بعد إعلان دولة
الإمارات المتحدة العربية
التطبيع رسميا مع
إسرائيل والدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية معها، وفي ضوء التطورات الإقليمية خلال العقد الأخير، يمكن لنا بشيء من الوضوح أن نتصور الواقع الجديد للشرق الأوسط عموما ومنطقة
الخليج على وجه التحديد.
والمراقب للسياسة
الإيرانية يعرف حجم العداء المترسخ في منظومة الحكم في إيران لإسرائيل، والإيمان القوي بفكرة زوال إسرائيل من الخريطة الإقليمية حسب المنظور السياسي والأيديولوجي لإيران.
لكن قرار التطبيع الأخير بين دولة الإمارات المتحدة العربية وبين إسرائيل صدمَ الساسة الإيرانيين، على الرغم من معرفتهم بوجود التقارب بين إسرائيل وبعض دول الخليج، لكن أن يتم إعلان ذلك رسميا ويجهر به بهذه الصور فهو ما تعتبره طهران استفزازا لها وتحديا لا بد من مواجهته، وسوف يفرض على الإيرانيين واقعا متصادما مع المبدأ الذي تبنته إيران منذ تأسيس نظامها الإسلامي عقب الإطاحة بنظام الشاه، أحد حلفاء إسرائيل في المنطقة.
ويبدو أن القائلين بأن التطبيع الإسرائيلي الخليجي الأخير جاء تحت ضغط الخصومة بين إيران من جهة وبين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة أخرى؛ كانوا على صواب، فالمتابع للإعلام الخليجي المقرب من الرياض وأبو ظبي يرى جيدا أن كثيرا من الخليجيين باتوا اليوم ينظرون إلى إيران كعدو رقم واحد، وتم مقابل ذلك شطب إسرائيل من قائمة الأعداء لتتحول إلى قائمة الدول الصديقة والحليفة.
وقد استطاعت إسرائيل أن تستفيد من هذا الواقع الجديد وأن تضخم خطر المشروع الإيراني؛ لتنشئ لها موطئ قدم في منطقة الخليج، كما استغلت إسرائيل بعض الأخطاء التي حدثت في السياسة الخارجية الإيرانية وفقدانها للمرونة في بعض المحطات، ما جعل دول الخليج كالإمارات والسعودية والبحرين تجد لنفسها عذرا للتوجه نحو إسرائيل.
وإذا تركنا المخاطر المترتبة على حضور إسرائيل في منطقة الخليج من الناحية العقائدية والدينية والطمع الصهيوني بالأماكن المقدسة هناك جانبا، نجد أن الجانب السياسي أيضا ينذر بمخاطر كبيرة على المنطقة، حيث أن إيران ستجد نفسها مجبرة على تبني سياسة أكثر صِداما بعد أن شعرت بوجود خطر يهددها من جانب الإمارات؛ التي ستكون محطة من محطات إسرائيل لمحاصرة إيران وتضييق الخناق عليها.
وفي ضوء هذا الواقع الجديد يمكن لنا أن نتصور ثلاثة سيناريوهات قد نشهد حدوث أحدها في منطقة الخليج والشرق الأوسط:
سيناريو الصِدام المباشر والشامل
يتوقع الكثير من الخبراء أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأخير وقرار التطبيع بين البلدين سيترتب عليه حضور وتواجد أكبر للنشاط الإسرائيلي، سواءً على الصعيد السياسي والاقتصادي أو حتى على الصعيد العسكري، وذلك نظرا للموقع الجغرافي المهم الذي تتمتع به دولة الإمارات المتحدة العربية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقف الأيديولوجي لإيران تجاه إسرائيل، فإن أقوى السيناريوهات وأقربها تصورا هو أن تندلع مواجهة مباشرة بين إيران وحلفائها الإقليميين (الحكومات والمجموعات المسلحة) من جهة، وبين إسرائيل وحلفائها الخليجيين الجدد وعلى رأسهم الإمارات من جهة أخرى.
وعلى الرغم من صعوبة التكهن بنتائج هذه الحرب الشاملة، إلا أن الجميع يستطيع أن يتخيل حجم الدمار الهائل الذي ستخلفه مثل هذه المواجهة.
