يتمتع عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس
السيادة، والقائد العام للجيش
السوداني بسماكة الجلد، التي تعني هنا التجرد من
فضيلة الحياء، وتغيير المواقف والجلد دون اكتراث للنقد، وكان آخر تجليات السماكة
تلك، مشاركته في القمة التي دعت لها الجامعة العربية في العاصمة السعودية الرياض،
في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي على
غزة، وقبل تلك القمة بأيام قليلة، تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،
بأن السودان "وقّع" على اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقد ظل البرهان الآمر الناهي في سياسات
السودان الخارجية والداخلية، دون سند من دستور أو قانون، وهو من بادر إلى السفر
الى يوغندا سرا في شباط/ فبراير من عام 2020 للقاء نتنياهو، دون علم رئيس الوزراء
ووزير الخارجية السودانيين، ثم استقبل رئيس جاهز الموساد، ثم وزير الأمن
الإسرائيلي في الخرطوم، وطاف به على مرافق التصنيع
الحربي (بمنطق ليس بين المحبين أسرار)،
ثم أوفد حليفه السابق وعدوه الحالي، عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم
السريع، التي تحارب الجيش السوداني حاليا، إلى إسرائيل على رأس وفد عسكري كبير،
وكان من ثمرات ذلك حصول قوات الدعم السريع على أجهزة تنصت عالية الكفاءة، لا مثيل
لها إلا في دول قليلة، ولعل تلك الأجهزة مستخدمة الآن في اختراق شبكة الاتصال
الخاصة بالجيش السوداني، مما قد يفسر النجاحات الميدانية للدعم السريع في الحرب
التي تدور رحاها في عاصمة واطراف السودان، ثم يذرف البرهان الدمع التمساح على غزة
في الرياض.
يفوق عدد السودانيين الذين نزحوا من دورهم
بسبب تلك الحرب الملايين الثمانية، ومن آيات سماكة جلد البرهان أنه أيضا نازح بسبب
الحرب، ويقيم الآن في شقة مفروشة في ميناء بورتسودان ،على بعد مئات الكيلومترات من
الخرطوم، وبهذا لم يعد ـ من الناحية العملية ـ قادرا على الاشتراك في إدارة الحرب
التي تدور أشرس معاركها في الخرطوم ومحيطها الجغرافي والإداري، وهو العاجز سلفا عن
إدارة شؤون الحكم، رغم أنه نصب نفسه رئيسا للدولة، فقوات الدعم السريع تسيطر على
العاصمة الخرطوم، وأختيها ام درمان والخرطوم بحري سيطرة شبه كاملة.
وحرب السودان في شهرها الثالث، طرحت الهيئة
الحكومية للتنمية التي تضم دول شرق وقرن إفريقيا (إيقاد)، مبادرة لوقف الحرب في
السودان، وأسندت رئاسة لجنة طرح المبادرة إلى الرئيس الكيني وليام روتو، فما كان
من البرهان إلا أن كال الاتهامات لروتو بأنه متواطئ مع الدعم السريع، وليس من ثم
أهلا للثقة، بل ولأن مقترحات الإيقاد لتحقيق وقف إطلاق نار تام في السودان، تضمنت إرسال
قوات لفك الاشتباك بين الطرفين المتحاربين، قال ياسر العطا مساعد القائد العام
للجيش السوداني، إنه يتحدى كينيا أن ترسل بكامل جيشها إلى السودان ليتم سحقه، ثم
إذا بالبرهان يطير إلى كينيا في الثالث عشر من الشهر الجاري، مستجديا روتو
والإيقاد إعادة طرح المبادرة، وكان ذلك لكون المبادرة السعودية الأمريكية المطروحة
عبر ما يسمى بمنبر جدة، تقضي بوقف الحرب وتسليم السلطة للمدنيين، مما يعني نسف حلم
البرهان بالبقاء على رأس السلطة، وتعريضه للمساءلة بموجب قوانين السودان المحلية
والقوانين الدولية، كمجرم حرب هو وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو
(حميدتي).
ويبدو أن سماكة الجلد تنتقل بالعدوى، لأن
شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش السوداني أيضا "نازح"، وخرج من
منطقة العمليات المركزية في الخرطوم الكبرى، وكما أن البرهان صور نجاحه في التسلل
خارج الخرطوم كما وأنه هجرة القرن الحادي والعشرين إلى يثرب، للفوز بمناصرة الأوس
والخزرج في بورتسودان، فقد تمايل كباشي طربا وهو يحتفل ب"الخروج الكبير"
بين نفر من الجند في قاعدة وادي سيدنا الجوية، التي هي الموقع العسكري الوحيد
للجيش السوداني في منطقة العاصمة، الذي لا يخضع لحصار قوات الدعم السريع.
سماكة الجلد تعصم البرهان من الإحساس بالخجل من التفوق العسكري لكيان يصفه بأنه مليشيا عائلية (وهي كذلك بالفعل)، ومن كون أن الحرب جعلت شعب بلاده يستجدي الطعام والدواء من الدول الأخرى، ومن أن عدد ضحايا الحرب يزيد على الأحد عشرة ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحة، وملايين النازحين في الداخل والخارج.
ما هو حادث هو أن البرهان وطوال الأشهر
الثلاثة الأخيرة لاذ بمنصب رئيس مجلس السيادة، علّ ذلك يُنْسي أهل السودان أمر
خروجه من المعركة، وعمد قبل أيام قليلة إلى إزاحة أربعة وزراء لم يسمع بهم أحد من
مناصبهم، وأتى بأربعة وزراء جدد لم يُعرف لهم كسب سياسي أو إداري، فهم كما البرهان
يحملون "ألقاب مملكة في غير موضعها/ كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد"،
وهم جميعا لاجئون في بورتسودان يعتاشون من إيرادات الميناء، لأن مقرات الوزارات في
الخرطوم إما تحت سيطرة الدعم السريع، أو تعرضت للدمار.
ما هو حادث على الأرض، هو أن قوات الدعم
السريع لم تخسر شبرا طوال الأشهر الست الأخيرة من الحرب، التي دخلت اليوم شهرها
الثامن، وسيطرتها على إقليم دارفور تكاد تكون كاملة، ونجحت مؤخرا في احتلال أكبر
محطتين لتوريد وتصدير النفط، وهي التي تسيطر سلفا ومنذ اليوم الأول للحرب على
مصفاة النفط التي تزود الخرطوم والولايات المتاخمة لها بحاجياتها من مشتقات
البترول، ويكرر حميدتي قائد تلك القوات استعداده التام لوقف إطلاق النار التام أو
الجزئي، وهو يمني نفسه بإملاء الشروط على الجيش من موقع قوة.
سماكة الجلد تعصم البرهان من الإحساس بالخجل
من التفوق العسكري لكيان يصفه بأنه مليشيا عائلية (وهي كذلك بالفعل)، ومن كون أن
الحرب جعلت شعب بلاده يستجدي الطعام والدواء من الدول الأخرى، ومن أن عدد ضحايا
الحرب يزيد على الأحد عشرة ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحة، وملايين النازحين في
الداخل والخارج.
يقول أهل السودان عن الشخص الذي لا يُحسن
التقدير وفهم الأمور، وينم سلوكه أو كلامه عن العجز في التصرف السليم في مواقف
بعينها بأنه "خارج الشبكة"، والبرهان اليوم خارج شبكة الحرب ويستعصم
بجلده السميك ليقدم نفسه كرئيس دولة "افتراضي".