بعد إعلان السياسي
المصري، أحمد
الطنطاوي، مساء الجمعة، انسحابه من
سباق رئاسيات مصر 2024، لما وصفته حملته بالانتهاكات والتضييقات الممنهجة التي
تعرضت لها، وإثر فشلها بجمع التوكيلات المطلوبة للترشح رسميا، تثار التساؤلات حول
التجربة بين فشل المعارضة في حمايتها وضغوط النظام الحاكم.
وفي مؤتمر صحفي، بـ"حزب المحافظين" (الليبرالي) في القاهرة،
وبحضور قيادات معارضة وشخصيات عامة، أعلن منسق حملة الطنطاوي، محمد أبوالديار، جمع
حوالي 14 ألف توكيل بينما كان المطلوب رسميا 25 ألف توكيل، ملمحا لحدوث "كل
أشكال التعدي والانتهاك لمنع الطنطاوي من الترشح".
وفي حديثه، خلال المؤتمر، قال الطنطاوي، إن "الرئيس الحالي عبدالفتاح
السيسي عانى من الرعب خوفا من مواجهته أمام الستارة وصندوق الانتخابات، على الرغم
من تواطؤ أجهزة الدولة معه".
وأكد البرلماني السابق ورئيس حزب "الكرامة" السابق، أن
حملته ستتحول لـ"مشروع سياسي كبير"، لاستعادة "الوطن المخطوف،
وتحقيق آمال الشعب، وتجنب مساعي الهزل التي تحاول السلطة فرضها على
المصريين".
"يحيا الأمل"
أعضاء بحملة الطنطاوي، وفي حديثهم لـ"عربي21"، قالوا إنه
"وبرغم ما بذله أعضاء الحملة بالداخل والخارج طوال 10 أيام لجمع التوكيلات
إلا أن النظام المصري نجح في فرض قيوده على تحرير التوكيلات"، مشيرين إلى
اعتقاله "نحو 130 من أعضاء الحملة".
وعبًر أعضاء الحملة عن رضائهم الكامل لما بذلوه من جهد، مؤكدين أن "حملتهم التي كانت تحمل شعار (يحيا الأمل)، لم تفقد أملها وحلمها في التغيير
عبر الاقتراع".
وبإعلان الطنطاوي، الانسحاب، خلت الساحة لرئيس النظام عبدالفتاح
السيسي (2014- 2024)، الذي أعلن ترشحه رسميا 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بعد
تقديم 424 تزكية من نواب البرلمان ومليون و130 ألف توكيل رسمي للهيئة العليا
للانتخابات.
وبجانب السيسي، حمل رسميا ثلاثة آخرون لقب مرشح رسمي لرئاسيات 2024، هم
رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران بـ30 تزكية برلمانية، ورئيس حزب الوفد
عبد السند يمامة بـ27 تزكية، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر مدعوما بـ46
تزكية.
وفي 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات الجدول
الزمني لرئاسيات مصر، والذي أغلق وفقه باب الترشح الساعة الثانية ظهر السبت، وتجرى
الانتخابات بحسبه في 10 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لمدة ثلاثة أيام، والتي يقترب
السيسي، بشدة من الفوز بها وبولاية ثالثة حتى 2030.
"نتيجة معروفة.. وفقا للسوابق"
وفي تقييمها لتجربة الطنطاوي، في الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية،
قالت الكاتبة الصحفية مي عزام، إن "التجربة كانت معروفة نتيجتها سلفا تماما
مثل مخرجات (الحوار الوطني)".
عزام، وفي حديثها لـ"عربي21"، أكدت أنه "لم يكن هناك
مؤشرات لمخرجات مختلفة من أسلوب ونهج حفظناه من كثرة تكراره"، مستدركة:
"وكان المدهش بالنسبة لي تصور البعض أن النتائج ستكون مختلفة عن
السوابق".
