سلطت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية،
الضوء على اتفاق
أوسلو في ذكرى مرور 30 عاما عليه، وقال الكاتب المتخصص في
العلاقات الخارجية، إيشان ثارور، في تحليل له على الصحيفة إن الاتفاق تحول إلى وهم.
ولفت التحليل
إلى أن فرص قيام دولة
فلسطينية أصبح الآن أقل احتمالاً مما كان عليه في سنة 1993.
وتابع بأنه في
ظل "وهم عملية السلام" عزز
الاحتلال الإسرائيلي سيطرته الفعلية على
الأراضي الفلسطينية المحتلة.
واستشهد ثارور
بكلمات الكاتب في نيويورك تايمز، توماس فريدمان، بأن الاتفاق منحنا "الوهم
المشترك بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية كان مؤقتاً فقط".
وتاليا
التحليل كاملا كما ترجمته "عربي21":
كانت إحدى
أكثر الصور شهرة في القرن العشرين. في يوم مشمس خارج البيت الأبيض؛ حيث وقف الرئيس
بيل كلينتون مفتوح الذراعين أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والزعيم
الفلسطيني ياسر عرفات. وقد تصافح ممثلا حركتين وطنيتين تشكلان بحكم تعريفهما
تهديدات وجودية للآخر، للمرة الأولى.
حدثت المصافحة
التي هزت العالم في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، وجاءت في أعقاب أشهر من المفاوضات
المعقدة والسرية بين الطرفين في العاصمة النرويجية أوسلو. وكان “إعلان المبادئ”
الذي جاء في ذلك اليوم في البيت الأبيض هو الأول من سلسلة من الاتفاقيات المؤقتة
التي تُوصِّل إليها خلال التسعينيات، والتي كانت تهدف إلى استئناف التعاون بين
الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات.
إن ما أُطلق
عليه اسم
اتفاق أوسلو (الذي أصبح فيما بعد بصيغة الجمع بعد الاتفاقيات اللاحقة) نص
على إنشاء السلطة الفلسطينية، من بين أمور أخرى. وكان الاعتقاد السائد أن هذه
الهيئة السياسية من شأنها أن تمكن من توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني في جميع أنحاء
الضفة الغربية وقطاع غزة في حين يتم تسوية قضايا “الوضع النهائي”. في المقابل، لم
يكن مفهوم “حل الدولتين” – دولتين إسرائيلية وفلسطينية منفصلتين وذات سيادة تعيشان
جنبًا إلى جنب – منصوصًا عليه بشكل واضح قبل 30 سنة، لكن اتفاقيات أوسلو أصبحت
المنطق الدافع له ووضعت خارطة طريق لإحلال سلام دائم.
وفي ذلك
الوقت؛ بدا هذا الإنجاز الدبلوماسي بمثابة لحظة تاريخية بعد سنوات من الصراع
وإراقة الدماء في الأراضي المقدسة. وفي سياق متصل، كتب كلينتون: “لقد انخرط أبناء
إبراهيم معًا في رحلة جريئة”.
لكن بعد ثلاثة
عقود من الزمن، فإن استحضار “أوسلو” في سياق الشرق الأوسط يستحضر شعورًا بالهزيمة؛
حيث يبدو أن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة أصبح الآن أقل احتمالاً مما كان عليه
في سنة 1993. ففي انتهاك للقانون الدولي، توسعت المستوطنات الإسرائيلية في معظم
أنحاء الضفة الغربية، فقسمت الأراضي الفلسطينية من خلال الطرق ومناطق جديدة للمستوطنين اليهود.
ويتم تحويل طبقات المياه الجوفية تحت الأرض إلى المستوطنات، مما يفرض نقصًا مزمنًا
في المياه على الفلسطينيين. وأصبحت القدس الشرقية، العاصمة المفترضة للدولة
الفلسطينية المستقبلية، موطناً لأكثر من 200 ألف مستوطن يهودي؛ ويواجه العديد من
السكان الفلسطينيين هناك حملة صامتة لطردهم من الأحياء التي عاشوا فيها منذ أجيال.
ولا تلوح في الأفق أي بوادر لبدء انحسار
الحكم العسكري الإسرائيلي المفروض على ملايين الفلسطينيين، وهذا ما دفع منظمات
حقوق الإنسان الرائدة في العالم في السنوات الأخيرة إلى الإعلان أن سياسة الفصل
العنصري تسود الضفة الغربية المحتلة.
وأدى اندلاع
الانتفاضة الثانية في سنة 2000 وارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة الفلسطينية إلى
إحباط الجمهور الإسرائيلي بشأن مشروع السلام. بعد ذلك، أدت الانتصارات السياسية
الثابتة لليمين الإسرائيلي – الذي رفض دائمًا مبادرة رابين – إلى وضع مسافة أكبر
بين فحوى اتفاقية أوسلو والحقائق على أرض الواقع؛ حيث تفتخر الحكومة الإسرائيلية
اليمينية المتطرفة الحالية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأعضاء في صفوفها يؤيدون
إيديولوجية قاتل رابين المتطرف أكثر من رئيس وزراء حزب العمل نفسه.
