كشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها، ما وصفته بـ"السرية التي تحيط عملية اختيار الأهداف الإسرائيلية في
غزة، وسط تزايد في أعداد القتلى المدنيين".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، في التقرير الذي أعدته لويزا لافلاك، وسوزانا جرج، ومايكل بيرنباوم، أن "المعيار القانوني في اختيار الأهداف الذي تزعم إسرائيل أنها تمارسه يسمح بقتلى مدنيين أكثر من الحروب السابقة. فعندما قصف الطيران الإسرائيلي مخيم جباليا للاجئين في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انهارت البيوت على سكانها المشردين في القطاع المحاصر، واستشهد أكثر من 110 أشخاص، جلهم من الأطفال والنساء، حيث سحقوا تحت الأنقاض كما يقول الأطباء".
ويقول المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ريتشارد هيتش، إن "العملية حققت أهدافها" مضيفا "لقد ركزنا على الهدف" في إشارة لمسؤول عسكري اسمه إبراهيم بياري و"نعرف أنه قتل"؛ فيما بلغت حصيلة الشهداء
الفلسطينيين منذ بداية الحرب إلى 10.000 فرد، حسب وزارة الصحة في غزة.
وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين في دولة الاحتلال الإسرائيلي على أن "كل هجوم يخضع لموافقة قانونية، إلا أن قواعد الاشتباك السرية تبدو متساهلة فيما يتعلق بالمدنيين". وقال المتحدث الدولي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، جوناثان كورنيكوس: "هناك جهود واعية للحد من الضحايا المدنيين، وفي المناسبات القليلة التي ضربنا فيها مناطق نعرف أن ضحايا مدنيين سيسقطون". فيما لم يعلق حول ما إذا غيّرت إسرائيل قواعد الاشتباك.
وقالت المستشارة القانونية السابقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بنينا شاري باروخ: "بالضرورة، تحاول قوانين النزاع المسلح بناء توازن، بين التفوق العسكري للهجوم والضرر المتوقع على المدنيين، وكلما كان التفوق العسكري عاليا زاد الضرر على المدنيين ولكنه يظل متناسبا"، مضيفة أن "أي ضرر على المدنيين هو جانبي وليس مقصودا، من ناحية الجيش الإسرائيلي".
وأكد تقرير الصحيفة الأمريكية، أن تداعيات هذه الحسابات واضحة على أرضية المستشفيات والمشرحة في غزة، فقد تمت إبادة عائلات بأكملها، ودفن المواليد الجدد مع آبائهم في مقابر جماعية. وأصابت الغارات مخازن المياه والمخابز والمدارس وسيارات الإسعاف. واعتبرت منظمات حقوق الإنسان بعض الغارات بأنها جرائم حرب محتملة وطالبت بتحقيق دولي.
وفي تعليق له، الشهر الماضي، قال المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان، إن "كل صانع قرار عسكري في النزاع، يجب أن يكونوا حذرين لأنه سيطلب منهم تبرير كل غارة ضد كل هدف مدني". بينما يطلب القانون الدولي، من الجيوش أن تكون واضحة في التفريق بين المقاتلين والمدنيين واتخاذ كل الاحتياطات لمنع الضرر على المدنيين. ويمنع مبدأ "التناسب" للجيوش من التسبب في ضحايا مدنيين ويكون "مفرطا" فيما يتعلق بالفائدة العسكرية المباشرة والمتوقعة وقت الضربة. وهو معيار غير دقيق ويقتضي تحقيقا في ساحة حرب دائرة.
كيف يختار الاحتلال أهدافه؟
أما جوابا على سؤال: كيف يختار الاحتلال الإسرائيلي أهدافه وهو أمر محاط بالسرية؟ يقول عدد من المسؤولين الأمريكيين إنهم "لا يعرفون كيفية تقييم قادة الجيش الإسرائيلي معيار الخسائر بين المدنيين، حتى في الوقت الذي يلحون فيه على إسرائيل للحد من قتل الأبرياء".
ونقلت الصحيفة، عن مسؤول أمريكي قوله "إن إسرائيل قللت من الغارات في الأيام الأخيرة، كإشارة على أن رسالة الولايات المتحدة وصلت"؛ ولكن المسؤول أضاف أن "الغارات لا تزال تتسبب بضحايا بين المدنيين". وفي الغارة على مخيم جباليا الذي دمر عمارة سكنية كاملة، قال الإسرائيليون إنهم "خططوا للهجوم بعناية ومن أجل استهداف رمز بارز في حماس، وفي الأنفاق تحت المخيم".
ويقول مدير مركز وقف إطلاق النار للحقوق المدنية، مارك لاتيمر: "تظهر غارة جباليا ولأنها غارة مخطط لها، أن إسرائيل تسامحت مع الضحايا المدنيين والتي تعتبر من ناحية الضخامة، أكبر من تلك القوة التي استخدمها سلاح الجو الأمريكي ضد تنظيم الدولة".
وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبعد أسبوع من الحرب، قال سلاح الجو الإسرائيلي إنه أسقط 6.000 قنبلة على أهداف لحماس في غزة. وبالمقارنة وهو أعلى بمرات من 7.300 قنبلة أسقطتها أمريكا على أفغانستان في كل عام 2019 والذي شهد أكبر عدد من الغارات الجوية هناك. ومنذ ذلك الوقت قدم جيش الاحتلال الإسرائيلي إحصائيات متقطعة عن الغارات التي قام بها.
وقال مسؤول آخر في الإدارة إن "حسابات إسرائيل حول ما هو مقبول من الخسائر المدنية تختلف عن تلك التي تعمل بها الولايات المتحدة، حيث أن كل عملية جوية يتم تقييمها بدقة"؛ وفي يوم الأحد، بدا المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي وكأنه يهيئ الوضع لهجمات كبيرة على المستشفيات التي وصفها بـ "الجزء المهم من آلة حماس الحربية" ويجب إفراغها.
لكن منظمات الإغاثة الطبية والمؤسسات الصحية تقول إنها "مزدحمة بالمرضى والمواليد الجدد، ومنهم على معدات تبقيهم على قيد الحياة ولن يتم الاستجابة للطلب. فيما ينام الآلاف في أروقة المستشفيات، لاعتقادهم أنها أكثر أمنا من الأحياء المدمرة".