ويبدو أن إيران ستكون مجبرة على خوض هذه المواجهة لأنها تدرك جيدا بأن التواجد الإسرائيلي يهدف في جانب منه إلى ضرب استقرارها وأمنها الداخلي، ما يحتّم عليها اتخاذ خطوات استباقية. ولا يستطيع المراقب العارف بالعقليتين الإيرانية والإسرائيلية أن يتصور التعايش السلمي والتقارب الجغرافي بين إيران وإسرائيل، بل إن ذهاب أحدهما من منطقة الخليج هو المنطق الأقرب للأذهان والصورة الأكثر تقبلا وهضما.
سيناريو المواجهة المحدودة
قد تبادر إيران على خطوات وأعمال بهدف ردع الدول الخليجية المتخاصمة مع طهران من المضي قدما في سياسة التطبيع، وفتح الأبواب لإسرائيل للدخول إلى المنطقة. وتحاول إيران من خلال المواجهة المحدودة أن تفهم الدول الخليجية بأن خيار المواجهة الشامل سيكون مكلفا لجميع الأطراف، وأن أفضل خيار أمام الدول الخليجية هو منع إسرائيل من الاقتراب من الحدود الإيرانية.
وفي ظل الظروف الراهنة يُتوقع أن تقوم إيران بنفسها بهذه الخطوة والمواجهة بشكل مباشر، ولن توعز بها لأنصارها وحلفائها الإقليميين، كحركة أنصار الله اليمنية وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي، وإنما ستتكفل بها هي لتوصل رسالة أكثر وضوحا للسعودية والإمارات.
وقد ينزلق هذا السيناريو في حال تنفيذه إلى سيناريو المواجهة الشاملة (السيناريو الأول) حتى إذا لم ترغب بذلك إيران نفسها، وذلك نظرا إلى التعقيد الإقليمي والاحتقان الشديد بين إيران والدول الخليجية.
سيناريو التحالفات الجديدة والتحشيد المستمر
قد ينجم عن هذا التقارب الخليجي الإسرائيلي بناء تحالفات جديدة في المنطقة تكون أقوى من التحالفات السابقة، فقد يتشكل تحالف جديد بين إيران وتركيا وقطر على أساس عقائدي وأيديولوجي، خلافا لما هو سائد حاليا والذي تتحكم به المصالح العابرة، وتشكيل هذا التحالف يعني مزيدا من التقارب بين إسرائيل والدول العربية الأخرى، وبالتالي سنشهد تحشيدا وتحشيدا مقابلا وتحالفات تواجهها تحالفات بانتظار ساعة الصفر.
وبالنسبة لإيران، فإن السيناريو الثاني والثالث هما الأقل كلفة؛ لأن خيار المواجهة المباشرة لا بد وأن يورط دولا كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن إيران لا تمرّ بظروف اعتيادية داخليا وخارجيا، حيث أن العقوبات قد أضرت بالاقتصاد الإيراني كثيرا وفرضت عليها ما يشبه العزلة في التجارة العالمية، وبالتالي فإن خسائر إيران ستكون أكبر في حال اندلعت مواجهة شاملة مقارنة مع سيناريو المواجهة المحدودة أو سيناريو الاستمرار في التحشيد وتشكيل التحالفات الجديدة.
وإطالة هذا التحشيد على الرغم من كلفته إلا أنه لا يخلو من الفوائد والمكاسب بالنسبة لطهران، حيث أنها ستعمل جاهدة على تحسين صورتها لدى الشارع الإسلامي السني بعد سنوات من الصدام والتشويه على إثر مواقف طهران من الأحداث في سوريا والمنطقة. فالشارع العربي والإسلامي يحتفظ بعداء تاريخي راسخ بالنسبة للكيان الصهيوني، وأن أي دولة عربية أو إسلامية تقف بوجه هذا الكيان سرعان ما تنجح في كسب ود الشارع الإسلامي والعربي، وقد تُنسى أخطاؤها التي ارتكبت في الفترة الأخيرة.