للجنيه
من جانبه، يقول شريف عثمان رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية "بويز إنفستمنت"، مقرها واشنطن، إنه "بمرور الوقت خلال الشهر الجاري تزيد التوقعات باقتراب موعد تخفيض جديد للجنيه، من المفترض أن هناك زيارة لوفد صندوق النقد في أيلول/ سبتمبر المقبل بعد تجاوز زيارتي آذار/ مارس وحزيران/ يونيو ولم تحصل مصر على أي دفعة من قرض الصندوق وهذا يدعم توقعات الأسواق بحدوث خفض جديد للجنيه".
وأرجع في حديثه لـ"
عربي21" حدوث هذا الخفض إلى أن "أحد شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو وجود مرونة في سعر الصرف، كما أن تخفيض الجنيه سوف يصاحبه تسريع عمليات بيع الأصول وهذا شرط ثان من شروط الصندوق، ولذلك نعتقد أن السوق تستبق التخفيض".
واختتم عثمان حديثه بالقول: "في تصوري أن أي تخفيض لو لم يكن هناك تعويم تخطط له الحكومة المصرية، أعتقد أنه لن تكون خطوة مجدية لأنه لا توجد دولارات لتلبية الطلب المتوقع، وهذا معناه ضعف جديد للجنيه حتى يصل البنك المركزي إلى قرار بالتدخل لدعم الجنيه للحيلولة دون الهبوط إلى مستويات أبعد وبالتالي تصبح السوق السوداء أبعد بخطوات، ونظل في هذه الدائرة المفرغة في ظل عدم وجود رصيد من الدولارات تدافع عن الجنيه".