وتابعت: "ولقد كتبت تدوينة عبر (فيسبوك)، بعد إلحاح البعض علي
بالسؤال عن موقفي من الانتخابات وقلت فيه: (إننا من قبل وفي العام 2011، ظننا أن
مبارك –الرئيس الأسبق حسني مبارك- هو المشكلة إن ذهب ستحل مشاكلنا، لكن بقي نظامه
بعد أن استعاد شبابه وحزمه)".
الكاتبة المصرية، أضافت: "وكنت أتصور ومازالت أن موافقة المعارضة
–في الداخل- على التحاور –الحوار الوطني- كانت يجب أن تكون في نقطة واحدة، وهي
تغيير هيكل النظام الحالي؛ بما يسمح بتداول سلطة بمبايعة جميع مؤسسات الدولة بما
فيها المؤسسة العسكرية".
وعن رسائل انسحاب الطنطاوي إلى الشعب والنظام المصري والعالم الخارجي
بعد فترة من محاولة استعادة الأمل في التغيير، أوضحت عزام أن "رسائل طنطاوي
للداخل معروفة لا جديد فيها".
وبشأن رسائل الانسحاب بالنسبة للعالم الخارجي بينت أن "العالم
مشغول بالمقاومة الفلسطينية التي حفرت بالدم والرصاص مسار جديد وأعادت القضية
الفلسطينية إلى الواجهة".
وفي تقديرها لما يكشفه خروج الطنطاوي من السباق الرئاسي عن حجم فشل
معارضة الداخل وتمزقها وتباينها بل وحجم عداءها، قالت عزام: "بالنسبة لأحزاب
المعارضة الحالية، سبق وتكلمنا عنها؛ ولا جديد بالنسبة لها، وستظل على شرذمتها،
لأنها حتى هذه اللحظة هشة البنيان".
وعن إمكانية تقييم تجربة الطنطاوي بعد حملة جمع خلالها مئات الشباب من
أنحاء مصر، تعتقد الصحفية المصرية أن "الذين شاركوا في حملة الطنطاوي، مثلهم
مثل الذين وجدوا في المقاول محمد علي –معارض من الخارج- ودعوته للخروج للتظاهر
–عامي 2019 و2020- متنفسا ليقولوا لا للنظام الحالي".
وترى أن "ما فعله الطنطاوي، من حراك في الشارع المصري شبيه بما
حدث في فترة ذروة فيديوهات محمد علي؛ كلها زوابع في فنجان"، مبينة أن
"التراكم فيها تراكم غضب، وهو المخيف وليس تراكم أهداف واضحة يمكن البناء
عليها".
وعن مدى وجود داعي لإقامة انتخابات رئاسية بلا منافس، قالت عزام:
"هذا إجراء لابد منه بغض النظر عن معرفتنا بنتيجته، شئ لزوم الشئ كما
يقال".
"يخاف الستارة والصندوق"
وأكد المنسق بحملة الطنطاوي، الكاتب الصحفي سيد صابر، أن "رسائل
انسحاب الطنطاوي، للداخل بأن إيمان المصريين راسخ بالتغيير، وبأن التعنت ضد الحملة
كان واضحا من الأجهزة بشكل فج، حتى الأجهزة التي كنا على تماس مباشر معها كمكاتب
الشهر العقاري، وكذلك استعانة مساعدي وحزب المرشح المنافس بالبلطجية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "كل هذا شاهده الشعب
المصري صوت وصورة، وبشكل يومي، وللأسف الهيئة العليا للانتخابات رفضت ما تقدمت به
اللجنة القانونية بالحملة عن تلك الانتهاكات للتحقيق فيها وتتحقق منها وترفع الظلم
عنا".
وتابع: "رسالتنا الواضحة القوية لشعبنا المصري التواق المشتاق
للتغيير، هي أننا كُثر وحاولنا بكل إيمان وقوة التعبير عن شوقكم في التغيير،
ولكنها القوة الغاشمة و(السيستم الواقع) أطاح بأحلامكم العظيمة".