في الأثناء؛
أصبحت السلطة الفلسطينية تتسم بالهشاشة ناهيك عن أن شعبيتها تراجعت على نحو
متزايد. وبعيدًا عن كونها هيئة مؤقتة تحركها روح الحركة الوطنية الفلسطينية، فهي
مؤسسة متصلبة يمزقها الفساد المستشري في هياكلها. فقد تولى زعيمها، خليفة عرفات
المسن، محمود عباس، رئاسة إقطاعيته مثل غيره من المستبدين العرب في المنطقة، الأمر
الذي أدى إلى خنق المجتمع المدني والتهرب خلال مناسبات عدة من الدعوة إلى إجراء
انتخابات جديدة. وإزاء حركة فتح الحاكمة، هناك حركة حماس الإسلامية التي تسيطر على
قطاع غزة المحاصر وتشكل تهديدًا مسلحًا مستمرًّا ضد إسرائيل.
في هذا
السياق؛ كتب دينيس روس وديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن – الذي كان مفاوضاً
أمريكيًّا رئيسيًّا في هذه الاتفاقيات – في افتتاحية نشرت في صحيفة واشنطن بوست: “كان الأمل من اتفاقية أوسلو على
المستوى النظري هو أن ينخرط المعتدلون من كلا الجانبين في تنازلات متبادلة لتوسيع
المجال السياسي لمزيد من التسهيلات”. وأضافا: “للأسف، حدث العكس، حيث كانت النتائج
بطيئة للغاية، ناهيك عن أن الأعمال المتطرفة أدت إلى تقويض العملية”.
من المؤكد أن
إسرائيل حققت مكاسب أكثر من الفلسطينيين مما بشرت به اتفاقيات أوسلو؛ فقد عجلت هذه
الاتفاقيات بتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، مما ساعد على إطلاق الطفرة
التكنولوجية التي دفعت نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل إلى أعلى
من نظيره في معظم الدول الأوروبية.
وفي الوقت
نفسه؛ وفي ظل وهم عملية السلام الراسخة، عززت إسرائيل سيطرتها الفعلية على الأراضي
الفلسطينية. لقد أعطتنا اتفاقيات أوسلو ما وصفه مؤخرا توماس فريدمان، كاتب العمود
في صحيفة نيويورك تايمز، بأنه “الوهم المشترك بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية
كان مؤقتاً فقط”.
وتبنت
الإدارات الأمريكية المتعاقبة هذا الوهم، حيث أعطت الأولوية لمصالح إسرائيل
الأمنية بينما ساعدت في إبقاء عباس الذي لا يحظى بشعبية، والذي يعتبره بعض
الفلسطينيين خادمًا للاحتلال. (أكد نتنياهو بشكل واضح لزملائه في اجتماع لمجلس
الوزراء هذا الصيف أن إسرائيل بحاجة إلى التعاون مع السلطة الفلسطينية، ولكنها
تحتاج أيضًا إلى سحق التطلعات الفلسطينية إلى إقامة دولة – وهو سبب وجود السلطة
الفلسطينية المفترض).
ليس من الواضح
مدى استدامة الوضع الراهن بعد أوسلو، فلا يوجد منصة حالية لإجراء محادثات سلام ذات
مغزى، ومع ذلك لا يوجد سوى القليل من الضغوط الخارجية على إسرائيل للعودة إلى بعض
التفاهمات السابقة في التسعينيات. قد يكون الانفتاح الدبلوماسي على عدد قليل من
الدول العربية – وربما اتفاق التطبيع مع السعودية – هو الفرصة الأكثر أهمية حتى
الآن لإضفاء زخم، لكن معظم المحللين غير مقتنعين بإمكانية حدوث مثل هذا الانفراج
نظرًا للمؤيدين للسياسات
الاستيطانية للحكومة الإسرائيلية المتشددة.
وهكذا يسود
وهم أوسلو، بدعم من المجتمع الدولي. وكتبت المحللة الإسرائيلية داليا شيندلين:
“حتى يومنا هذا، تضخ الحكومات والمؤسسات الأوروبية الأموال في عنصر “الناس للناس”
الأسطوري في نموذج أوسلو”. وأضافت قائلة: “بينما أن المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست سيئة في حد ذاتها، فإن
فكرة أن هذا الحوار الذي يبعث على الشعور بالسعادة يمكن أن يصمد أمام طاغية التوسع
الإسرائيلي، أو المظالم اليومية الطاحنة للاحتلال، أو موجات عارمة من الحملات
العسكرية، كانت خاطئة تمامًا”.
لكن نقطة
التحول قد تكون قاب قوسين أو أدنى؛ فقد كتب المحلل الفلسطيني مروان بشارة: “وبعد
مرور ثلاثين سنة، من المشكوك فيه أن تستمر مسرحية أوسلو لفترة أطول؛ “بالتأكيد ليس
بعد أن استولى المتطرفون المتعصبون على السلطة في إسرائيل ويبذلون جهودًا حثيثة
لتهويد كل ركن من أركان فلسطين التاريخية”. وأضاف: “لكن الفصل العنصري لا يمكن أن
يكون البديل لحل الدولتين؛ بالتأكيد ليس على المدى الطويل”.