مع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة والشح الشديد في الإغاثة الطبية التي تصل القطاع، تزداد التهديدات على حياة سكانه البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة بسبب التدمير الممنهج للمنشآت الصحية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد حصار عسكري واستهداف مباشر واقتحام الاحتلال مجمع الشفاء الطبي الذي تأسس عام 1937 وسط مدينة غزة، وتدميره وتدمير محتوياته واعتقال عدد من الكوادر الطبية، اقتحم جيش الاحتلال فجر اليوم المستشفى الإندونيسي شمال القطاع، بعد قصف عنيف استهدف محيطه واستهدفه بشكل مباشر، في انتهاك صارخ لكل قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وأبسط الحقوق الإنسانية.
تدمير بواعث الحياة
وخلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، واصل الاحتلال استهداف وقتل المدنيين والأطفال داخل بيوتهم، ومنع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى ودفن الشهداء الذين قضوا إما بالقصف بالصواريخ أو برصاص القناص الإسرائيلي.
كما عملت آلة الحرب الإسرائيلية منذ بداية العدوان الحالي ومن قبله عبر حصار قطاع غزة، على تدمير المنظومة الصحية بشكل مباشر، حيث استهدفت واستولت على العديد من المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية التي تقدم خدماتها الطبية للمواطنين، فيما قتلت "إسرائيل" خلال العدوان المستمر لليوم الـ49 على التوالي عدد 207 بين طبيب ومسعف وممرض.
وحول واقع المنظومة الصحية مع استمرار استهداف الاحتلال لكل مكوناتها في القطاع المحاصر منذ 17 عاما على التوالي، أكد وكيل وزارة الصحة بغزة، يوسف أبو الريش، أن "استهداف الاحتلال للمنظومة الصحية هو جزء من السياق العام الذي يشمل استهداف المواطن واستهداف كل ما هو
فلسطيني واستهداف كل بواعث الحياة لهذا المواطن المحاصر".
وأوضح في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن "جيش الاحتلال لم يقم باستهداف فقط المنظومة الصحية، بل قام مبكرا باستهداف البلديات وفرق الدفاع المدني وآليات وزارة الأشغال، ومنع الجميع من الوصول للجرحى والمصابين لإنقاذهم، وتم استهداف الطرق وتدميرها وقطع الكهرباء وغير ذلك".
وذكر أبو الريش، أنه "تم تدمير كل شيء يبعث على الحياة في قطاع غزة؛ خاصة عندما قام الاحتلال بقطع الكهرباء والماء والغذاء وكل مقومات الحياة، وهو بذلك كله يريد أن يقتل كل فلسطيني يعيش على هذه الأرض وعلى وجه التحديد في قطاع غزة".
وأضاف: "ضمن هذا السياق، كان استهداف المنظومة الصحية، باعتبار أنها جزء من زراعة الأمل والحياة لدى الناس، وهي جزء من إعادة تكوين الإنسان ليصبح سويا سليما معافا قويا، وهذا الأمر يتعارض مع توجهات الاحتلال الذي أوضح أكثر من مرة، أن الفلسطيني الجيد بالنسبة له هو الفلسطيني الميت".
حصار ناري
ونوه أن "استهداف وزارة الصحة وكوادرها ومؤسساتها ومستشفياتها يأتي في هذا السياق، مع حرمة وزارة الصحة والمنظومة الصحية ضمن الأعراف الدولية والكونية والسماوية والأخلاقية، ومع حرمة هذا كله، إلا أنه يتم استهداف المنظومة الصحية ليل نهار، وهو يريد الانقضاض على الجزء المتبقي من هذه المنظومة".
ولفت إلى أن "الاحتلال حاصر المنظومة الصحية لسنوات طويلة، ومنع دخول الأجهزة الطبية والدواء والإمدادات الطبية، ثم هو اليوم يمنع الماء والطعام والكهرباء، ويتم استهداف المنظومة الصحية بشكل مباشر؛ إما من خلال سيارات الإسعاف ومراكز الرعاية الأولية والمستشفيات، بمن فيها من طواقم طبية وتمريض ومرضى ونازحين".
ونبه وكيل الوزارة، أن "الواقع في مستشفيات القطاع، مأساوي وكارثي للغاية، كل الكلمات التي يمكن أن تصطف لوصف هذا الواقع تبقى عاجزة أمام هول ما يحدث بسبب العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف المستشفيات بشكل مباشر"، مبينا أن "جيش الاحتلال يقوم بعمل حصار ناري تفرضه دبابات وطائرات الاحتلال ضد العديد من المستشفيات".
وأشار إلى أن "العديد من جرحى العدوان الذين دمرت البيوت على رؤوسهم، لم يتمكنوا حتى من الوصول إلى المستشفيات التي بعضها لم يعد لديه القدرة على تقديم فرصة للعلاج (مجمع الشفاء الطبي كمثال)".
وأكد أن "الطواقم الطبية والأطباء يواجهون ظروفا صعبة للغاية، فهم ما بين الخوف على أهاليهم الذين يستهدفون مثلهم مثل باقي شعبنا المستهدف، وبين المرضى الذين يموتون أمامهم وكان بالإمكان إنقاذ حياتهم لو توفرت إمكانيات وأجهزة غاية في البساطة، وللأسف لا تتوفر في هذه الظروف خاصة مع انقطاع الكهرباء، ومن ناحية ثالثة، خوفهم على أنفسهم، فهم يعملون في بيئة غير آمنة".
