باكستان دولة ذات ثقل في العالم الإسلامي، وهي دولة نووية منخرطة في
صراع على سيادتها واستقلالها واستقرارها مع قوة عظمى صاعدة هي الهند. خلال الحرب
الباردة بين الولايات المتّحدة والاتحاد السوفييتي، وارتفعت أهمّية باكستان بشكل
كبير على المستوى الإقليمي والدولي. وقد أدى الغزو الذي قاده الاتحاد السوفييتي ضد
أفغانستان في السبعينيات من القرن الماضي إلى جعل باكستان محور اهتمام رئيسي من
قبل الغرب لاحتواء وإسقاط القطب الثاني في النظام الدولي.
على المستوى الإقليمي، وبالرغم من اختلاف شكل النظام ومرجعتيه واللغة
والثقافة، لطالما حظيت باكستان بوضع خاص ومكانة رفيعة في المشهد العربي والإسلامي
وبأشكال كثيرة ومختلفة لعل أبرزها على الإطلاق الشق العسكري، إلى جانب أشكال أخرى
من بينها الثقافة والتعليم. باكستان لعبت دوراً أساسياً في تدريب وتأهيل الكوادر
العسكرية في عدد من الدول العربية والإسلامية، وساعدت بعض هذه الدول على تطوير
تكنولوجيا نووية.
ويغيب عن بال كثيرين اليوم أنّ سلاح الطيران الباكستاني ومن خلال
طيّاريه شارك عملياً في الحروب العربية ـ الإسرائيلية في الـ 67 والـ 73. الطيّارين
الباكستانيين شاركوا في هذه الحروب من خلال الانضمام إلى جيوش عربية مختلفة
واستطاعوا إسقاط 7 مقاتلات إسرائيلية دون أن يفقدوا طائرة واحدة. من بين هؤلاء
الذين شاركوا في إسقاط مقاتلات إسرائيلية الباكستاني من أصل بنغلاديشي "سيف
العظم" الذي أسقط 3 مقاتلات في 6 أيام.
سيف العظم يعتبر الطيّار الوحيد في العالم ربما الذي شارك رسمياً في
خدمة أربع دول هي: الأردن، العراق، باكستان، وبنغلاديش، واستطاع إسقاط مقاتلات لدول
خصمة في أكثر من بلد من بينها إسرائيل والهند. سيف العظم توفي عام 2020، وسيخلّده التاريخ كبطل وستبقى صورته كذلك إلى
الأبد. لكنّ وفاة سيف العظم تأتي في توقيت تعاني فيه باكستان من مشاكل وتحدّيات
عديدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
في العقود الماضية، لاسيما بُعيد الحرب "المقدّسة" التي أطلقتها الولايات المتّحدة ضد "الإرهاب" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001،
يمكن ملاحظة أنّ أهمّية باكستان على الصعيد الإقليمي، والعربي ـ الإسلامي، والدولي
آخذة في التراجع بشكل سريع في ظل المشاكل الداخلية والتحديات الإقليمية والتحوّل
الجاري في شكل النظام الدولي والتوازنات الدولية.
على الصعيد المحلي، باكستان محاطة بعدد من الجيران الذين يعانون من
مشاكل داخلية متعاظمة كذلك وأخرى ذات صلة بالعلاقة مع الولايات المتّحدة، وهو ما
ينعكس في نهاية المطاف على وضع باكستان الأمني والإقتصادي والسياسي وحتى
الاجتماعي. العقوبات على إيران، هي عقوبات غير مباشرة على باكستان تحرمها من
الاستفادة من التجارة. العقوبات على أفغانستان، هي عقوبات غير مباشرة على باكستان
تزيد من الضغط المالي والاجتماعي عليها لاسيما مع تزايد اللاجئين.
من دون تحوّل استراتيجي في فكر وسياسة باكستان سيكون من الصعب الإستفادة من التحولات الجارية على المستوى الإقليمي والدولي
على الصعيد الإقليمي، فإن انسحاب الولايات المتّحدة من أفغانستان ـ كما هو
وجودها السابق ـ لم يُفد باكستان بالشكل الذي كان يتوقعه البعض، وهي تدفع الثمن في
الحالتين. باكستان لا تستفيد اليوم من المصالحات وعمليات التطبيع الجارية في
الإقليم سواء في منطقة الخليج العربي أو في الشرق الأوسط، حيث يتم النظر إليها بشكل
عام على أنّها مصدر للعمالة الرخيصة فقط! معظم دول المنطقة أعادت التموضع بشكل
يقرّبها إلى الهند في ظل التنافس الدولي المتصاعد بين الولايات المتّحدة والصين.
ولا شك أنّ ذلك يأتي على حساب باكستان حيث تمّ تجاهل وضع إسلام أباد في الصراع مع
الهند كما تمّ تهميش قضية كشمير.
على الصعيد الدولي، وفي سياق التنافس المتزايد بين الولايات المتّحدة
والصين، تنظر واشنطن إلى علاقاتها مع عدد كبير من الدول من خلال عدسة الموقف من
الصين. واستناداً إلى هذا المعيار، فإنّ الولايات المتّحدة تنظر إلى باكستان على
أنّها تحت تأثير الصين بشكل أساسي وأنّه لا أهمّية لعلاقة مع باكستان في ظل
التحالف مع الهند واعتبار الهند الشريك الاستراتيجي الرئيسي في الاستراتيجية
المفترضة لاحتواء ومواجهة الصعود الصيني.
وبالرغم من أنّ باكستان تبدي انفتاحاً واستعدادًا لمد يد التعاون مع
الجميع على أساس الربح المتبادل في ظل التحوّلات الجارية في الإقليم وعلى المستوى
الدولي، إلاّ أنّ دعواها لا تلقى آذاناً صاغية بالضرورة من الآخرين، إمّا لأنّ
باكستان ليست عدوة وبالتالي فليس هناك حاجة لشراء رضاها، أو لأنّ باكستان ليس
لديها ما تعطيه من وجهة نظر بعض الدول في ظل صداقة استثنائية، أو لأنّه لا حاجة
لأخذ باكستان بعين الاعتبار.
في جميع الأحوال، تبدو باكستان خاسرة في ظل هذه المعادلة، ولذلك فمن
دون تحوّل استراتيجي في فكر وسياسة باكستان سيكون من الصعب الاستفادة من التحولات
الجارية على المستوى الإقليمي والدولي، وكل ما ستجنيه هو مزيد من التحديات
والمشاكل. وعلى باكستان الكثير لتقدّمه، وكل ما عليها فعله هو أنّ تركزّ على ذلك
وعلى ضرورة أن يكون هناك إدراك للوضع الحالي وإرادة لتغييره.