وعن الرسائل للخارج، قال صابر: "لا نعول على الخارج كثيرا فله
أجنداته السياسية والاقتصادية مع النظام، ورسالتنا كانت لشعبنا ونحن منه وهو
منا".
وفي إجابته على التساؤل: "كيف كانت ضغوط نظام السيسي على الحملة
كاشفة عن حجم خوف وذعر نظامه من أي منافس؟، أكد أن "خوف النظام وذعره فوجئت
به شخصيا، بحكم وجودي بالميدان طوال 16 يوما، فهو نظام يملك المال والسطوة والأجهزة
ويقول عن نفسه أيقونة، ويخاف من الستارة والصندوق ضد مرشح شاب لا يملك سوى الإيمان
بقضايا بلده".
وعن المرشحين أمام السيسي، قال إنه "شئ مضحك"، متسائلا:
"ما وزن فريد زهران، أو عبدالسند يمامة، بين الناس وفي الشارع؟، وما تأثيرات
أحزابهم على الجماهير؟، إنها أحزاب سلطة مقنعة، من هزازي الرؤوس، ولم يسجل لهم
طوال 10 سنوات موقف تجاه القضايا السياسية والاجتماعية".
ويرى أنهم "مرشحوا لقطة، وعلى مقاس النظام لإقناع الخارج أن هناك
انتخابات رئاسية"، لافتا إلى قول "يمامة: تعبت من الكشف الطبي
للانتخابات الرئاسية"، مضيفا أن "زهران ومن معه حادوا بحزب من رحم
(25 يناير) وسقطوا به في بئر المصالح الشخصية الضيقة".
وعن مشاركة الشباب بحملة الطنطاوي، قال إنها "كانت رائعة ومؤثرة
وواضحة وبداية قوية يتم البناء عليها في الاستحقاقات الدستورية والسياسية القادمة
لمستقبل مصر".
ويرى صابر، أنه "يجب ألا نسقط في حيل ما بعد يناير 2011، والحديث
فقط عن الشباب، فالمرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي، كان مرشحا لكل المصريين شباب وشيوخ
ونساء ورجال".
وفي نهاية حديثه، سجل الصحفي المصري، "بكل فخر واعتزاز دور
المرأة المصرية التي نزلت وتحدت كل الظروف التي شاهدها العالم حول مكاتب الشهر
العقاري، وشاركت وتحملت الكثير، ولدي مئات القصص التي تظهر عظمة المرأة المصرية
وقوتها وتمسكها بحقوقها الدستورية".
"انسحاب متوقع"
وفي قراءته، لتجربة الطنطاوي، قال الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن
بكر: "توقعنا من قبل أن السيسي، لن يسمح للشاب أحمد الطنطاوي، أن يخوض السباق
الانتخابى، وأن الطنطاوي سيضطر في النهاية لإعلان انسحابه، لأن السيسي، يعلم علم
اليقين أنه مرفوض شعبيا، وأن طنطاوي، لو قُدر له خوض الانتخابات سيفوز
باكتساح".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "انسحاب الطنطاوي من
السباق الانتخابي بعد أن منعته مؤسسات الدولة، وبلطجية السيسي، من استخراج توكيلات
الترشح، تبعث برسائل للداخل والخارج، مفادها أنه ديكتاتور عسكري مغتصب للسلطة، ولن
يُسمح بأي تداول سلمي للسلطة، الأمر الذي يُنذر عاجلا أم آجلا بتحرك الشارع".
"خوف ورعب"
بكر، أكد أن "ضغوط السيسي على حملة الطنطاوي، كشفت بأن السيسي
يشعر بقلق وخوف وذعر من إمكانية أن تكبر كرة الثلج، أو أن تحدث مفاجأت ويتمكن
الطنطاوي من خوض الانتخابات والفوز بها، ساعتها سيجد السيسي وأركان نظامه أنفسهم
أمام محكمة الشعب، للقصاص منهم".
