ما
يحدث من معارك وتراشق بين قوى ورموز معارضة داخل
مصر هي حرب استنزاف لا علاقة
للنظام الحاكم بها، وإن كان هو المستفيد الأول منها، والساعي لتوسيعها واستمرارها.
حرب
بين الناصريين والليبراليين، ومعارك بين شباب ثورة يناير، لم يقتصر الأمر على
التراشق الإعلامي أو السياسي بل وصل إلى ساحات المحاكم، بلاغ من قيادي ناصري ووزير
سابق (كمال أبو عيطة) ضد قيادي ليبرالي (هشام قاسم) يقود الأخير إلى الحبس.. لم
تفلح أي وساطات سياسية في إقناع القيادي الناصري بسحب بلاغه الذي فتح الباب لرجال
شرطة صغار أن يدخلوا على الخط ببلاغ جديد ضد قاسم زاد الأمور تعقيدا، وجعل سحب
بلاغ أبو عيطة عديم الجدوى القانونية حال حدوثه، وإن احتفظ بجدواه السياسية.
بلاغ
آخر من إحدى ناشطات ثورة يناير ضد زميلة أخرى لها في المعسكر ذاته، يتحلق حول كل
واحدة منهما حلف من النشطاء، وتكتظ مواقع التواصل الاجتماعي بسب وقذف من كل
الأنواع.
يحدث
كل ذلك بينما تستعد مصر لانتخابات رئاسية خلال 3 شهور، وهي فترة ذهبية للعمل
والاشتباك السياسي مع هذا الحدث حتى لمن لا يرون أي جدية في
الانتخابات، لكن قادة
ونشطاء القوى المدنية اختاروا المعارك السهلة والآمنة فيما بينهم، وتركوا المعركة
الأهم، وهي مواجهة النظام الذي يدعون معارضته، ورغبتهم في تغييره ديمقراطيا.
معارك المعارضة الحالية هي رسالة سلبية جديدة للشعب لفقدان ما تبقى من ثقة في تلك المعارضة، وقدرتها على تقديم بديل حقيقي للنظام، أو حتى اتفاقها على مرشح توافقي ومعه مساعدون يمثلون القوى الرئيسية فيها.
النظام الحاكم سعيد بهذه المعارك، بل هو يغذيها، ليدلل من خلالها للشعب على أحقيته في الاستمرار في الحكم حتى بدون انتخابات، وليشوه صورة المعارضة في الوعي الشعبي أكثر مما هي مشوهة
استمرار
هذه المعارك الوهمية يعني أن النظام سيصبح أكثر اطمئنانا تجاه الانتخابات، وأنه
ليس مضطرا لتقديم برنامج انتخابي لمرشحه (
السيسي) ولا لتقديم تنازلات سياسية للشعب
أو للمعارضة، من قبيل تهدئة الأسعار، وتحسين بعض الخدمات، أو ضمانات لنزاهة وجدية
الانتخابات التي طالبت بها الحركة المدنية وجددها المرشح المحتمل أحمد طنطاوي، أو إفراج
عن أعداد أكبر من المعتقلين السياسيين، أو فتح المجال السياسي أو الإعلامي.
للمعارك
الحالية فائدة واحدة، وهي التمايز الحقيقي بين الأحزاب والتيارات السياسية، بما
يدفعها للمنافسة الشريفة، وتقديم أفضل ما لديها من رموز وأفكار لصالح الوطن ولصالح
التطور السياسي. ليس معقولا أننا منذ ثورة يناير لا نستطيع التمييز بين الليبرالي
واليساري والناصري، فالجميع يرددون خطابا واحدا تقريبا، ويتحركون تحت يافطة عريضة
اسمها القوى المدنية، وهو تعبير مخادع في ذاته، لأنه يقصر الوصف على الأحزاب
العلمانية دون الإسلامية، رغم أنها جميعا قوى مدنية في مواجهة القوى العسكرية
الممثلة في الجيش والأجهزة الأمنية.
