يعتبر حي الشيح جراح في مدينة
القدس واحدا
من الأحياء
التاريخية المهمة بالنسبة للمدينة المقدسة وأحد أركان صمودها في وجه
التهجير الإسرائيلي.
حافظ هذا الحي الذي يشتق اسمه من اسم طبيب
الناصر صلاح الدين ليبقى شوكة في حلق الاحتلال ويحكي صموده حكاية شعب عشق الحياة
ويرفض التهجير.
وكان للمقاومة
الفلسطينية كلمتها لدعم حي
الشيخ جراح الذي هدد الاحتلال بتهجير أهله فخاضت من أجله معركة سيف القدس عام
2021م ليحتفظ هذا الحي بهويته رغم محاولات تهجيره.
وأكد الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم، مدير
دائرة المخطوطات والآثار في وزارة الأوقاف الفلسطينية، أن "
حي الشيخ جراح هي قرية
فلسطينية مقدسية، تتبع لمحافظة القدس، وهي في الجانب الشرقي من مدينة القدس الذي
وقع تحت الاحتلال الصهيوني في حرب عام 1967م، وهي الآن من أحياء القدس الشرقية".
عبد اللطيف أبو هاشم، مدير دائرة المخطوطات والآثار في وزارة الأوقاف الفلسطينية
وأضاف أبو هاشم لـ
"عربي21" أن حي
الشيخ جراح أخذ اسمه من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، وهو طبيب
صلاح الدين الأيوبي، القائد الكردي المسلم، الذي تحول إلى رمز لأجيال عربية
متعاقبة منذ نحو 900 عام.
وتابع بالقول إن الحي "يتهدده الآن
مخطط إسرائيلي استيطاني تم الإعلان عنه، ويتضمن بناء 200 وحدة سكنية لإسكان
مستوطنين يهود فيها". وأشار إلى أنه في "عام 1967 وخلال توسع الاحتلال
الصهيونيّ عانى الحي من الاستيطان فيه، وتهجير بعض العائلات الفلسطينية وطردهم
من منازلهم".
وقال أبو هاشم: "قد عانى أهل الحي من
فروض الاحتلال عليهم مع الصهاينة الموجودين في الحي بكاميرات المراقبة، مما وضع
السكان فيما يشبه السجن، خاصة في المناسبات والأعياد اليهودية".
وأضاف أن "مساحة الحي المقدسي تقدّر بـ
808 دونمات، ويقدر عدد سكانه بـ 2800 نسمة تقريبًا، والإدارة المستولية على الحي هي
بلدية الاحتلال في القدس".
وتابع: "لحي الشيخ جراح جزءان
يمتازان بتفاوت اقتصادي ومحلي، حيث أن الجزء العلوي هو الأكثر ازدهارًا في القدس،
وفيه الفنادق، والمطاعم، والمقاهي، ومكاتب القنصليات ومؤسسات المجتمع
الدولي". أما الجزء السفلي من الحيّ الذي يأوي اللاجئين منذ الخمسينات، فيعاني
من نقص في البنية التحتية فالشوارع بدون أرصفة، والبيوت في حالة مزرية.
وشدد على أن هذا الجزء من الشّيخ جرّاح يعيش في
حالة من المواجهة الدائمة مع سلطات الاحتلال وجمعيات الاستيطان.
وأوضح أبو هاشم أن البيوت "تميزت
بهندستها الرائعة، وصالوناتها الفاخرة، وأيضًا الشبابيك المزخرفة ذات الطابع
الشرقي، والأسطح المزينة بالقرميد وبأشكال مختلفة مثل الشرفات المطلّة على
البساتين والحي، لكن تحاول السلطات الإسرائيلية إخفاء المظاهر الخلابة في الأحياء
المقدسية وتدميرها، كما يجري في الجزء السفلي في الشيخ جراح".
وأشار إلى أنه "يوجد في الجزء العلوي
لحي الشيخ جراح عدة مؤسسات مهمة، منها: مقر مؤسسة دار الطفل العربي، قصر دار إسعاف
النشاشيبي، ويوجد أيضًا فنادق، مساجد ومراكز طبية، وملعب؛ من بينها: مسجد الشيخ
جراح، فندق الكولونية الأمريكية، مركز الحياة الطبي (مؤوحيدت)، وملعب الشيخ جراح، وعدد من القنصليات المتواجدة في القدس من بينها القنصلية البريطانية
والإيطالية والتركية".
