مع دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، فقد توقع
المصريون انتهاء أزمة قطع
الكهرباء المتكرر على طول اليوم.
لكن وعكس التوقعات فقد قررت الحكومة المصرية زيادة مدة انقطاع التيار الكهربائي ليصل إلى ساعتين يوميا على مستوى الجمهورية، ولم تحدد موعدا للانتهاء من سياسة تخفيف الأحمال.
وبررت الحكومة قرارها بارتفاع ملحوظ فى درجات الحرارة عن مثيلاتها فى نفس الفترة من العام السابق، والذى أدى بدوره إلى زيادة استهلاك الكهرباء بصورة مرتفعة مع انخفاض الطاقة المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة ( الرياح – الشمسية – المائية) فى نفس الفترة عن العام السابق وبالتالي زيادة معدلات استهلاك الغاز الطبيعي عن العام الماضي.
وأثيرت الأزمة تحت قبة البرلمان بعد زيادة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي أكثر من مرة ولمدة 4 ساعات في محافظات مثل محافظة الإسكندرية على الرغم من تأكيد الحكومة انتهاء الأزمة في أيلول/ سبتمبر، بحسب نائب عن المحافظة.
توقف واردات الغاز من الاحتلال
في غضون ذلك، انخفضت واردات مصر من الغاز الطبيعي إلى الصفر من 800 مليون قدم مكعب يوميا، بحسب بيان مجلس الوزراء المصري.
ووفقا لبيانات شركة "ريستاد إنيرجي" الاستشارية، تستورد مصر نحو 7 مليارات قدم مكعبة سنويا من الغاز الطبيعي من حقلي الغاز تمار وليفياثان الإسرائيليين.
ومع احتدام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، فقد أوقفت شركة شيفرون الأمريكية تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط البحري مع مصر، وقامت بتصدير الغاز في خط أنابيب بديل عبر الأردن.
وعلقت سلطات الاحتلال الإنتاج في حقل غاز تمار البحري الذي يقع على بعد 25 كيلومترا قبالة ساحل فلسطين الجنوبي ويعتبر إلى جانب حقل ليفياثان المورد الرئيسي للغاز الإسرائيلي إلى مصر.
تراجع الإنتاج وزيادة الاستهلاك
يقول رئيس مركز الدراسات وبحوث الطاقة في لندن، الدكتور مصطفى البزركان، إن "المعتاد في كل الدول أن يتراجع ضغط الاستهلاك على شبكات توليد الكهرباء بعد انتهاء فصل الصيف والتحول نحو الخريف انتظارا لفصل الشتاء، ورغم ذلك تقرر زيادة فترة انقطاع الطاقة الإنتاجية الكهربائية لتثار الاستفسارات حول تفسير تلك الخطوة المفاجئة".
وأضاف لـ"عربي21": "يتم ذلك في مصر عبر وحدة التحكم القومي بتنسيقها مع شركات التوزيع وحسب ما تقرره من كميات التوزيع المناطقية، ومن الجدير بالذكر أن في مصر أكثر من مصدر لتوليد الكهرباء، فهناك محطات غازية، ومحطات تعمل بضغط البخار، وكذلك المحطات المائية، إلى جانب محطات الطاقة المتجددة التي تعتمد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية".
قد يكون أحد الأسباب، بحسب البزركان، هو "تراجع إنتاج الغاز الذي عادة ما يسد الحاجة المحلية ويتم تصدير المتبقي منه، إلى جانب موارد الغاز من "إسرائيل" التي تراجع إنتاجها بأكثر من 30 بالمئة، وقامت الشركة المشرفة على حقل الغاز الإسرائيلي بتوجيه إنتاجها إلى الأردن، وقد تكون كل تلك الأسباب مجتمعة ما أدى إلى استمرار أزمة تخفيف أحمال شبكة الطاقة الكهربائية".
