لا تزال تداعيات نشر السفارة
المغربية في مدريد
على موقعها الإلكتروني خريطة كاملة، تضم مدينتي سبتة ومليلية
"المحتلتين"، تثير جدلا واسعا على المشهد السياسي الإسباني، وسط مطالبات
للحكومة المنتهية ولايتها في مدريد بالرد عبر "تقديم احتجاج رسمي للرباط
بشأنها"، في الوقت الذي تبادل فيه أعضاء الحزبين الشعبي والاشتراكي، الاتهامات
بخصوص "المطالب المغربية بضم المدينتين إلى التراب الوطني".
وفي هذا السياق، وجه النائب عن المجموعة
البرلمانية الاشتراكية في البرلمان المحلي لمدينة
مليلية المحتلة، رافائيل روبلز،
اتهاما لرئيس المجموعة البرلمانية نفسها المنتمي إلى الحزب الشعبي، خوان خوسيه
إمبرودا، بـ"التشكيك المستمر في إسبانية مدينتي سبتة ومليلية"، مؤكدا أن
"لا أحد في إسبانيا يشكك في ذلك، باستثناء الحزب الشعبي الذي يبدو عازما على
إعادة فتح النقاش مرارا وتكرارا حول مستقبل المدينتين".
وأضاف روبلز، لوكالة "أوروبا بريس"
بأن "الحزب الشعبي ينصب نفسه كمتحدث باسم المطالب التي تتعارض مع المصالح
الإسبانية، من خلال مطالبة الحكومة المركزية بتقديم احتجاج رسمي ضد المغرب لنشر
سفارته خريطة على موقعها الإلكتروني تضم المدينتين اللتين لا يشكك أحد في أنهما جزء
من التراب الإسباني على غرار فالنسيا أو زامورا".
وأشار النائب عن المجموعة البرلمانية
الاشتراكية في البرلمان المحلي لمدينة مليلية، إلى أن "التيار الذي يطالب بضم
سبتة ومليلية إلى المغرب وجد في إمبرودا أفضل متعاون في هذا الإطار"، معبرا
عن أسفه من أن "الشخصيات السياسية في الحزب الشعبي تخدم أجندة الأصوات
المغربية بضم المدينتين إلى التراب المغربي".
هل ستتم مراجعة العلاقات؟
وعقب نشر السفارة المغربية للخريطة التي أثارت
الاحتجاج، كان رئيسا الحكومتين المحليتين في كل من سبتة ومليلية، قد طالبا برد
حكومي رسمي على الرباط، فيما اكتفت الخارجية الإسبانية بالتأكيد على "إسبانية
المدينتين" متجنبة الإشارة إلى المغرب.
من جهتها، احتجت الرباط، منذ أشهر، عبر مراسلة
وجهت إلى المفوضية الأوروبية، على تصريحات نائب رئيس المفوضية الأوروبية، لمارغريتيس شيناس، التي أشار فيها إلى أن
"مدينتي سبتة ومليلية إسبانيتان"؛ الأمر الذي اعتبره الوزير المنتدب لدى
رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس،
"موقفا كان لا بد منه".
وبدوره، أعاد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي
للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، ردا على أسئلة نواب إسبان
بالبرلمان الأوروبي، بداية الشهر الجاري، التأكيد على أن "المدينتين
أوروبيتان"، لكنه أشار إلى أن "إعادة مراجعة العلاقات مع الرباط إثر هذا
الاحتجاج المغربي أمر غير وارد".
أي سيناريوهات مقبلة؟
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي
عياض، مراكش (جنوب المغرب) الحبيب استاتي زين الدين، أنه "من المفيد التذكير
بأن المملكة المغربية سبق أن أكدت في فترات مختلفة، ومن خلال وثائق رسمية، مغربية
سبتة ومليلية، من قبيل الرسالة المثقلة بالعمق السياسي والدبلوماسي التي بعثتها
وزارة الداخلية، العام الماضي، إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان،
بخصوص الملابسات المحيطة بوفاة العديد من المهاجرين عند محاولتهم دخول مليلية،
والتي تفيد أن المغرب ليس له حدود برية مع إسبانيا".
