نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" مقالا للصحفي مايكل كراولي، قال فيه "حتى في الوقت الذي يضغط فيه الرئيس
بايدن، على إسرائيل، لكي تحدد بوضوح أهداف حربها ضد حماس في
غزة، فإنه يحول نظره إلى نهاية أهم بكثير: الأمل بعيد المنال في التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين".
وفي حديثه للصحفيين، الأسبوع الماضي، قال بايدن إنه "عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين، مما يؤدي إلى إنشاء دولة
فلسطينية ذات سيادة إلى جانب دولة إسرائيل"، غير أن السؤال هو: إلى أي مدى ينوي بايدن العمل لتحقيق هذه النتيجة.
وأضافت الصحيفة، أنه حتى الشهر الماضي، لم يكن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من بين أولوياته القصوى؛ حيث إن الرئيس، الذي كان يركز على مواجهة الصين، ومن ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يكن لديه سوى القليل من الوقت أو الميل لتحقيق هدف بعيد أعاق العديد من أسلافه وألحق بهم جروحا سياسية.
وأردفت
الصحيفة، أنه كما شكك مسؤولو إدارة بايدن فيما إذا كانت القيادة الإسرائيلية المتشددة بشكل متزايد مهتمة بأي صفقة معقولة. وتساءلوا عمّا إذا كان الفلسطينيون سوف يثقون في الولايات المتحدة كوسيط للسلام، بعد أربع سنوات من ميل إدارة ترامب الكبير لإسرائيل، وخطة ترامب للسلام التي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التي تم استبعاده منها، أنها ماتت فور وصولها.
وعلى عكس أسلافه القريبين، لم يعين بايدن مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط، ولم يكلف وزير خارجيته بمحاولة صياغة اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وبدلا من ذلك، ركز على التوسط في اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، على أمل تحقيق تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين على الطريق.
وقال مفاوض عملية السلام السابق في إدارة أوباما، ديفيد ماكوفسكي: "لم يكن حل هذا الصراع هدفا سياسيا من المستوى الأول؛ كان الهدف هو تحقيق الاستقرار، وعدم المحاولة والفشل للمرة الخامسة".
لكن حتى الجهود المتواضعة أثبتت أنها صعبة بشكل مدهش، ويعتقد بعض المحللين أن نهج بايدن أهمل الفلسطينيين؛ على وجه الخصوص، كان الفلسطينيون يأملون أن يتراجع بايدن عن العديد من قرارات عهد ترامب التي خفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين وخففت القيود المفروضة على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وأبرز المصدر نفسه، أن ذلك لم يكن ليحدث كمرشح، إذ وعد بايدن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي أغلقه ترامب، وطرد الممثلين الفلسطينيين من عاصمة البلاد، ولم ينفذ بايدن تعهده قط.
كما أنه لم يف بوعده كمرشح بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، التي أغلقها ترامب أيضا، والتي كانت بمثابة نقطة الاتصال الدبلوماسية المحلية الأمريكية للفلسطينيين لفترة طويلة.
كما كان العديد من الفلسطينيين يأملون في أن تعيد الولايات المتحدة في عهد بايدن الرأي القانوني لوزارة الخارجية، الذي يعلن أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية. وألغى وزير الخارجية، مايك بومبيو، هذا الرأي الذي ظل ساريا منذ أربعة عقود. ولم يتحرك وزير الخارجية أنتوني بلينكن لعكس ذلك.
وكانت القضايا الثلاث كلها محل نقاش داخلي داخل إدارة بايدن؛ وفي كل حالة، خلص المسؤولون إلى أن الفوائد في العالم الحقيقي ستكون ضئيلة مقارنة بالتكلفة السياسية لإثارة غضب الحكومة الإسرائيلية والجمهوريين في الكونغرس، الذين دعموا خط ترامب المتشدد.
وقال خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إنه وجد موقف بايدن مفاجئا؛ مردفا: "ما لم أتوقعه هو مدى التشابه الذي سيكون بين نهجه ونهج ترامب". فيما يقول مسؤولو بايدن، إنهم اتخذوا خطوات مهمة وملموسة لتحسين العلاقات مع الفلسطينيين.
وتابع المصدر، أن بايدن التقى مع عباس في عام 2021 والعام الماضي، منهيا تجميد الاتصالات في عهد ترامب. قبل هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل، قدمت إدارة بايدن 1.4 مليار دولار من المساعدات الإنسانية للبرامج التي تخدم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك شبكات الغذاء والدواء والاتصالات، مما يجعل أمريكا أكبر جهة مانحة في العالم بفارق كبير. حيث لا تتدفق الأموال الأمريكية إلى حماس؛ وفي غزة، يتم توزيعها من قبل وكالة تابعة للأمم المتحدة تقدم الخدمات للفلسطينيين.
كما قام بلينكن، في أواخر العام الماضي، بتعيين مسؤول متوسط المستوى في وزارة الخارجية، هادي عمرو، ليكون ممثلا خاصا للشؤون الفلسطينية في واشنطن. غير أن بايدن وبلينكن، اللذين يواجهان حكومة إسرائيلية اتخذت موقفا متشددا بشكل متزايد ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة، حيث استثمروا القليل من رأس المال السياسي في التراجع عن إجراءات ترامب.
وتعتبر الجهود الفاشلة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس مثالا على ذلك يصلح للدراسة. وكانت الفيلا المبنية من الحجر الجيري والواقعة على طريق أغرون بالقدس، قد أشرفت على العلاقات بين الولايات المتحدة والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لعقود من الزمن. وتقع البناية في "القدس الشرقية"، التي يأمل الفلسطينيون أن يجعلوها عاصمتهم في أي اتفاق سلام مع إسرائيل، كما أنها تؤدي دورا رمزيا أقرب إلى سفارة لدولة مستقبلية يأمل الفلسطينيون في إقامتها.
وأشار المصدر نفسه، إلى أن بومبيو ألغى القنصلية فجأة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، واصفا إياها بأنها خطوة لتحسين الكفاءة، وأصر على أنها "لا تشير إلى تغيير في سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة"؛ لكن بالنسبة للمسؤولين الفلسطينيين، كان ذلك بمثابة صفعة على الوجه.
وضم بومبيو عملياته إلى "وحدة الشؤون الفلسطينية" في السفارة الأمريكية الجديدة في القدس، والتي نقلها ترامب من تل أبيب في وقت سابق من ذلك العام. وأثارت خطوة السفارة غضب الفلسطينيين.
بصفته مرشحا لعام 2020، أخبر بايدن، وكالة "التلغراف"، أنه سيتخذ عدة خطوات لإصلاح العلاقات مع الفلسطينيين، بما في ذلك إعادة فتح القنصلية. خلال زيارته في مايو 2021 مع عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في مدينة رام الله بالضفة الغربية، حيث قال بلينكن، إن الولايات المتحدة ستتحرك لإعادة فتح القنصلية، واصفا إياها بأنها "وسيلة مهمة لبلادنا للتعامل وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني".
وأيد الديمقراطيون الخطة، خلال رحلة إلى إسرائيل في ذلك الخريف، كتب السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي من ولاية ماريلاند، على وسائل التواصل الاجتماعي أنه من المهم أن يفي بايدن بوعده.
لكن الزعماء الإسرائيليين رفضوا الفكرة. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، أصر نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، على أنه "لا يوجد مكان لقنصلية فلسطينية في القدس" مضيفا أن "القدس هي عاصمة دولة واحدة، وانتهى".
ولم يتمكن مسؤولو بايدن من التغلب على المعارضة الإسرائيلية، مما يشير إلى أنهم لا يستطيعون التصرف من جانب واحد. في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أخبر بريان ماكيون، نائب وزير الخارجية لشؤون الإدارة والموارد، لجنة بمجلس الشيوخ أن "فهمه" هو "أننا سنحتاج إلى الحصول على موافقة الحكومة المضيفة لفتح أي منشأة دبلوماسية".
ويعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أنه من الناحية العملية، يمكن لبايدن إعادة فتح مكتبه رغم الاعتراضات الإسرائيلية. وعندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية في ذلك الوقت، نيد برايس، عن مصير القنصلية في شباط/ فبراير، قال: "هذه الأمور تستغرق وقتا؛ من الواضح أن هناك أطرافا مختلفة تشارك في عملية كهذه".
من جهته، وصف سفير الولايات المتحدة السابق في القدس في إدارة جورج بوش الإبن، دانييل كيرتزر، السنوات التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر بأنها فرصة ضائعة، بالقول: "يمكن طرح السؤال: لماذا لم يتحرك بايدن لإلغاء ما فعله ترامب؟".
واعترف كيرتزر بأن بايدن ورث "الفوضى، بشأن القضية الفلسطينية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سياسات ترامب". مشيرا إلى أن وجود أجندة سياسية مختلفة لم يكن ليمنع على الأرجح عملية "طوفان الأقصى".
وبينما كان من المفيد أن أعاد بايدن فتح الحوار مع الفلسطينيين وتقديم المساعدة لهم، قال كيرتزر إن "الأشياء التي لم يفعلها الرئيس، مثل إعادة فتح القنصلية، أو إعادة الرأي القانوني بشأن مستوطنات الضفة الغربية هي رسالة سلبية".
ويقول كيرتزر إن ذلك أضر بمصداقية الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم العربي، ويعمل الآن على تعقيد جهود بايدن لدعم إسرائيل، وقال: "انظروا مدى سرعة تغير السردية، من التعاطف مع إسرائيل إلى إدانة إسرائيل".
وأكد
المقال أنه "يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن سيضغط بقوة هذه المرة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام دائم. ولا يزال بعض المسؤولين الأمريكيين يعتبرون اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية فرصة، لكن الفرص تضاءلت عن ذي قبل".