مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة الشابة مهسا أميني في مركز لـ"شرطة
الأخلاق" بتهمة "
الحجاب السيئ" وما نجم عن ذلك من
احتجاجات واسعة
في
إيران، يزداد قلق النظام الحاكم من احتمالية تكرار هذه الاحتجاجات، في ظل انتشار
دعاية المعارضة في الخارج والناشطين في الداخل، لاستغلال هذه المناسبة والنزول
للشوارع مرة أخرى للمطالبة بالتغيير، وإيجاد حلول عملية للمشاكل الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية في البلاد.
السلطة في إيران سبقت هذه المناسبة بموجة من الإجراءات والاعتقالات وفصل
أساتذة الجامعات المتعاطفين مع المتظاهرين، كما شرعت في سن قوانين الهدف منها ردع
المعارضين وإظهار مزيد من القوة في موقفها تجاه قضية الحجاب، التي تحولت إلى محور
من محاور المشهد السياسي في إيران؛ بفعل إصرار النظام على إلزام النساء به وعناد
معارضيه على التخلي عنه.
كثير من الحريصين على إيجاد حل وسط من إصلاحيين ومعتدلين وأكاديميين، حاولوا
ثني السلطة الحاكمة عن موقفها تجاه الحجاب، لكن دون جدوى حتى الآن. هؤلاء "الحريصون"
يعتقدون أن إصرار النظام على قضية الحجاب، هو "إطلاق النار على الأقدام"،
وأنه سيؤدي إلى مزيد من تآكل شعبية النظام، الذي بات يحكم شعبا منفصلا عن
أيديولوجيته، لا بل يقف في الضد منها.
كثير من الحريصين على إيجاد حل وسط من إصلاحيين ومعتدلين وأكاديميين، حاولوا ثني السلطة الحاكمة عن موقفها تجاه الحجاب، لكن دون جدوى حتى الآن. هؤلاء "الحريصون" يعتقدون أن إصرار النظام على قضية الحجاب، هو "إطلاق النار على الأقدام"، وأنه سيؤدي إلى مزيد من تآكل شعبية النظام.
هناك من يرى بأن إصرار النظام ناجم عن قناعة لديه بأن تراجعه عن قضية
الحجاب، لا سيما في هذا التوقيت، يعني ضربة مؤلمة له، إذ إنها ستشجع المعارضين على
المطالبة بالمزيد من الإصلاحات والتغييرات على صعيد السياسة والمجتمع، كما أنها
ستهدم ركنا من أركان النظام، الذي يرى أنه يمثل الإسلام وتعاليمه، الواجب فرضها على
المجتمع طوعا أو كرها، ومنها فريضة الحجاب.
عام كامل أوشك على الانتهاء، حيث توفيت الشابة مهسا أميني في السادس عشر من
أيلول/ سبتمبر 2022 في مركز "شرطة الأخلاق" المعنية بفرض القوانين
المتعلقة بالحجاب والآداب الإسلامية في الشوارع والمدن. الحادثة هزّت المجتمع
الإيراني والسلطة الحاكمة على حد سواء، إذ إنّ حالة من التمرد غير المسبوق اجتاحت
المدن الإيرانية ورفضت النساء، على نطاق واسع، ارتداء الحجاب للتعبير عن رفض قوانين
النظام وتضامنا مع الشابة المتوفاة مهسا أميني. رفض نسبة ملحوظة من النساء ارتداء "الحجاب
الإجباري"، حظي بتعاطف من معظم شرائح المجتمع الإيراني الذي تأثر كثيرا في
الحادثة، لا سيما وأن المواطن في إيران يعتقد أن هناك قضايا هي أولى من الحجاب، وعلى النظام الانشغال بها وإيجاد حلول لها.
فهل يا ترى سنشهد عودة الاحتجاجات في ذكراها السنوية الأولى؟ مستبعد جدا،
لكن من الوارد أن نشهد بعض الاحتجاجات المحدودة في بعض مدن محافظة كردستان
وبلوشستان أو طلاب بعض الجامعات هنا وهناك، لكن أن تكون احتجاجات على غرار ما
شهدناه العام الماضي، فالإجابة لا بكل تأكيد، وذلك للأسباب التالية:
أولا: كل موجة من الاحتجاجات التي
شهدتها إيران في السنوات الأخيرة، كانت مسبوقة بحادث لافت يهمُّ الإيرانيين
بالمجمل، فاحتجاجات عام 2019 مثلا قد اندلعت بعد قرار السلطات رفع أسعار الوقود
بشكل مفاجئ، ما خلق صدمة في الشارع الإيراني قادت إلى مظاهرات حاشدة في العديد من
المدن، وكذلك احتجاجات العام الماضي التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني، أو
احتجاجات عام 2017 – 2018 التي انفجرت على خلفية غلاء أسعار بعض السلع مثل البيض، حتى عرفت بـ"احتجاجات البيض"، أو احتجاجات عرب الأهواز عام 2021؛ إذ هي
الأخرى انفجرت نتيجة أزمة انقطاع مياه الأنهار وتجفيف الأهوار، واتهام السلطات
بالتعمّد في تلك الأزمة عبر تنفيذ مشاريع نقل المياه من المدن العربية إلى المناطق
المركزية الصحراوية في إيران. وفي ظل غياب مثل هذه الأحداث، فإنه يُستبعد جدا أن
نرى مظاهرات عفوية واسعة في ذكرى احتجاجات العام الماضي.