وشدد على وجوب "الوقف الفوري لاعتداءات الاحتلال ضد المستشفيات والأطقم الطبية، وإمداد الوزارة ومؤسساتها الطبية المختلفة بمقومات البقاء؛ من وقود وأدوية ومستهلكات طبية وغذاء وماء".
وأفاد أنه "لا يوجد مكان في القطاع يستطيع أن يتحمل هذا العدد من الجرحى والمرضى، وما تبقى من مستشفيات القطاع غير قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة".
صيام مفتوح
وعن الكيفية التي تدبرت بها الطواقم الطبية النقص الحاد في الماء والغذاء خلال حصار الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي قبل تفريغه، ذكر أبو الريش أن "الغالبية العظمى من الطواقم، كانت قد بدأت في صيام مفتوح، وما توفر لديها من طعام، كان هو الإفطار والسحور".
وعن رسالته للعالم الذي يشاهد ما يفعله جيش الاحتلال بالمنظومة الصحية بالقطاع، قال: "أنا لا أدري ما الأمر الذي يمكن أن يوقظ هذا العالم وضميره، أين هي قيم الإنسانية والعدالة التي صدعونا بها؟ لماذا يتبخر كل هذا عند الحديث عن غزة؟ هل بالإمكان أن نشطب اسم غزة ونستبدله بأوكرانيا أو غيرها كي يستيقظ هؤلاء من سباتهم كي ينقذوا هؤلاء الناس الذين يختطفهم الموت في كل شارع ولحظة؟".
وتساءل وكيل وزارة الصحة: "لماذا ينظر لغزة بعين العدالة العوراء؟ ما هو الرقم أو الحدث الأكثر جسامة الذين ينتظرونه كي يستفيق هذا العالم من غفلته؟"، معتبرا أن "كل من لا يساهم في رفع آلة القتل الإسرائيلية عن شعبنا، فهو يشارك بشكل أو بآخر في تكريسها وإمعانها قتلا في أجساد هؤلاء الأطفال التي تصل دائما أشلاء ممزقة، والنساء التي تصل بطونها مبقورة وممزقة".
وبين أن "الموتى بعد أن تم حصارهم واستهدافهم وحرمانهم من العلاج، لا يتمكنون من أن تحفظ أجسادهم بعد الوفاة في ثلاجات تمنع تحللها، بل تركوا نهشا للكلاب الضالة في مشهد مريع، حتى العالم لم يستطع أن يحمي هؤلاء بعد قتلهم"، مضيفا: "هذا العالم الذي لم يحرك ساكنا أمام كل هذا، لا يرجى منه اليوم أي موقف، دعوه في سباته إلى أن يستيقظ على كارثة في عقر بيته، لأنه رضي أن ينتشر هذا الظلم".
وفي تمام الساعة السابعة من صباح اليوم، دخل قطاع غزة في هدنة مؤقتة ووقف إطلاق النار لمدة 4 أيام قابلة للتجديد بين المقاومة وجيش الاحتلال، بواسطة قطر ومصر، حيث جرى الاتفاق على صفقة تبادل للأسرى يتم بموجبها إطلاق سراح نحو 50 أسيرا إسرائيليا مقابل تحرير 160 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال.
وارتفع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي المتواصل لأكثر من 14854 شهيدا؛ بينهم 6150 طفلا وأكثر من 4000 سيدة، والجرحى لأكثر من 36 ألف إصابة بجروح مختلفة، بحسب آخر إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة وصلت "عربي21"، حيث تأكد أن جرائم الاحتلال أدت إلى إبادة عائلات فلسطينية بأكملها، وبلغ عدد المجازر 1400 مجزرة، إضافة إلى وجود أكثر من 7000 بلاغ عن مفقودين في مختلف مناطق القطاع، معظمهم من الأطفال.
ويشهد القطاع الذي يمتد على مساحة 360 كلم مربع، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 6 إلى 12 كلم، ترديا صعبا في مجمل الأوضاع الحياتية؛ وخلال الأيام الماضية من العدوان، واصلت طائرات الاحتلال استهداف مختلف مناطق القطاع عبر تدمير ممنهج لمنازل المواطنين وبشكل متزامن، كما تواصلت الاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والآليات العسكرية المقتحمة لعدد من المناطق في القطاع.
واستهدفت صواريخ الاحتلال شديدة التدمير، الأطقم الطبية والمستشفيات وسيارات الإسعاف وأطقم ومقرات الدفاع المدني والمساجد والصحفيين والمخابز والأسواق ومخازن المياه ومولدات الكهرباء واللوحات الشمسية الخاصة بتوليد الكهرباء، وتدمير الطرق وشبكات المياه والاتصالات وانقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في القطاع بالتزامن مع غياب شبه تام للكهرباء.
وفجر السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس" بدء عملية عسكرية أطلقت عليها "طوفان الأقصى" بمشاركة فصائل فلسطينية أخرى، ردا على اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى، وبدأت العملية الفلسطينية ضد الاحتلال عبر "ضربة أولى استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية للعدو".