نشر موقع "ذي إنترسبت" تقريرا عن الدور الأمريكي
في دعم حزمة إنقاذ لباكستان من
صندوق النقد الدولي بداية العام الحالي مقابل صفقة أسلحة
سرية لأوكرانيا.
واطلع كل من مرتضى حسين وريان غريم على وثائق تظهر الدور
الأمريكي. وقالا إن صفقة الأسلحة السرية
الباكستانية للولايات المتحدة ساهمت في تسهيل
حزمة الإنقاذ المثيرة للجدل من صندوق النقد الدولي، وذلك بحسب مصدرين مطلعين ووثائق
داخلية أمريكية وباكستانية أكدت هذا الكلام.
وجاءت مبيعات الأسلحة لغرض تزويد الجيش الأوكراني بشكل ورط
باكستان في النزاع الذي تعرضت فيه لضغوط أمريكية كي تعلن عن موقف داعم لطرف فيه.
وهذا الكشف هو نافذة عن ما يجري خلف الأضواء من المناورات بين
النخب المالية والسياسية والتي من النادر أن يطلع الرأي العام عليها مع أنهم هم من
يدفعون ثمنها.
فقد أدت الشروط القاسية للإصلاح إلى جولة جديدة من الاحتجاجات
في البلاد، ونظمت إضرابات عن العمل في الأسابيع الماضية ضد الإجراءات.
وتعد هذه الاحتجاجات الفصل الأخير من الأزمة السياسية التي انطلقت منذ عام ونصف العام؛ ففي نيسان/ أبريل قام الجيش الباكستاني وبتشجيع من الولايات
المتحدة بتنظيم تصويت نزع الثقة من حكومة
عمران خان وعزله عن السلطة. وقبل الإطاحة
به عبر الدبلوماسيون الأمريكيون في لقاء مع نظرائهم الباكستانيين عن غضبهم من
"الحياد القاسي" لإسلام أباد من الحرب في أوكرانيا. وحذروا من تداعيات خطيرة
حال ظل خان في السلطة، وقالوا إنهم سينسون الماضي لو عزل عن الحكم.
ومنذ خروج خان من السلطة ظهرت باكستان كداعم مفيد للولايات
المتحدة وحلفائها في الحرب الأوكرانية، وتم رد الجميل من خلال قرض صندوق النقد الدولي.
وسمح القرض للحكومة الباكستانية الجديدة بوقف الكارثة الاقتصادية وتأجيل الانتخابات
لأجل غير معلوم. وقد استخدمت ما لديها من وقت لملاحقة منظمات المجتمع المدني وحلفاء
خان.
وقال عارق رفيق، الزميل غير المقيم بمعهد الشرق الأوسط والمختص
بباكستان: "قد تكون الديمقراطية في باكستان هي الضحية النهائية للهجوم الأوكراني
المضاد".
وتعرف باكستان بأنها مركز لإنتاج الذخائر التي تحتاجها الحروب
الطاحنة. فمع النقص المزمن للذخيرة لدى الجيش الأوكراني، فإن القذائف المنتجة بباكستان
والمعدات الأخرى ظهرت للعلن في تقارير المصادر المفتوحة عن النزاع، مع أنه لا الولايات
المتحدة ولا باكستان اعترفتا بوجود ترتيبات.
وكشفت السجلات التي سربها مصدر من داخل الجيش الباكستاني
هذا العام تفاصيل عن مبيعات الذخيرة التي اتفقت عليها الولايات المتحدة وباكستان، وتغطي
الفترة ما بين صيف 2022 وربيع 2023. وتم التحقق من بعض الوثائق من خلال مقارنة توقيع
الجنرال الأمريكي عليها بتوقيعه المتوفر في السجلات العقارية الأمريكية، أو مقارنة
الوثيقة الباكستانية بالأمريكية، وفي حالات أخرى تمت الاستعانة بإعلانات باكستان السابقة
عن صفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة ونشرها المصرف المركزي في باكستان. وتوسطت شركة
التجارة بالأسلحة العالمية "غلوبال ميليتري برودكتس" وهي فرع عن "غلوبال
أورديننس"، والتي كانت علاقاتها مع شخصيات بسمعة غير جيدة في أوكرانيا موضوع مقال
في "نيويورك تايمز".
وتقدم الوثائق معلومات عن مسار المال والمحادثات مع المسؤولين
الأمريكيين وتشتمل على محادثات مع متعهدين أمريكيين وباكستانيين ووثائق ذات صلة تتعلق
بالعقود التي توسطت بها الولايات المتحدة لشراء الأسلحة الباكستانية لأوكرانيا. وبحسب
مصادر على معرفة بالترتيبات فإن الرأسمال الاقتصادي والنية السياسية الحسنة التي نتجت
عن عقود السلاح لعبت دورا في المساعدة لتأمين حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، ولعبت
وزارة الخارجية دورا في منح الثقة للصندوق وفي ما يتعلق بصفقات الأسلحة غير المعلنة.
ولكي تحصل باكستان على القرض فقد طلب منها الصندوق الوفاء
بأهداف معينة من ناحية التمويل وإعادة تمويل ديونها والاستثمارات الأجنبية والتي تكافح
باكستان من أجل تحقيقها.
وقدمت صفقات الأسلحة لأوكرانيا الأموال لإنقاذ الاقتصاد الباكستاني.
وخفف تأمين القرض من الضغوط السياسية ومنح حكومة الجيش الفرصة لتأجيل الانتخابات، التي
تعتبر مهمة في مرحلة عزل خان وزادت محاولات القمع ضد أنصار رئيس الوزراء المعزول وغيرهم
من المعارضين. والتزمت الولايات المتحدة الصمت حيال انتهاكات حقوق الإنسان والتي وضعت
مستقبل الديمقراطية المحاصرة في باكستان موضع شك.
ويعلق رفيق من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "الفرضية
هي أنه يتوجب علينا حماية أوكرانيا ويتعين عليها حماية هذه الجبهة للديمقراطية على
المحيط الشرقي لأوروبا" ولهذا فإنه "يجب أن تدفع هذه الدولة الآسيوية البنيّة البشرة
الثمن، ولا يهم لو كانت هناك ديمقراطية أو حرم سكانها منها".
وبحسب تحقيق إنترسبت، فإنه في 23 أيار/ مايو 2023، جلس سفير
باكستان في واشنطن مسعود خان مع مساعد وزير الخارحية دونالد لو بوزارة الخارجية للتباحث
حول كيفية تعزيز موقف باكستان في عيون صندوق النقد الدولي من خلال صفقات السلاح لأوكرانيا.
وكان الهدف من الجلوس الذي حصل يوم ثلاثاء هو الاتفاق على التفاصيل قبل لقاء قادم بين
السفير الأمريكي في إسلام أباد دونالد بلوم ووزير المالية الباكستاني إسحاق دار. وأخبر
لو، خان بأن الولايات المتحدة عبدت الطريق أمام ثمن الأسلحة وأنها ستخبر بطريقة سرية
صندوق النقد الدولي بشأن البرنامج.
واعترف لو بأن الباكستانيين يتوقعون مساهمة صفقات الأسلحة
بـ 900 مليون دولار والتي ستساعد على تغطية الفجوة المتبقية من التمويل المطلوب من
صندوق النقد الدولي والمقرر بملياري دولار. وقال لو لـ خان إن المبلغ الذي ستنقله أمريكا
إلى صندوق النقد الدولي سيقرر من خلال المفاوضات. وطرح دار في لقائه مع بلوم، مسألة
صندوق النقد الدولي، بحسب تقرير في "باكستان توداي".
ورفض متحدث باسم سفارة باكستان في واشنطن التعليق وحول السؤال
لوزارة الخارجية الأمريكية التي اكتفت بالقول إن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هي
مسألة تخص المسؤولين الباكستانيين وصندوق النقد الدولي.
ولم يكن للولايات المتحدة أي دور في المحادثات، بحسب الناطق
باسم الخارجية الأمريكية، مع أن واشنطن تواصل تشجيع باكستان على التعاون البناء مع
الصندوق لتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
بدوره نفى المتحدث باسم صندوق النقد الدولي تعرضه للضغوط
ولكنه لم يعلق على علاقة القرض ببرنامج بيع السلاح لأوكرانيا وقال: "ننفي نفيا
قاطعا المزاعم التي تتحدث عن ضعوط خارجية على صندوق النقد الدولي وبطريقة أو بأخرى
أثناء النقاش لدعم باكستان" بحسب المتحدثة باسم الصندوق رندة النجار. إلا أن نفي
وزارة الخارجية ناقضته تصريحات السيناتور الديمقراطي عن ميريلاند كريس فان هولين، فقد
قال بداية هذا الشهر لمجموعة من الصحفيين الباكستانيين: "كانت الولايات المتحدة
محورية وتأكدت من تقدم صندوق النقد الدولي بحزمة إنقاذ اقتصادية طارئة".
ويعتبر فان هولين المولود في كراتشي حيث كان والداه يعملان
في باكستان مبعوثين عن وزارة الخارجية، من المراقبين العالميين للوضع في البلد.
وفي مقابلة مع الموقع يوم الثلاثاء، قال إن معرفته بالدور
الذي لعبته الولايات المتحدة بتسهيل قرض صندوق النقد الدولي جاءت مباشرة من إدارة بايدن
و"فهمي قام على محادثات مع رجال الإدارة وأنه يجب علينا دعم حزمة صندوق النقد
الدولي نظرا للوضع اليائس الذي يعاني منه الاقتصاد في باكستان".
وجاء النقاش بشأن القرض قبل شهر من موعد المراجعة في 30 حزيران/
يونيو ومراجعة صندوق النقد الدولي لدفعة مليار دولار من حزمة بـ 6 مليارات دولار تم
الاتفاق عليها عام 2019.
ونفى المسؤولون في باكستان أن يكون الاقتصاد في وضع حرج وأنهم
يواجهون تحديات لتمويل القرض. وقال وزير المالية أسحاق دار مطلع 2023 إن ضمانات التمويل
الخارجية، أو الالتزامات المالية من الصين ودول الخليج والولايات المتحدة ليست شروطا
يصر صندوق النقد الدولي على الوفاء بها. إلا أن ممثلة الصندوق إيستر فرويد المكلفة
بالتعامل مع باكستان ناقضت في أيار/ مايو الصورة الوردية التي رسمها دار، حيث قالت
إنه يتعين على كل المقترضين إظهار قدرتهم على تمويل المدفوعات وباكستان ليست استثناء.
وأدى بيان صندوق النقد الدولي بالمسؤولين في باكستان للبحث عن ضامنين، وقالوا إن لديهم
التزامات بـ4 مليارات دولار من دول الخليج إضافة لمليار دولار من صفقة الأسلحة لأوكرانيا.
ويقول رفيق: "كان هناك مأزق بسبب ما تبقى من المبلغ
وهو ملياري دولار". إلا أن صندوق النقد الدولي أعلن في 29 حزيران/ يونيو وقبل
يوم من نهاية الموعد المحدد أعلن بشكل مفاجئ بأنه لن يمدد القروض السابقة ويقدم الدفعة
القادمة وهي 1.1 مليار دولار، بل وسيقوم بدلا من ذلك بالدخول في اتفاق "ترتيب
احتياطي" بدون شروط مرافقة له وببنود محبذة وبقيمة 3 مليارات دولار. ولو لم يحدث
هذا لحصل انهيار اقتصادي في باكستان. وشمل الاتفاق على تخفيض قيمة العملة وسحب الدعم
عن الكهرباء. وتم توقيع العقد في تموز/ يوليو بعد مصادقة البرلمان على الشروط بما في
ذلك زيادة 50% في سعر الطاقة.
وتظل التفاصيل المتعلقة بتجاوز باكستان الأزمة الاقتصادية
مغلفة بالسرية حيث تساءل مراقبون عن الطريقة التي لعب فيها برنامج تسلح سري في الأمر،
مع أن التعامل مع صندوق النقد الدولي يجب أن يكون واضحا وبناء على القواعد.
ويشير الموقع أن باكستان كانت بداية الحرب على أوكرانيا في
وضع جيوسياسي مختلف، وكان خان، رئيس الوزراء في حينه بالجو للقاء ثنائي مع الرئيس الروسي
خطط له منذ وقت طويل، لكن الزيارة أغضبت الأمريكيين. وأخبر لو سفير باكستان في واشنطن
أسعد مجيد خان أن واشنطن ترى أن موقف الحياد من الحرب اتخذ بناء على توجيهات خان، مضيفا
أنه سيتم تناسي كل شيء لو عزل عمران خان.
ومنذ ذلك الوقت عبرت إسلام أباد عن مواقف مؤيدة لواشنطن.
من ناحية أخرى واصلت أمريكا إنكار أنها حرفت ميزان الديمقراطية
في باكستان. وفي لقاء مع أعضاء "شتات باكستاني" في نهاية آب/ أغسطس قالت نائبة
لو، إليزابيث هورست: "أريد أن أتحدث عن معلومات مزيفة بشأن الدور الأمريكي في
السياسة الباكستانية"، وقالت إن الولايات المتحدة لن تسمح للمعلومات المضللة والمزيفة
أن تقف بين العلاقات الثنائية بين البلدين وأن واشنطن لا تتخذ موقفا مع أي من الساسة
في باكستان. مع أن مسؤولين باكستانيين بمن فيهم رئيس الوزراء السابق شهباز شريف أكدوا
صحة المعلومات ونشرها موقع "إنترسيبت".
وبرز نفس الرأي من هولين في لقائه مع الصحفيين الباكستانيين
حيث قال إنه حصل على تأكيدات من الإدارة بأنها لم تتدخل في السياسة بباكستان. ولكنه
وضح في لقائه مع "إنترسبت": "لست منكرا لصحة البرقيات الدبلوماسية"
و"انظر، ليست لدي فكرة عن موقف الإدارة من النتائج النهائية، ولكنني لا أقرأ البرقية
وأنها تعني هندسة الولايات المتحدة للعزل".
وبعد عزل خان، بدأ الجيش حملة لسحق أنصاره وسجنهم وقتلهم،
ولا يزال خان معتقلا ويواجه 150 تهمة تتعلق بإساءة التعامل مع الوثائق الرسمية وقضايا
أخرى، وهي مبرر لمنعه من العودة للسياسة.
وفي الوقت الذي تترنح فيه باكستان من الاتفاق مع صندوق النقد
الدولي وشروط التقشف، قدم قادة الجيش وعودا رنانة للسكان بتحسن الأوضاع الاقتصادية.
وفي لقاء مع رجال الأعمال قال قائد الجيش عاصم منير إن البلاد تتوقع حوالي 100 مليار
دولار كاستثمارات من السعودية. ولا توجد أدلة عن استثمارات من السعودية أو دول الخليج
الأخرى، فقد أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان أثناء مشاركته بقمة العشرين في
الهند عن استثمارات كبيرة وشراكة اقتصادية مع نيودلهي. ولم يزر محمد بن سلمان باكستان
رغم ما يرد في الصحافة المحلية علاوة على استثمارات.
وفي غياب الدعم الخارجي، أصبح نظام باكستان العسكري يعتمد
على قروض صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة وصفقات الذخيرة لأوكرانيا للحفاظ على
نفسه وسط أزمة بدون حل.