ومن جهته، أشار الشيخ ناجح بكيرات، نائب
مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، ورئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث، إلى
أن "حي الشيخ جراح حي فلسطيني امتاز بضمه أبرز العناوين الرسمية الفلسطينية
في القدس، مثل بيت الشرق (مقر منظمة التحرير الفلسطينية في القدس الذي أغلقته
سلطات الاحتلال الإسرائيلي قسـراً عام 2003)، بالإضافة إلى المسرح الوطني
الفلسطيني، والعديد من مقار البعثات الدبلوماسية".
ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس
ولفت بكيرات في حديثه لـ
"عربي21"
إلى أن سياسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة ركزت على
اســتراتيجيتين مركزيتيـن؛ تمثلت الأولى في تعزيز وجـود أغلبيـة يهوديـة فـي
المدينـة عـن طريـق إنشـاء مســتوطنات "لليهود فقـط".
وسعت الثانية بحسب بكيرات إلى تحقيق الهدف
ذاته عن طريق الحد من النمو السكاني الفلسطيني، وتقليص أعدادهم باستخدام سياسات
ممنهجـة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين بالقوة من مدينة القدس المحتلة أو إعاقة تنمية
وتطوير المجتمع الفلسـطيني.
وتابع: "تشمل هذه السياسات الأحادية
وغير القانونية سياسة الفصل المكاني الذي يعمل على عزل الأحياء والمناطق
الفلسطينية عن بعضها البعض، الأمر الذي يهدف إلى إلغاء الوجود الفلسطيني في القدس
المحتلة والحد من النمو السكاني الفلسطيني في المدينة المقدسة".
وقال بكيرات إن "زرع البؤر الاستيطانية
في مناطق استراتيجية داخل الأحياء الفلسطينية يشكل أحد أهم العناصر الرئيسية
للاستراتيجية الأولى التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، حيث
قامت حكومات الاحتلال المتعاقبة بدعــم الجهــود الحثيثــة للمنظمــات
الاســتيطانية فــي الاستيلاء علـى الأراضـي والممتلـكات الفلسطينية داخـل هـذه
الأحياء".
وأشار إلى استخدام أساليب متنوعة للاستيلاء
على الأرض والممتلكات منها نقل ملكية الأراضي الممتلكة التي تصدرها سلطات
الاحتلال الإسرائيلي إلى جماعات استيطانية بموجب قانون أملاك الجانبين، ونقل ملكية
الأراضي المصنفة على أنها أراض عامة أو أراضي دولة بسبب أهميتها البيئية
والتاريخية والدينية.
واعتبر أن "الحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع
المنظمات الاستيطانية تسعى إلى إنشاء تواصل جغرافي يمتد من القدس الغربية إلى
الجامعــة العبرية وذلك عن طريق الاستيلاء على حي الشيخ جراح والسيطرة عليه والتي
تشمل منطقة الامتداد الجغرافي في القدس المحتلة مقر شرطة الحدود الإسرائيلية إلى
كبانية أم هـارون، ثم مستوطنة "شمعون هاتصديـق" مستوطنة "فندق
الشبرد" ومقر شرطة الاحتلال الإسرائيلي ووزارة الداخلية الإسرائيلية، وتهـدد
المخططات الإسرائيلية الوشـيكة في حي الشيخ جراح الوجود الفلسـطيني فيه".
وأكد الباحث السياسي صخر العزة أن الاحتلال
الإسرائيلي يجبر العائلات الفلسطينية على إخلاء منازلها قسـرا.
صخر العزة.. باحث ومحلل سياسي فلسطيني
وقال العزة لـ
"عربي21": "أصبحت
هـذه العائلات من الحي عرضـة إلى أعمال العنف من قبل المستوطنين اليهود وقوات
الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أنه "وفي كثير من الأحيان،
تقوم سلطات الاحتلال بإجبار العائلات الفلسطينية على إخلاء منازلها في أوقات
متأخرة من الليل".
وأكد أن المقاومة الفلسطينية استجابت لنداء
سكان الحي حينما خاضت في العام 2021م معركة سيف القدس من أجله والتي استمرت 11
يوما فاضطر الاحتلال للتراجع عن مخططاته أمام ذلك وحفظت للحي تاريخه وأصبح الاحتلال يحسب ألف حساب لأي اعتداء.
وشدد العزة على ضرورة نصرة هذا الحي بكل
المناسبات ودعمه حتى لا تكون منازله عرضة للشراء من قبل سماسرة يتعاونون مع
الاحتلال.
ودعا إلى دعم سكان حي الشيخ جراح للحفاظ على
هويته الإسلامية في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة عليه.