ويرى أنه "بعد الإخوان المسلمين لا توجد معارضة"، قائلا:
"أنظر باستخفاف كبير لكل من يقول إن هناك معارضة بالداخل، لأني ومن خلال عملي
الصحفي واطلاعي على أمور كثيرة، كنت أرى أن معظم القطيع الذي يطلق عليه البعض
معارضة الداخل، هم في الحقيقة عملاء لأمن الدولة سابقا، وللأمن الوطنى حاليا،
ينفذون أوامره وتعليماته دون مناقشة، مقابل حصولهم على بعض
الإمتيازات".
وتابع: "باختصار نقول: بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين لم
تعد هناك معارضة حقيقية في الداخل، لذا اختلت كافة أمور السياسة وموازينها".
وفي تعليقه على حملة الطنطاوي، إنهم "شباب يريد الأمل"،
لافتا إلى أن "مشاركة أعداد كبيرة من الشباب المتطوعين بالحملة الانتخابية
للطنطاوي، رغم ضغوط الأجهزة الأمنية، أن هؤلاء الشباب يبحثون عن الأمل بعد أن
أفقدهم السيسي الأمل والعمل".
ويرى أن "مشاركة هؤلاء الشباب تؤشر مستقبلا لإمكانية نزولهم
الشارع، بعد أن فقدوا الأمل في التغيير السلمي، فقط هم بحاجة للقيادة
الثورية".
وخلص بكر، للقول إن "السيسي، أصبح مطمئنا لاستكمال الفصل الهزلي
الأخير لمسرحية الانتخابات ليعلن فوزه، أو بمعنى آخر استمرار إغتصابه للسلطة، في
ظل ظروف الحرب في غزة، وانشغال أمريكا ودول كثيرة أخرى بالحرب".
وختم حديثه: "السيسي، يرى أن إجراء الانتخابات مهم جدا لاستكمال
الإطار الديكوري لاستمرار اغتصابه للسلطة".
"إشادة.. ومطالبات بالاعتذار"
وإثر إعلان الطنطاوي، انسحابه وفشل حملته في الحصول على العدد المطلوب
من التوكيلات بسبب ضغوط النظام، توالت التعليقات وردود الفعل عبر مواقع التواصل
الاجتماعي.
وطالب الحقوقي المصري هيثم أبوخليل، كل من قال إن "أحمد
الطنطاوي، مؤامرة"، أن يعتذر له.
ووجه السياسي المصري شادي الغزالي حرب، الشكر للطنطاوي، وحملته على ما
أسماه بـ"نفحة الأمل اللي منحوها للحياة السياسية"، مضيفا عبر موقع
"إكس"، أنه يجب اعتبار ما حدث مكسبا وليس خسارة، وبداية لنضال مستمر.
وثمن الصحفي أحمد جمال زيادة، جهد حملة الطنطاوي، مؤكدا أن جمعها 14
ألف توكيل رقم كبير وغير متوقع، موضحا أن "14 ألف مصري واجهوا ظروف غير عادية؛
مواجهة بلطجية، سيستم واقع، إغلاق مقار الشهر العقاري، منهم من ضُرب واتبهدل،
وتهديد بالسجن للجميع... ".
وأكد زيادة، أنهم "عملوا شيء شبه مستحيل؛ ويقدروا أن يكونوا
بداية لتغيير، أو لحلم"، معتبرا ما حصل "انتصار".
وانتقد الناشط المعارض تامر شرين شوقي، تلاعب السلطات المصرية بملف
التوكيلات، مشيرا إلى أن الطنطاوي لم يحصل على 25 ألف توكيل برغم عدد مؤيديه،
ومتابعوه بالملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحصل المرشح حازم عمر على 60 ألف
توكيل على قلة أنصاره ومتابعيه.