نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن انقسام المجتمع الأمريكي بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "إسرائيل تمكنت قبل عشر سنوات من الاستفادة من الدعم الكامل للولايات المتحدة غير أن الصورة اختلفت اليوم".
وذكرت الصحيفة أن أغلبية الحزب الجمهوري أعلنوا عن دعمهم المطلق لإسرائيل على رأسهم ليندسي غراهام وتيد كروز ونيكي هيلي، داعين منذ الأيام الأولى للتصعيد إلى فرض أشد العقوبات على حماس وإيران. في الوقت نفسه، بدأ سياسيو الحزب البارزون خاصة المشاركون في السباق الرئاسي توجيه الانتقادات لبعضهم البعض لكونهم "ضعفاء للغاية" أو "غير أكفاء".
طالت الرئيس السابق دونالد ترامب العديد من الانتقادات من زملائه الجمهوريين بعد وصفه حزب الله بأنه ذكي للغاية وإلقائه باللوم على حكومة نتنياهو بسبب تأثير هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
في ذات الوقت، تبنى فيفيك راماسوامي، المرشح الهندوسي للرئاسة الأمريكية، موقفا مشابها لموقف ترامب مشيرا إلى الحاجة إلى دعم إسرائيل فقط في إطار الأدوات السياسية والدبلوماسية دون التورط في "حرب أخرى لا يمكن الفوز بها".
من ناحية أخرى، لا تمنع الصراعات الداخلية الجمهوريين من استغلال حسابات الإدارة الخاطئة في السياسة الخارجية في الكونغرس. ورداً على مشروع بايدن بشأن حزمة من المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل، ألغى رئيس مجلس النواب الجديد، مايك جونسون، دفعات لكييف مع الإصلاح الضريبي الذي روج له الديمقراطيون على مدار العام.
الجمهوريون: العناية الإلهية والمال الكثير
في سياق الحرب الثقافية، خاصةً في عام الانتخابات، يعتبر أي نقاش في المجتمع الأمريكي صراعا مستمرًا على السلطة. لذلك فإن العامل الديني له أهمية انتخابية هائلة في مسألة الدعم الأمريكي لإسرائيل ويؤثر على الناخبين العاديين وعلى ممثلي النخبة السياسية الأمريكية أيضا.
في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، قال رئيس مجلس النواب مايك جونسون في مؤتمر الائتلاف اليهودي الجمهوري في لاس فيغاس إن "الرابطة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة تتجاوز السياسة والدبلوماسية. وهذا يتعدى حدود الأحداث الجارية. كمسيحي، أعلم – ونحن جميعا نؤمن – بأن الكتاب المقدس يعلمنا بوضوح شديد أنه يجب علينا أن نقف مع إسرائيل وأن الله سوف يبارك الشعب الذي يبارك إسرائيل". في الخطاب نفسه، وصف جونسون الصراع مع حماس بأنه معركة بين النور والظلام، بينما وصف ممثلي الحركة السياسية
الفلسطينية بالشياطين.
في الحقيقة إن صياغة جونسون ليست اختراعا سياسيًا وقد استُخدمت في العديد من المناسبات في وصف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من قبل أسلافه من بين "الجمهوريين الجنوبيين"، وهم جوهر الجناح المحافظ اليميني في الحزب اليوم. أكبر منظمة سياسية لها علاقات باسرائيل هي منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل"، التي بفضل جهودها اعتُمد مشروع "شرق البحر الأبيض المتوسط" التاريخي، الذي يمثل تحول المنطقة إلى نقطة توتر جيوسياسية عالمية.
جماعات الضغط على اليمين
قامت العلاقات بين المحافظين الإسرائيليين، وخاصة حزب الليكود، الذي يقوده في الوقت الراهن بنيامين نتنياهو، والسياسيين الإنجيليين الأمريكيين في السبعينيات بعد حرب يوم الغفران.
وبناء عليه، تواصل النخب المالية اليهودية لعب دور كبير في دعم الجمهوريين. فعلى سبيل المثال، ظل الملياردير الأمريكي اليهودي شيلدون أديلسون لسنوات عديدة المتبرع الرئيسي للحزب. وفي سنة 2016، دعم أديلسون ترامب بالأساس اعتقادا منه أنه سيخدم مصالح إسرائيل. في عهد ترامب تمكنت منظمات مثل الجمعية الأرثوذكسية والمنظمة الصهيونية الأمريكية وحركة حباد من الوصول المباشر إلى كبار المسؤولين الأمريكيين.
