تتسبب عمليات القصف العنيفة التي يشنها الاحتلال ضد قطاع
غزة خلال عدوانه الأخير، بتأثير اهتزازي تتعرض له مختلف أنواع البنايات والإنشاءات لثوان معدودة، إلا أنه قد يكون لها أبعاد كارثية على المدى القصير والطويل.
ويخلف القصف الإسرائيلي الذي يتعمد استهداف الأحياء والمباني السكنية في القطاع في كل عدوان يشنه الاحتلال، دمارا واسعا في البنية التحتية والقطاعات المعمارية، يتجاوز أثره نطاق موقع الاستهداف المباشر بفعل الهزات الشديدة التي تنتج عن الغارات والقصف العنيف.
وتشبه هذه الاهتزازات التأثير الذي تحدثه الزلازل، إلا أنها تكون بقوة أقل ووقت أقصر، لكنها تشترك في التأثير السلبي والخطير بحسب ما أكده خبراء ومختصون لـ"عربي21".
وكان عدوان عام 2014 على القطاع قد تسبب في دمار أكثر من 89 ألف منزل جراء هجمات الاحتلال فضلا عن أعداد المباني المتضررة بشكل جزئي، وقدرت تكلفة إعادة الإعمار بنحو 4 إلى 6 مليارات دولار، بحسب الأمم المتحدة.
وأوضح الأستاذ الدكتور والعميد السابق لكلية الهندسة في جامعة
فلسطين بغزة، علي إبراهيم تايه، أن هذه الاهتزازات تؤثر بشكل سلبي على المباني المجاورة لمكان القصف، خاصة المباني الشعبية والقديمة التي تكون ضعيفة ولا تقوى على الصمود.
وشرح تايه أن "هذه الاهتزازات تتكون نتيجة مؤثرات طبيعية مثل: الكوارث والفيضانات والزلازل والبراكين، أو من صنع الإنسان مثل القصف أو اقتراب المبنى من طريق تمر عبره مركبات ثقيلة تحمل أوزانا بالأطنان، ما يتسبب في اهتزازات في التربة".
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن هذه الاهتزازات تؤثرعلى القواعد في المبنى وتعمل على خلخلتها، ما يتسبب في دوره بحدوث تشققات ينتج عنها ضعف في البنية بشكل عام، مؤكدا أن "المباني الضعيفة والقديمة إذا كانت بجانب مبانٍ أخرى مستهدفة بالقصف فإنها تتأثر بشكل كبير".
وقال تايه إن "هناك عمارات انهارت بالفعل أو تم هدمها لأنها لم تحتمل هذه المؤثرات الخارجية"، مضيفا أن "هذه الاهتزازات تحدث أيضا شروخا في المباني والإنشاءات ما يقلل من عمرها الافتراضي".
وتابع: "يمكن إصلاح وتدعيم هذه المنشآت المتضررة في الغالب، إلا أنه يتم النفور من السكن فيها من ناحية نفسية باعتبار أنها كانت متضررة يوما ما".
وعام 2021، أدت هجمات
الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير 1500 منزل بشكل كامل، وقال وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية السابق ناجي سرحان إن العدوان كلف قطاع غزة حينها نحو 497 مليون دولار.
وكانت الأمم المتحدة قدرت الدمار في غزة بسبب عدوان الاحتلال المتكرر بين عامي 2008 و2021 بأكثر من 5 مليارات دولار.
التأثير الأخطر
يؤكد تايه أن المباني العالية هي أكثر عرضة لتأثير الاهتزازات، لا سيما إذا لم تكن قد التزمت بالشروط والمواصفات التي وضعهتا الجهات المختصة مثل نقابة المهندسين والبلديات والدفاع المدني.
ويوضح أن قوة المبنى تعتمد على مجموعة من العوامل منها: ترابط الأعمدة بالأسقف والأحزمة، وإذا كانت المباني حجرية دون هذا الترابط تكون احتمالية الانهيار كبيرة وواردة جدا، أما إذا كانت المباني من الخرسانة المسلحة فتكون أقل عرضة للأضرار.
ويحذر تايه من تشابه الاهتزازات مع الزلازل، نظرا لأن تصاعد العدوان الذي تم في أعوام 2008 و2012 و2018 و2021 وفي العدوان الحالي، يمكن أن يعادل زلزالا من قوة 6 أو 7 درجات على مقياس ريختر، مشيرا إلى أن هذا الرقم ليس بسيطا.
رغم ذلك، فإن تايه يلفت إلى أن الأوضاع في غزة رغم الحروب المتتالية ليست سيئة، نظرا لوجود ثقافة منتشرة بين أهالي القطاع بزيادة المواد المستخدمة في البناء بدافع الحيطة.
وأكد تايه في حديثه لـ"عربي21" أن مثل هذه الإضافات التي يزيدها أهالي غزة خلال إنشاء المباني في القطاع ساهمت بشكل ملحوظ في صمود كثير منها أمام قصف الاحتلال الإسرائيلي خلال الحروب السابقة، لافتا إلى أن المباني المدعمة بفعل الثقافة المنتشرة في غزة أكثر قدرة على تحمل الاهتزازات التي ينتجها القصف.
إجراءات لضمان صمود المباني
من جهته، قال نقيب المهندسين في قطاع غزة، محمد عرفة، إن "الاهتزازات التي يخلفها القصف الإسرائيلي تؤثر بشكل مباشر على المباني، خصوصا القريبة من موقع القصف"، موضحا أن "هذا النوع من الهزات يمكن تشبيهه بتأثير الزلازل لكن بدائرة قطرها أصغر".
وأضاف عرفة في حديثه لـ"عربي21" أن مدى الخطورة المترتب على الهزات الناتجة يتعلق بتصميم الهيكل الإنشائي للمبنى، حيث يكون التأثير أكبر كلما زاد ارتفاع البناء، لاسيما في المباني المبنية من الطوب دون أعمدة وسقف خرساني.
وشدد نقيب المهندسين على ضرورة ترميم المباني التي تصاب بالشقوق جراء القصف بالتنسيق أما مع الوزارات المختصة أو المكاتب الاستشارية والمهندسين المختصين، وذلك لضمان سلامة البناء وأمان قاطنيه.
وفي السياق، أوضح عرفة أنه "بعد سماح البلدية بزيادة عدد الأدوار المرخص لها بالتعاون مع الدفاع المدني والوزراء، فقد أصبح مطلوبا من العمارات التي تزيد على الخمسة طوابق أن يكون تصميمها مقاوما للزلازل".
ونوه إلى أن المباني الأقل في عدد الطوابق تخضع بدورها لإجراءات أخرى لضمان قدرتها على الصمود أمام الزلازل وتأثير القصف القريب غير المباشر.
ودخلت عملية "طوفان الأقصى" يومها الرابع على وقع استمرار غارات المقاتلات الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة، التي تعمد خلالها الاحتلال استهداف الأحياء السكنية والأسواق ومركبات الإسعاف، ما أسفر عن ارتقاء مئات الشهداء ودمار واسع في المباني والمنازل، في حصيلة غير نهائية.
وفجر السبت، أطلقت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عملية عسكرية تحت اسم "طوفان الأقصى" ردا على انتهاكات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المستمرة بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى المبارك، وكبّدت الاحتلال خسائر تاريخية.
وردا على ذلك، فقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن "إطلاق عملية السيوف الحديدية ضد حماس في قطاع غزة".