من الاكتفاء إلى الاستيراد
أعلنت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في عام 2018، ورغم ذلك تعتمد على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية جانب من الطلب المحلي، وكذلك لإعادة التصدير.
وسط ارتفاع الطلب المحلي على الغاز هذا الصيف، لم تصدّر مصر أي غاز طبيعي مسال منذ تموز/ يوليو الماضي، وكان من المقرر أن تستأنف الصادرات الشهر الجاري، مقابل تصدير 3.7 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال من تشرين الأول/ أكتوبر 2022 إلى كانون الثاني/ يناير 2023.
وخفضت وكالة فيتش في تموز/ يوليو توقعاتها لإنتاج الغاز في مصر في عام 2023، بواقع 4 بالمئة، بعد أن توقعت في وقت سابق ارتفاعه واحدا بالمئة على أساس سنوي. وعزت الوكالة قرارها إلى انخفاض الإنتاج وارتفاع معدلات النضوب في الحقول الحالية.
وكشف موقع "إنتربرايز" الاقتصادي عن انخفاض إنتاج مصر من الغاز بنسبة 5 بالمئة في الربع الثاني من عام 2023، ليسجل أدنى مستوى له في الربع الثاني من العام الحالي منذ سنوات، ليصل إلى 5.88 مليار قدم مكعبة يوميا.
وانخفض الإنتاج بنسبة 9 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، أو ما يعادل 1.2 مليار قدم مكعبة يوميا مقارنة بالرقم القياسي البالغ 7.07 مليار قدم مكعب يوميا المسجل في الربع الثالث من عام 2021، وذلك بفعل تراجع إنتاج الحقول البحرية والبرية.
ما علاقة وقف غاز الاحتلال بأزمة الطاقة في مصر؟
يقول رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "بيت" الأمريكية وعميد الدراسات العليا في الطاقة المتجددة بجامعة كامبردج السويسرية، البروفيسور عبدالحكيم حسبو، إن "مصر تعتمد على توفير الغاز الطبيعي من طريقين، الأول إنتاج الغاز من حقولها الطبيعية، والثاني استيراد الغاز من إسرائيل، ويعتبر غاز حقل ظهر في البحر المتوسط هو المصدر الرئيسي للغاز سواء للاستهلاك المحلي أو التصدير لأوروبا وبأسعار اقتصادية، ولكن مع مرور الوقت وبسبب سرعة الإنتاج لتلبية عقود الغاز مع أوروبا بدأ يتناقص إنتاجه نتيجة زيادة كميات المياه في بعض الآبار".
وأضاف لـ"عربي21": "بالتالي أصبحت تكاليف استخراج الغاز من حقل ظهر مرتفعة، وحتى تعوض مصر هذا النقص وتلبية العقود الخارجية أصبحت تستورد الغاز من إسرائيل وبأسعار أعلى بكثير من أسعار عقودها مع أوروبا، وبالتالي فقد أصبحت هناك أزمة في مصر بسبب رغبتها في سد احتياجاتها المحلية والوفاء بعقودها الدولية، وبات الحل الوحيد هو خفض الاستهلاك المحلي خاصة بعد توقف وارداتها من إسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة".
وأوضح الخبير الدولي في مجال الطاقة وتحلية المياه، أن "مصر كانت تعول على دخول فصل الشتاء لتوفير كميات أكبر من الغاز بسبب تراجع الاستهلاك من الكهرباء، ولكن مع دخول الشتاء اندلعت الحرب في غزة وتبعها إيقاف الإنتاج من حقل تمار، وتحويل الإنتاج من حقل لوياثان العملاق بالبحر المتوسط إلى الأردن، وبالتالي تضاعفت أزمة نقص الغاز، وهو السبب الإضافي في قلب المعادلة وتغيير خطط الحكومة المصرية لتصدير الغاز الفائض، وفي ظل نقص العملة الصعبة لا تستطيع مصر شراء المازوت لتشغيل محطات الكهرباء".