ثانيا: استعداد السلطة وتأهبها لهذه
المناسبة، إذ إنها بدأت منذ أشهر باتخاذ الإجراءات الوقائية للحؤول دون اندلاع هذه
الاحتجاجات، وهي تستخدم الترهيب لمنع هذه الاحتجاجات عبر سلسلة من الاعتقالات
والمضايقات، وفصل الأساتذة من الجامعات والتشديد على النشطاء والمؤثرين في الساحة
الإيرانية.
ثالثا: ضعف المعارضة وتشتت أصواتها
في مواجهة السلطة في إيران. فالخلافات حادة بين أقطاب المعارضة في الخارج المتمثلة
بالتيار المدني الليبرالي والتيار الملكي بقيادة نجل شاه إيران السابق، رضا بهلوي،
المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. هذه المعارضة لم تستطع طوال عام كامل من
توحيد صفوفها والاستعداد لهذه المناسبة بهدف ورؤية مشتركة واضحة.
رابعا: عدم مشاركة جميع القوميات في
احتجاجات وفاة مهسا أميني، سبب قوي آخر لاستبعاد أن نشهد مظاهرات واسعة في ذكرى
حادثة وفاتها، والعرب والأتراك هم أقلُّ القوميات مشاركة في احتجاجات العام الماضي
لأسباب ليس المجال يتسع لذكرها هنا. عدم مشاركة هاتين القوميتين المحوريتين في جغرافيا
إيران، يجعل من أي احتجاجات مبتورة الجناحين وعاجزة عن الاستمرارية والصمود.
هذه الأسباب تُضعف احتمال اندلاع احتجاجات واسعة في الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات العام الماضي، لكن هذا لا يعني بالضرورة استبعاد أن نشهد في الأشهر والسنوات القادمة مظاهرات، ربما تكون أوسع من كل المظاهرات السابقة، إذ إنّ الوضع في إيران يستمر في التعقيد والتأزم في ظل سلطة سياسية تتجاهل الواقع بشكل رهيب، وشعب يزداد بمرور الأيام قناعة بضرورة التغيير الجذري في الحالة السياسية.
خامسا: المصالحة مع المملكة العربية السعودية وتبعا لها الدول العربية الأخرى، وكذلك خفض
حدة التوتر مع الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، عامل آخر في تثبيط
عزيمة معارضي النظام وتراجع حماسهم للمظاهرات، فهذه التطورات الخارجية جعلت البعض
ييأس من جدوى المظاهرات، في ظل تجاهل دولي وإقليمي لما يجري في إيران.
سادسا: أخيرا وليس آخرا، هناك قلق دائم لدى بعض الإيرانيين عندما يفكرون بالحالة المتخيلة
ما بعد السلطة الحالية، إذ إنه لا يوجد شكل واضح لطبيعة الحكم الذي يريده
المعارضون لهذا النظام، فالقلق من الفراغ السياسي والأمني ودخول البلاد في فوضى
شاملة وربما تفكيك أو تقسيم؛ عامل مهم في عدم رغبة البعض في المشاركة في
المظاهرات، وهؤلاء "القلقون" ربما يفضلون إجراء إصلاحات من داخل النظام
تحافظ على كيان الدولة، وتقوم بتغييرات هيكلية بشكل تدريجي.
هذه الأسباب تُضعف احتمال اندلاع احتجاجات واسعة في الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات العام الماضي، لكن هذا لا يعني بالضرورة استبعاد أن نشهد في الأشهر والسنوات القادمة مظاهرات، ربما تكون أوسع من كل المظاهرات السابقة، إذ إنّ الوضع في إيران يستمر في التعقيد والتأزم في ظل سلطة سياسية تتجاهل الواقع بشكل رهيب، وشعب يزداد بمرور الأيام قناعة بضرورة التغيير الجذري في الحالة السياسية.