الذكرى السنوية العاشرة لانقلاب عبد الفتاح
السيسي في
مصر، التي حلّت علينا في الثالث من الشهر الماضي، لم تكن ذكرى كارثية على مصر فقط،
وإنما ذكرى كارثية على السوريين وثورتهم تحديداً، أيضا. فالانكشاف المصري تاريخياً
أول ما يُهدد الشام، ولذا كان الحرص الغربي على اقتطاع فلسطين لليهود، فهدف فيما
هدف جيواستراتيجياً فصل مصر عن الشام. ولن ينسى السوريون رفع الرئيس محمد
مرسي علم
الثورة السورية، صادحاً بصوته القوي "لبيك يا
سوريا" في مؤتمر كبير وضخم
شهدته القاهرة، وهو المؤتمر الذي دفع ثمنه كرسيه وحياته لاحقاً، عليه رحمة الله
ورضوانه.
تحييد مصر عن القضايا العربية، وثوراتها، بالانقلاب
على مرسي، وفرض انقلاب عسكري انشغل واقعاً وحقيقة بالبحث عن مشروعيته، جعلها عبئاً وعالة على الآخرين، ليستجدي الانقلاب الشرعية ويستجدي معها المال والمعونات، من أجل
ثقب فساد أسود، أرهق مصر طوال هذه السنوات وكبّلها لعقود، وقد انكشف بشكل فظ وواضح
وجلي في الطائرة المصرية التي
احتجزت في زامبيا لتهريبها العملات الصعبة والذهب،
بينما غالبية المصريين تئن تحت الفقر والغلاء والبطالة.
تحييد مصر عن القضايا العربية، وثوراتها، بالانقلاب على مرسي، وفرض انقلاب عسكري انشغل واقعاً وحقيقة بالبحث عن مشروعيته، جعلها عبئاً وعالة على الآخرين، ليستجدي الانقلاب الشرعية ويستجدي معها المال والمعونات، من أجل ثقب فساد أسود، أرهق مصر طوال هذه السنوات وكبّلها لعقود
هذا التحييد ذكرني تماماً بتحييد مصر أيام الرئيس أنور
السادات عام 1979 حين انفرد بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع بني صهيون، مما كشف
المنطقة العربية نتيجة العزلة التي تعرضت لها مصر، وأكثر ما هللّ لها يومها وقطف
ثمارها نظام حافظ الأسد الذي استفرد بالساحة اللبنانية وغيرها من الساحات، التي
غابت عنها مصر، بالإضافة إلى استفراد إيران -حليفة حافظ الأسد- بالساحة العراقية،
إذ لولا هذا التحييد المصري، لكانت مصر دولة وازنة تخشاها إيران، ولكان مسير الحرب
العراقية- الإيرانية بنظري قد تغير، أو على الأقل لما طالت هذه الحرب كما حصل ووقع.
ولدينا المؤشر على ذلك، فحين كادت أن تقع المواجهة العسكرية بين سوريا وتركيا قبيل
الوحدة السورية- المصرية عام 1958 كان لتدخل جمال عبد الناصر إلى جانب سوريا دور
مهم في إحجام تركيا عن حشوداتها على الحدود السورية، وسحبها لاحقاً، فنزع بذلك
فتيل حرب ربما كانت "بروفة" ومقدمة للحرب العراقيةـ الإيرانية.
هذا التحييد هو الذي أدى بالثورة السورية إلى أن يستفرد
بها العدو الإقليمي إيران، ثم العدو الدولي روسيا، فتدخلت إيران بكل قواها
العسكرية وأذرعها المليشياوية العراقية واللبنانية والباكستانية والأفغانية للقضاء
على ثورة الشام، التي تعتبرها وتنعتها بثورة سنية مهددة لمجالها الحيوي المباشر،
ولاحقاً لها ذاتها، لا سيما وأن انتصار الثورة السورية سيكون له بالمحقق انعكاسات
سلبية على مصالح إيران الحيوية في كل من العراق ولبنان وغيرهما.
بكل تأكيد لو أن مصر مرسي موجودة عام 2015 لما تمكنت
روسيا من غزو سوريا بهذه الطريقة الفجة والطويلة، وإلاّ فسيكون لها موقف مغاير
لموقف انقلاب السيسي، الذي لم يكتف فقط بالتأييد والمباركة، وإنما أرسل صواريخ "صقر
20" المصرية والمعروفة منذ إرسالها للمجاهدين أيام السادات (وليس أيام السيسي)
لمحاربة السوفييت وعملائهم الشيوعيين في حرب أفغانستان الشهيرة، ولكن اليوم "صقر
20" تفتك بأجساد السوريين، التي غدت مكشوفة تماماً أمام عدوين إقليمي إيراني،
وروسي دولي، ووصل الأمر بحسب توثيقات الناشطين الإعلاميين السوريين، إلى أن يرسل
السيسي طياريه للمشاركة إلى جانب عصابات الأسد في قصف السوريين، فضلاً عن حملة
التشويه التي خاضها إعلامه متماهياً مع الإعلام المعادي للثورة السورية.
تكن ثورة الشام هي التي خسرت برحيل الرئيس مرسي رحمه الله، وإنما كل القضايا العربية، وعلى رأسها قضايا مثل العراق واليمن ولبنان، والأهم من ذلك خسرنا فرصة تاريخية وهي تشكيل حلف تركي- مصري
انعكس رحيل مرسي بشكل مباشر على الثورة السورية، يوم
تأخرت مصر عن قضايا الأمة العربية منشغلة بذاتها وبمشاكلها التي خلقها لها العسكري
من أمثال السيسي، فكان على رأس هذه المشاكل: مسألة المشروعية، لتتقدم دول ناشئة
قياساً بمصر وبتاريخها، مثل دولة الإمارات، فتغدو بمثابة بوابة وسمسار المستثمرين
الدوليين في سوريا على حساب دماء الشعب السوري، فوقعت الاتفاقيات في الجنوب
السوري، مجبرة فصائل الجيش الحر على التراجع لصالح روسيا وإيران، فكان الثمن
باهظاً على الثورة السورية وهو تحييد جبهات الجنوب، للاستفراد بجبهات الشمال السوري
لاحقاً.
لكن بكل تأكيد لم تكن ثورة الشام هي التي خسرت برحيل
الرئيس مرسي رحمه الله، وإنما كل القضايا العربية، وعلى رأسها قضايا مثل العراق
واليمن ولبنان، والأهم من ذلك خسرنا فرصة تاريخية وهي تشكيل حلف تركي-مصري كان
بإمكانه أن يشكل مصداً قوياً في مواجهة ما تعرضت وتتعرض له الأمة العربية
والمسلمة.