تتصاعد الأزمة بين
الهند وكندا على خلفية مقتل
زعيم سيخي معارض للهند في
كندا خلال حزيران/ يونيو الماضي.
وفي أحدث جولات التصعيد بين البلدين طالبت الهند كندا بسحب أكثر من 40 دبلوماسيا كنديا من نيودلهي خلال مدة أقصاها العاشر من الشهر الجاري، وفقا
لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وأوضحت الصحيفة أن نيودلهي هددت أوتاوا برفع الحصانة الدبلوماسية عن الذي يبقى من الدبلوماسيين في الهند بعد الموعد المحدد.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها، إن هناك 62 دبلوماسيا كنديا يعملون في الهند، وتطلب الأخيرة طرد 41 منهم.
تسلسل زمني للأزمة
في 18 حزيران/ يونيو قتل زعيم طائفة السيخ بمقاطعة كولومبيا البريطانية هارديب سينغ نيجار، بعد إطلاق النار عليه أمام معبد للسيخ بمدينة ساري غرب كندا.
ويعد نيجار من الداعين لاستقلال ولاية "خاليستان" بمنطقة البنجاب الهندية، حيث كان عضوا في حركة تدعو إلى تأسيس دولة مستقلة للسيخ في جزء من شمال الهند أو جزء من باكستان، وتصنفه نيودلهي "إرهابيا مطلوبا".
وعام 2020 اتهمته وكالة
التحقيقات الوطنية الهندية بمحاولة "تحريض مجتمع السيخ على التطرف في جميع أنحاء العالم"، لإنشاء وطن "خالستان".
لم تعلن كندا الجهة المسؤولة عن
الاغتيال حينها، حتى خرج رئيس وزراء البلاد جاستن ترودو في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، موجها الاتهام صراحة للهند بالوقوف وراء العملية.
وقال ترودو أمام مجلس العموم، إن هناك "ادعاءات موثوقة" بأن حكومة الهند تقف وراء مقتل زعيم السيخ هارديب سينغ نيجار، مبينا أن "وكالات الأمن الكندية تابعت على مدى الأسابيع الماضية، بنشاط مزاعم موثوقة عن وجود صلة محتملة بين عملاء للحكومة الهندية ومقتل نيجار".
وأشار إلى أن "أي تورط لحكومة أجنبية في قتل مواطن كندي على الأراضي الكندية هو انتهاك غير مقبول لسيادتنا، ويتعارض مع القواعد الأساسية التي تتصرف بها المجتمعات الحرة والمفتوحة والديمقراطية".
بالتزامن مع ذلك، قالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، إن بلادها "طردت الدبلوماسي الهندي بافان كومار راي، رئيس وكالة الاستخبارات الهندية في كندا"، مبينة أن "الخطوة جاءت لمزاعم موثوقة، لو ثبتت صحتها فسيكون ذلك انتهاكا لسيادتنا والقواعد الأساسية للتصرف بين الدول".
في المقابل وصفت وزارة الخارجية الهندية، اتهامات الحكومة الكندية لنيودلهي بالوقوف وراء اغتيال زعيم السيخ "بالعبثية وذات الدوافع".
وردت الوزارة الهندية بطرد دبلوماسي كندي رفيع، وطلبت منه مغادرة البلاد خلال 5 أيام.
في الـ 20 من الشهر الماضي حذرت الهند مواطنيها من زيارة كندا، وحثت رعاياها هناك على توخي الحذر مع تدهور العلاقات جراء تبادل طرد الدبلوماسيين.
وقالت وزارة الخارجية الهندية، إنه "في ضوء الأنشطة المتزايدة المناهضة للهند وجرائم الكراهية التي تتغاضى عنها كندا، نحث جميع المواطنين الهنود هناك ومن يفكرون في السفر، على توخي أقصى درجات الحذر".
وأوقفت الهند بعد تحذيرها بيوم، خدمات إصدار تأشيرات السفر للمواطنين الكنديين، إذ قالت وكالة "بلومبيرغ" إن مركز “بي إل سي إنترناشونال” الذي يدير مراكز طلبات التأشيرات الهندية في كندا، نشر مذكرة تفيد بتعليق خدمات التأشيرات إلى أجل غير مسمى لـ”أسباب فنية” ابتداء من 21 أيلول/ سبتمبر الماضي.
وكشفت هيئة الإذاعة الكندية عن اتصالات جُمعَت بشأن مقتل نيجار، تكشف عن وجود أدلة تربط بين دبلوماسيين هنود وحادثة الاغتيال.
وذكرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية أن مصادر في الأمن القومي الكندي أكدت أن المسؤولين الهنود لم يشككوا في هذه المزاعم في اجتماعات مغلقة مع المسؤولين الكنديين.
وخلال الأسابيع التي سبقت اتهام ترودو للهند، سافر رئيس وكالة المخابرات الكندية ومستشار الأمن القومي والاستخبارات إلى الهند في محاولة لإقناع نيودلهي بالتعاون في تحقيقات مقتل نيجار.
في 23 أيلول/ سبتمبر دخلت
الولايات المتحدة على خط الأزمة وأعلنت دعمها لجهود كندا في التحقيق في اغتيال نيجار، داعية الهند للتعاون.
وشدد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، على أهمية إجراء تحقيق شفاف وشامل لكشف الحقيقة المحيطة بالحادث.
في 24 من ذات الشهر، أعلن السفير الأمريكي في كندا، أن "معلومات استخباراتية مشتركة بين تحالف 'العيون الخمس' هي التي ساعدت في توجيه كندا للإدلاء بالتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء".
ونشرت صحيفة " نيويورك تايمز" تقريرا في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، تضمن حديثا لمسؤولين أمريكيين أكدوا، أن "وكالات الاستخبارات الأمريكية عرضت على نظيراتها الكندية سياقا ساعد أوتاوا على استنتاج أن الهند متورطة".
بدوره أكد كبير مستشاري الأمن القومي في الولايات المتحدة جيك سوليفان، أن "مزاعم تورط الهند بعملية الاغتيال تثير القلق ولهذا يجري مسؤولون أمريكيون محادثات مع نظرائهم الهنود بهذا الخصوص".
وحذر سوليفان قائلا: “لا استثناء خاصا تحصل عليه الهند مقابل أفعال كهذه، وبغض النظر عن الدولة، سنقف وندافع عن مبادئنا الأساسية وسنتشاور عن كثب مع حلفاءَ مثل كندا في أثناء متابعتهم لإنفاذ القانون والعملية الدبلوماسية".
وفي الـ25 من الشهر الماضي أعلنت كندا عن تحديثات للسفر إلى الهند تضمنت تحذيرا لرعاياها في الهند بتجنب الاحتجاجات، والمشاعر السلبية التي قد يتعرض لها البعض من الكنديين في الهند، كما أنها ناشدت وزارة الخارجية المسافرين بتوخي الحذر والحيطة للمسافرين إلى الهند.
وأعلن البلدان عن تعليق محادثات تجارية تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، وأشار مسؤولون في الهند وكندا في السابق إلى أنها على وشك الانتهاء.
وتصاعد التوتر بين البلدين حتى طالبت الهند مطلع الشهر الحالي، بسحب 41 دبلوماسيا كنديا على أراضيها.
وأثار الحادث احتجاجات وغضبا بين السيخ في كندا ودول أخرى، وطالبوا بالعدالة لنيجار ومحاسبة الهند.
وتعد طائفة السيخ أقلية مهمة ومؤثرة في كندا، وينتمي إليها العديد من السياسيين البارزين وقادة الأعمال والمشاهير.
وتعترض الهند على أنشطة السيخ في كندا لأنها ترى أنهم يدعمون حركة خالستان الانفصالية.
واتهمت الهند كندا بالسماح لنشطاء خاليستان بالعمل بحرية على أراضيها والتدخل في شؤونها الداخلية من خلال إثارة قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بطائفة السيخ.
وخرج ترودو مرة أخرى ليؤكد أن بلاده "لا تتطلع إلى تصعيد" التوتر مع الهند ردا على قرارها بطرد الدبلوماسيين.
وقال ترودو: "لا نتطلع إلى التصعيد، سنعمل ما ينبغي لمواصلة إقامة علاقات بنّاءة مع الهند خلال هذا الوقت العصيب للغاية".
ولم يُجب مباشرة في تصريحات للصحفيين عمّا إذا كانت كندا سترد على قرار نيودلهي بالمثل عبر طرد دبلوماسيين هنود من أراضيها.
لكنه اتخذ لهجة تصالحية في رده على القرار، قائلا إن النزاع جعل "من المهم بالنسبة لنا أن يكون لدينا دبلوماسيون على الأرض يعملون مع الحكومة الهندية لدعم الكنديين وعائلاتهم".