إعلان
تيار ليبرالي حر يضم 4 أحزاب حتى الآن هو نقطة بداية صحيحة لإعادة تشكل المشهد
السياسي، وبروز ألوان حقيقية وبرامج متنوعة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، ينبغي أن
يتبع ذلك بروز مظلة للأحزاب اليسارية وأخرى للأحزاب الناصرية، ورابعة للأحزاب الإسلامية،
وعندها يمكن إعادة تشكيل مظلة الحركة المدنية وفق هذا التشكل الجديد، كما يمكن
الحوار بينها حول مرشح توافقي أو مجلس رئاسي وفق برنامج إنقاذ انتقالي متفق عليه،
لا يلغي التمايزات فيما بينها، ولكنه يؤجلها إلى ما بعد المرحلة الانتقالية.
انفجار
المعارك في الوقت الحالي بين تلك القوى المدنية هو اختيار للتوقيت الخطأ، وحري بكل
العقلاء التحرك لوقف تلك المعارك ولو مؤقتا حتى ينتهي الموسم الانتخابي، ويمكن
تحقيق مكاسب وطنية ديمقراطية من خلاله على رأسها إطلاق سجناء الرأي.
واجب
الوقت الآن ليس إثارة قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم أهميتها (بالمناسبة هذه
هي القضية التي فجرت الأزمة بين الناصريين والليبراليين)، ولكن واجب الوقت هو
مواجهة الاستبداد المحلي الجاثم على الأنفاس والصدور، والمانع من الحركة والتعبير،
بما في ذلك التعبير عن رفض التطبيع.
معارك
المعارضة الحالية هي رسالة سلبية جديدة للشعب لفقدان ما تبقى من ثقة في تلك
المعارضة، وقدرتها على تقديم بديل حقيقي للنظام، أو حتى اتفاقها على مرشح توافقي
ومعه مساعدون يمثلون القوى الرئيسية فيها.
النظام
الحاكم سعيد بهذه المعارك، بل هو يغذيها، ليدلل من خلالها للشعب على أحقيته في
الاستمرار في الحكم حتى بدون انتخابات، وليشوه صورة المعارضة في الوعي الشعبي أكثر
مما هي مشوهة، وليعود إلى لعبته السهلة وهي استقطاب تلك المعارضة تحت جناح ائتلافه
الحاكم الذي هندسته الأجهزة الأمنية.
المشهد السياسي في مصر بائس بشكل عام، فالنظام يعاني أزمات لا قبل له بمواجهتها، وديون لا قبل له بسدادها، وابتزاز من الأشقاء قبل الأعداء لا قبل له بصده، ولكنه محظوظ بمعارضته التي تفرغ ما تبقى من طاقتها في معاركها البينية وليس في مواجهته، والتي لا يزال الكثير منها يجد نفسه أقرب له (للنظام) من قربها لبعضها
انقسامات
القوى المدنية ومعاركها لا تعني أن القوى الإسلامية في حالة أفضل، فهي أيضا تعاني
من الانقسامات ذاتها سواء على صعيد تحالفها، أو داخل التنظيم الواحد، والمقصود هنا
التنظيم الأكبر (جماعة الإخوان المسلمين) التي تمكنت من مواجهة القوة العسكرية،
وأوصلت أول رئيس مدني، ولكنها الآن تعاني انقساما تنظيميا هو الأشد منذ تأسيسها،
وهو انقسام جاء أيضا في الوقت الخطأ الذي كان ينبغي على الجماعة فيه أن تلملم شمل
حلفائها، وأن تسعى لتكوين مظلة وطنية أوسع، تتمكن من إحداث تغيير في المشهد
السياسي، بما يستعيد المسار الديمقراطي، ويسهم في حلحلة ملف المعتقلين.
المشهد
السياسي في مصر بائس بشكل عام، فالنظام يعاني أزمات لا قبل له بمواجهتها، وديون لا
قبل له بسدادها، وابتزاز من الأشقاء قبل الأعداء لا قبل له بصده، ولكنه محظوظ
بمعارضته التي تفرغ ما تبقى من طاقتها في معاركها البينية وليس في مواجهته، والتي
لا يزال الكثير منها يجد نفسه أقرب له (للنظام) من قربها لبعضها، ويتمنى أن ينعم
عليه النظام ببعض الفتات فينحاز إليه وليذهب الغلابة الذين يتحدثون باسمهم إلى
الجحيم!!
twitter.com/kotbelaraby