كما أن السجين يتعلم من سجّانه، فإن القتلة والمجرمين
يتعلمون من بعضهم بعضاً، ولعل أكثر ما جسّده العدوان الصهيوني على
غزة، هو ذاك
المخزون الضخم من التجارب والخبرات التي يتبادلها القتلة في كل من تل أبيب ودمشق،
فيطبقونها حرفياً على الشعوب، تلك الخبرات التي لا تعود إلى سنوات قليلة وإنما إلى
عقود مديدة، وكأن كتاب دليلهم في القتل والتعذيب والإذلال واحد.
كشف الكاتب اليهودي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له
مطول في النيويورك تايمز عن مصطلح يقول إنه نَحَته قبل فترة، وإن كان لا أحد قد
سمع به إلّا بعد العدوان على غزة، وهو "قواعد حماة"، وهي تلك القواعد
التي طبقها المجرم حافظ
الأسد عام 1982 فأباد حماة بحجة القضاء على تنظيم الإخوان
المسلمين، فقتل بحسب تقديرات الكاتب 20 ألف مدني، بينما قدرتها مصادر أخرى بـ40
ألف مدني، وبعد عمليات القتل الجماعي طلب المجرم الجرافات لتقوم بتسوية الأرض.
يخلص بذلك فريدمان إلى القول إن بإمكان إسرائيل أن تعمل نفس الشيء في غزة. ويستطرد الكاتب اليهودي فيقول إن زعيماً عربياً سأل حافظ أسد عن عدد القتلى في مجزرة حماة فأجابه بكل برود: "كالعادة هناك أناس يعيشون وآخرون يموتون"
ويخلص بذلك فريدمان إلى القول إن بإمكان
إسرائيل أن
تعمل نفس الشيء في غزة. ويستطرد الكاتب اليهودي فيقول إن زعيماً عربياً سأل حافظ
أسد عن عدد القتلى في مجزرة حماة فأجابه بكل برود: "كالعادة هناك أناس يعيشون
وآخرون يموتون".
بعد ساعات على مقال فريدمان كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي
السابق داني أيالون يتحدث للجزيرة الإنجليزية؛ مستشهداً بقواعد نجل حافظ الأسد هذه
المرة، والتي طبقها على مدار أكثر من عقد في الثورة السورية بتهجير ملايين
السوريين، وقال إن هذه القواعد يمكن لإسرائيل أن تطبقها في غزة بإرسال مليونين من
الغزيين إلى صحراء سيناء، حيث تُبنى لهم مدن تتوافر فيها الخدمات، وهو النموذج
الذي يشبه ما حصل لملايين السوريين من تهجيرهم من مناطقهم إلى تركيا ومناطق أخرى،
بمساعدة المحتل الروسي والإيراني، حيث يعد الأخير صاحب نظرية تفريغ مناطق ريف دمشق
من أهل السنة الثائرين على عصابات الأسد.
لم يقتصر استنساخ قواعد اللعبة على العقلية العسكرية
التدميرية هذه فقط، وإنما تعدّتها إلى تشابه في التكتيكات التي قام بها بعض
الصهاينة المدنيين حين كانوا يقومون بإغاظة الغزيين كما اعتقدوا، في الاستمتاع بشرب
المياه من الصنابير، في الوقت الذي يعاني أهل غزة من انقطاع المياه والكهرباء
والوقود عن بيوتهم، وهو نفس الأسلوب تماماً الذي كانت تتبعه مليشيات الأسد خلال
حصار مضايا وبلدات ريف دمشق من قبل.
جغرافية الانتقام والثأر، ونقل التكتيكات والقواعد
المشينة انتقلت إلى عالم الفن، فقد ظهر فنان صهيوني على شاشة تلفزيونية صهيونية،
وهو يدعو إلى محو غزة من على الخريطة، كرد مباشر على عمليات طوفان الأقصى، وهو ما
فعله الفنان الطائفي ريبال الهادي الذي دعا عقب الهجوم لإبادة ومحو إدلب كرد على ما
تعرضت له الكلية الحربية في حمص، حين أسفر الهجوم عن مقتل أكثر من مائة شخص.
تكتيكات وقواعد الحرب انتقلت سريعاً إلى الفضاء الإعلامي، حيث بدأت تل أبيب بخلع لبوس داعش على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لتتهمها تل أبيب بقطع رؤوس الأطفال وحرق جثثهم، وهي السردية التي ابتلعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، لينفيها لاحقاً البيت الأبيض وحتى الجيش الصهيوني
تكتيكات وقواعد الحرب انتقلت سريعاً إلى الفضاء
الإعلامي، حيث بدأت تل أبيب بخلع لبوس داعش على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"،
لتتهمها تل أبيب بقطع رؤوس الأطفال وحرق جثثهم، وهي السردية التي ابتلعها الرئيس
الأمريكي جو بايدن، لينفيها لاحقاً البيت الأبيض وحتى الجيش الصهيوني. وهي نفس
القواعد والتكتيكات التي مارستها عصابات الأسد، حين خلعت لبوس داعش على كل الثورة
السورية، ولم توفر حتى الخوذ البيضاء (الدفاع المدني).
سردية الجيش الصهيوني عن داعشية حماس سخر منها رئيس
الموساد سابقاً اللواء أفرايم هليفي، وقال إن حماس ليست داعش، ولا بد من الحوار
معها. وأهمية هليفي تعود إلى أنه الشخص الذي أرسله نتنياهو إلى الأردن لمعالجة
ذيول محاولة اغتيال القيادي خالد مشعل عام 1997. ويخلص هليفي إلى القول إن حماس لا
يمكن القضاء عليها كما وضع الجيش الاسرائيلي هدفه من عملياته السيوف الحديدية،
وإنما لا بد من التفاوض والتفاهم معها.