مرحبا بالأسلحة
ذكرت الصحيفة أن اللوبي العسكري الصناعي يقدم دعماً كبيراً للمتشددين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، تماماً كما حدث في حالات الصراع في أوكرانيا وأزمة تايوان. قبل أسبوع واحد من هجوم حماس، كانت أسعار أسهم شركات لوكهيد مارتن، ونورثروب غرومان عند أدنى مستوياتها السنوية. وخلال الأيام الأولى من الصراع، زادت بنسبة 11 و15 بالمئة.
الديمقراطيون: ضجة وضجيج
في حال اختلف الجمهوريون حول الطرف الأكثر إخلاصاً للصداقة مع إسرائيل، فإن الحزب الديمقراطي يشهد انقساماً واضحا، بحيث توجه سهام الانتقادات إلى البيت الأبيض بسبب دعمه نتنياهو ورفضه إمكانية التفاوض مع حماس. في هذا الصدد، تتهم مجموعة من أعضاء الكونجرس بقيادة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وتطالب الرئيس بإجراء مفاوضات فورية.
بغض النظر عن مدى غرابة الأمر تطرح غالبية المنظمات اليهودية المؤيدة للديمقراطية نفس المطالب. يختلف اللوبي اليهودي بشأن مسألة دعم إسرائيل ويتضح ذلك في مبادرة اليهود الأمريكيون بتنظيم المسيرات المستمرة المناهضة للحرب في واشنطن والأعمال المؤيدة للفلسطينيين في حرم الجامعات، حيث يتمتعون تقليدياً بالنفوذ الأقوى. وتتولى منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، التي أسسها نعوم تشومسكي والكاتب المسرحي توني كوشنر قيادة الاحتجاجات الحالية.
تعتبر اللجنة اليهودية الأمريكية أكبر مجموعة ضغط تعارض المحافظين في إسرائيل والولايات المتحدة. وقد عقد ممثلوها اجتماعا مغلقا مع بايدن بعد أربعة أيام فقط من هجوم حماس. وفقا لصحيفة نيويورك بوست، أرسل جورج سوروس الراعي الفردي الرئيسي للحزب الديمقراطي على مدى السنوات السبع الماضية أكثر من 15 مليون دولار إلى المنظمات الداعمة لفلسطين وحركة حماس نفسها.
نقلت الصحيفة عن كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فلاديمير فاسيليف أن دعم الديمقراطيين من طرف الجالية اليهودية جزء من التقاليد السياسية الأمريكية. وقد انطلق دمج الجالية اليهودية في النخبة السياسية في عهد وودرو ويلسون، واستقر في عهد فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات من القرن العشرين.
انقسام واشنطن
أضحى البيت الأبيض، كما هو الحال مع أوكرانيا أمام طريق مسدود. ويهدد أي إجراء لدعم إسرائيل بزيادة الانقسام داخل الحزب على كافة المستويات. ومن المرجح أن يؤدي التخاذل إلى موجة جديدة من الانتقادات من جانب الجمهوريين والاتهامات بالفشل في سياسة الشرق الأوسط.
وحسب ديمتري سوسلوف، وهو نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة الروسية العليا للاقتصاد، فإن الرأي العام الدولي أضحى أكثر فأكثر مؤيداً للفلسطينيين. وبالنظر إلى مدى أهمية إسرائيل كقضية سياسية داخلية، فإن أي محاولة لبايدن للضغط على إسرائيل بهدف إنشاء دولة فلسطينية على سبيل المثال تؤدي إلى عزله تلقائيًا. في سنة 2015، واجه باراك أوباما خطر الإقالة لأسباب لا تعتبر مهمة مقارنة بموقفه بشأن المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
في ظل هذه الأجواء، ارتفع تصنيف "الديمقراطيين المستقلين" حيث حصل روبرت كينيدي جونيور، الذي كان يُنظر إليه حصرياً على أنه "مرشح فني"، على 22 بالمئة من أصوات الديمقراطيين في استطلاعات الرأي، ويتقدم بالفعل على كل من ترامب وبايدن في نيويورك.
نوهت الصحيفة بأن الانقسام الاجتماعي والسياسي أثّر على المجتمع الأمريكي في وقت تواصل فيه النخب السياسية في البلاد صراعها من أجل السلطة الذي عمّقته أزمة الشرق الأوسط.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)