ويضيف استاتي زين الدين، في حديثه
لـ"عربي21" بأن "قراءة الحدث الحالي، لا ينبغي أن نعزله عن تطورات تجري
ورسائل تطلق عبر ثلاث نقاط".
وأشار إلى أن النقطة الأولى تتعلق
بـ"الذكاء السياسي، حيث تبدو الدبلوماسية المغربية واعية بالوقت والطريقة
التي يجدر اتباعها لتدبير القضايا الخلافية، سواء تعلق الأمر بتعاملها مع شركائها
التقليديين أو الجدد، والفعليين أو المحتملين".
وتابع: "تتعلق النقطة الثانية، بواقعية
العلاقات بين الدول؛ ففي العلاقات بينها، يصعب ادعاء طي صفحة الخلافات حول بعض
الملفات نهائيا، لكنها بكل تأكيد تخفّ وتخضع لقواعد جديدة تمليها المتغيرات
الجيوسياسية" مبرزا أنه "رغم التعاون والاحترام بين العلاقات المغربية
الإسبانية وتجليات التفاهم الحاصل حول بعض الملفات، إلا أن الواقع لا يخلو من
سلوكات ومواقف لا تحفظ هذه الصورة على الدوام، فيما تظل قضية سبتة ومليلية
المحتلتين باستمرار نقطة غير متفق عليها".
أما فيما يتعلق بالنقطة الثالثة، أكد أستاذ
العلوم السياسية، في حديثه لـ"عربي21" أنه "صحيح أن نشر الخريطة
كاملة للمغرب، هو رسالة تأكيد متجدد بتشبث المملكة بالثغرين المحتلين، لكن من غير
المستبعد أيضا أن تكون هذه الخطوة من جانب السفارة المغربية رسالة استباقية لما
بعد لحظة الانتخابات التشريعية الإسبانية، والتي فاز بها الحزب الشعبي اليميني،
وتحديدا للقادة الإسبان الجدد الذين سيتولون زمام الأمور في القادم من الأيام".
من جهته، قال الأستاذ الباحث في العلاقات
الدولية، حسن بلوان، إن "إحجام رد حكومة تصريف الأعمال الإسبانية على التعليق
حول نشر السفارة المغربية خريطة المملكة كاملة مرده لعاملين اثنين: الأوضاع
الداخلية الانتقالية التي تعرفها إسبانيا من جهة، وكذلك الزخم والدينامية التي
دخلت إليها العلاقات المغربية الإسبانية خلال الأشهر الأخيرة في ظل حكومة بيدرو
سانشيز".
وأضاف بلوان في حديثه لـ"عربي21" أنه
"رغم إصرار رئيسي الحكومتين في سبتة ومليلية على دفع الحكومة الإسبانية
للتنديد بالتعاطي المشروع للسفارة المغربية، إلا أن رئيس الحكومة وكذلك وزراؤها
أحجموا على تناول الموضوع أو التعليق عليه لانشغالهم بأولويات أخرى تخص تشكيل
الحكومة الإسبانية، وعقد التحالفات والائتلافات التي توحي بأن مهمة الحزب الشعبي
اليميني ستكون صعبة، أو شبه مستحيلة، مما سيفتح الباب لرئيس الوزراء الحالي لتشكيل
حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية وبالتالي استمرار العلاقات القوية مع الجانب
المغربي".
أما عن السيناريوهات المحتملة لمعالجة الخلاف
حول سبتة ومليلية المحتلتين، تابع بلوان:
"لا أعتقد أن يجد طريقه للحل على المدى القريب، على اعتبار أن إسبانيا متصلبة
في موضوع المدينتين المحتلتين، كما أن المغرب لا يمكن أن يتنازل عن المدينتين،
وسيظل في كل المناسبات التذكير بأن المدينتين مغربيتان، لكن في نفس الوقت هناك
اتفاق شبه مباشر بين الجانبين لتأجيل فتح المدينتين والتركيز على قضايا أخرى تتجه
نحو الحل والتسوية على رأسها قضية الصحراء ومسألة ترسيم الحدود البحرية ومعضلة
الهجرة بالإضافة إلى فرص التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني".