يستعد الناخبون
المصريون لخوض غمار انتخابات رئاسية جديدة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بينما يسابق المرشحون المحتملون الزمن لجمع توكيلات الترشح، والتي أصبحت حديث الساعة في مصر، وذلك على خلفية حملة التضييق التي تمارسها السلطات عبر أذرعها المختلفة، في محاولة لمنع جمع
التوكيلات للمرشحين المنافسين للرئيس الحالي، عبد الفتاح
السيسي.
ويشترط القانون على من ينوي الترشح للرئاسة الحصول على دعم وتوقيع 20 نائبا في مجلس النواب، أو الحصول على توكيلات انتخابية بالترشح من 25 ألف مواطن، موزعين على 15 محافظة على الأقل بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة.
ويسعى المرشحون لتحرير التوكيلات قبل انتهاء المدة المحددة، والتي بدأ العمل بها الثلاثاء الماضي، وتستمر لمدة 10 أيام فقط، على أن تتلقى "الهيئة الوطنية للانتخابات" طلبات الترشح من 5 إلى 14 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وسيصوت المصريون في الخارج على مدار الثلاثة أيام الأولى من كانون الأول/ ديسمبر القادم، بينما سيجري التصويت في داخل مصر أيام 10 و11 و12 من الشهر نفسه.
من هم المرشحون المحتملون؟
ويبرز الشاب الأربعيني، والنائب السابق، أحمد
الطنطاوي كأحد المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة، ويتصدر قائمة من سبعة مرشحين أعلنوا نيتهم الترشح حتى الآن، وبدأوا بالفعل في جمع التوكيلات، وهم، رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي فريد زهران، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد فؤاد بدراوي.
وأعلنت شخصيات مصرية بارزة، تأييدها للمرشح الطنطاوي، بينهم أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، الذي أعلن عن تأييده التام لأحمد الطنطاوي، قائلا: "أعتقد أن الوقت قد حان لإعلان الأمر، ومناشدة الشباب الذي حلم يوماً بالتغيير أن يلتف حوله ويساند حملته الانتخابية بكل ما يستطيع".
ومن بين الشخصيات التي أعلنت دعمها للطنطاوي، أستاذ العلوم السياسية، مأمون فندي، في حين تمكن كل من المفكر السياسي وعضو الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، يحيي القزاز من عمل توكيل للطنطاوي، وكذلك مؤسس الجمعية الوطنية للتغيير، عبد الجليل مصطفى.
شكاوى منع التوكيلات
وبينما اشتكى بعض المرشحين في البداية من منع موكليهم من تحرير توكيلات الترشح في مكاتب الشهر العقاري، من قبل بلطجية وبعض موظفي المكاتب نفسها، وتعرض بعض المصريين للضرب والتنكيل أمام أبواب تلك المكاتب، صرحت حملات لمرشحين خلال الساعات الأخيرة بحدوث انفراجة، بعد تراجع السلطات عن سياسة منع تحرير التوكيلات.
واشتكت حملة المرشح، أحمد الطنطاوي قبل يومين من تعرض مؤيدين لمرشحها للضرب والإهانة وسحب البطاقات الشخصية من قبل مجموعات من البلطجية أمام بعض مكاتب الشهر العقاري، وعلى إثر ذلك قررت الحملة تعليق تحرير التوكيلات مدة 48 ساعة احتجاجا على المضايقات، قبل أن تؤكد حدوث انفراجة في الموضوع خلال الساعات الماضية، وتمكن عدد كبير من المصريين في الداخل والخارج من تحرير توكيلات.
والثلاثاء، طالب حزب "التحالف الشعبي" الهيئة الوطنية للانتخابات بالتحقيق في تعرض مواطنين لاعتداء مجموعات أمام الشهر العقاري، داعيا إلى توفير إشراف قضائي على الشهر العقاري، ومشددا على ضرورة حياد جميع المؤسسات.
لكن المستشار السياسي لحملة الطنطاوي، أحمد عابدين صرح الأربعاء بأن هناك تغيرا "إيجابيا" في الموقف من موضوع تحرير التوكيلات، رغم استمرار التعنت في بعض المكاتب، داعيا إلى تمكين الجميع من ممارسة حقهم القانوني والدستوري، في عمل توكيلات الترشح.
هيئة الانتخابات ترد
من جانبها رفضت الهيئة الوطنية للانتخابات بـ"أسف شديد"، ما قالت إن البعض أثاره من تشكيك وتطاول غير مقبول على عملها في الإشراف على الاستحقاق الدستوري للانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وقالت الهيئة إنها تتابع عن كثب كل ما يتعلق بتنفيذ قراراتها المعلنة في سبيل إجراء
الانتخابات الرئاسية المقبلة، حرصا منها على حسن تنفيذ تلك القرارات، والتي صدرت اتفاقا مع أحكام الدستور والقوانين ذات الصلة والمعايير الدولية، وفي مقدمتها ما يتعلق بتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة التامة والكاملة بين جميع من سيتقدمون إليها لخوض غمار المنافسة الانتخابية.
وقالت إنها ترفض مطلقا أن يتم الزج بها طرفا في أي خلافات أو مناكفات سياسية من أي نوع ومن قبل أي طرف، أو أن تنسب إليها وقائع من نسج خيال البعض، أو أن يتم التطاول عليها، ومثل هذه التصرفات والسلوكيات غير المنضبطة، لن يتم التهاون إزاءها أو التسامح معها، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها بصورة حاسمة وسريعة.
من جهتها، ردت المرشحة الرئاسية "المحتملة" جميلة إسماعيل، على بيان الهيئة الوطنية للانتخابات، مؤكدة تعرض المرشحين المحتملين لعراقيل في أثناء جمع التوكيلات خارج اللجان وتهديد وترويع داخلها لمن يختار تحرير التوكيلات لغير رئيس الدولة.
وأشارت المرشحة المحتملة إلى المقاطع المصورة المتداولة والتي تظهر تعطيل توكيلات المعارضين، إضافة إلى مصادرة بطاقات البعض ممن يرفض تحرير توكيل باسم الرئيس.
وقالت المرشحة المحتملة في بيان، إن اعتبار الهيئة الوطنية أن بياناتنا مجرد ادعاءات ووصفها بالكاذبة، موقف نتحفظ عليه، ويثير الريبة في نفوسنا من موقفها هذا، ولا نجد مبررا له، ونصفه في أقل تقدير بالتسرع.
أما الرئيس السيسي فقد حصل على توقيعات كافية من نواب حزب "مستقبل وطن" وحزب "حماة الوطن" وآخرين، كما أنه من المتوقع أن يحصل على التوكيلات الشعبية أيضا، رغم عدم إعلانه رسميا الترشح للانتخابات.
مخاوف من تجيير الانتخابات
ووسط خشية من تجيير الانتخابات لصالح مرشح بعينه، استدعى رئيس حزب "الإصلاح" محمد أنور السادات الجيش المصري للمشهد السياسي الداخلي، داعيا إياه الأربعاء الماضي، عبر بيان لافت للإشراف على الانتخابات الرئاسية، معربا عن مخاوفه من أن "تلحق بمصر عدوى الانقسام والانهيار المحيط بها إقليميا".
السادات، بدأ بيانه بكلمة "نداء إلى القوات المسلحة المصرية"، وطالب الجيش بضمان إجراء الانتخابات بشكل نزيه، مذكرا بدوره بانتخابات الرئاسة عام 2012، التي جاءت بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (الراحل محمد مرسي).
وقال: "أهيب بالقوات المسلحة صيانة النظام الديمقراطي طبقا للمادة 200 من الدستور المصري".
وضمن التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان في نيسان/ أبريل عام 2019، تضمنت (المادة 200)، إضافة تقول؛ إنه على الجيش "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد".
ماذا بشأن المرشح العسكري؟
وفي السياق، استدعى المتحدث باسم التيار الليبرالي الحر، عماد جاد، صهر السيسي، ورئيس أركان القوات المسلحة السابق، الفريق محمود حجازي، للمشهد الانتخابي، وفي بيان له بـ"فيسبوك"، الثلاثاء الماضي، دعاه عبر ما أسماه بـ"النداء الأخير"، للترشح بالانتخابات الرئاسية.
وبينما لم يصدر عن الفريق حجازي أي رد بالخصوص، أظهر استطلاع للرأي أجراه الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، عبر صفحته بموقع "X"، اختيار 91.4 بالمئة من المشاركين بالتصويت الفريق حجازي، كمرشح رئاسي، بينما اختار 8.6 بالمئة فقط، السيسي.
ويرى الباحث المصري المتخصص في العلاقات المدنية العسكرية والدراسات الأمنية محمود جمال، أن استدعاء "السادات"، و"جاد"، للجيش وقياداته إلى المشهد السياسي، قبيل رئاسيات مصر، يأتي ضمن محاولات لإنقاذ البلاد مما تتجه إليه؛ إذا استمرت سلطة السيسي.
وفي تقديره لاحتمالات استجابة الجيش لتلك الدعوات، وإذا كان سيفرط في السيسي من عدمه، يرى الباحث المصري، أنه "بناء على المؤشرات والشواهد الحالية، ومن وجهة نظري، فإن قيادات المؤسسة العسكرية الحالية ومؤسسات الدولة، تسير مع السيسي في خطته للاستمرار بالحكم". وفق ما صرح به لـ"عربي21".
وفي وصفه للحالة المصرية، قال؛ إن "الواقع شديد البؤس، ولا أحد يريد أن يستمع لصوت العقل، لكي نتفادى جميعا المستقبل المظلم القادم والحاضر البئيس".
يشار إلى أن السيسي الذي جاء عبر انقلاب على محمد مرسي أول رئيس مدني في مصر، في يونيو/ حزيران عام 2013، تولى الرئاسة بعد فوزه في انتخابات عام 2014، أمام مرشح واحد فقط هو السياسي اليساري حمدين صباحي.
كما فاز بانتخابات عام 2018 أمام مرشح واحد هو رئيس حزب الغد، موسى مصطفى موسى، الذي أكد مع إعلانه الترشح أنه مؤيد للسيسي، فيما اعتبره معارضون مسرحية هزلية.
وكانت فترة الولاية الرئاسية 4 سنوات وفقا للدستور المصري، لكن تم تمديدها إلى 6 سنوات في تعديلات دستورية أقرت عام 2019، ما مدد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي حتى مطلع نيسان/ أبريل عام 2024، كما سمحت له بالترشح لولاية ثالثة تستمر حتى عام 2030.
لكن جرى تقديم موعد الانتخابات بنحو أربعة أشهر لتجري نهاية العام الجاري، وسط تكهنات بأن السبب وراء ذلك هو الحاجة الملحة لاتخاذ قرارات اقتصادية قاسية، أبرزها تعويم جديد محتمل للجنيه المصري.