قالت مجلة فورين بوليسي؛ إن الغضب يتصاعد في
الشارع الأردني، نتيجة استمرار العدوان على قطاع
غزة، وسط مطالبات بوقف إطلاق
النار وحماية الفلسطينيين.
ونقلت المجلة في تقرير
ترجمته "عربي21" عن المحتجة الأردنية سعاد باكير على الخطوط الأمامية للتظاهرات
التي تخرج بالآلاف في شوارع عمان: "نريد وقفا فوريا لإطلاق النار، يتم تدمير
المستشفيات، يتم قتل جميع جوانب الحياة. إنهم يريدون إبادة غزة".
وقالت مجموعة من
الشباب خلال مظاهرة في تشرين أول/أكتوبر، بعد أن قطعت إسرائيل جميع الإمدادات عن
غزة: "لا وقود ولا كهرباء ولا طعام ولا ماء، وغزة هي الإرهابية؟".
مع تنامي الأزمة
الإنسانية في غزة، يتزايد الغضب في شوارع الأردن. وبالإضافة إلى الاحتجاجات
الحاشدة كل يوم جمعة، كانت هناك مظاهرات يومية بالقرب من السفارة الإسرائيلية وعدة
احتجاجات، بالقرب من السفارات الغربية وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. فالأردنيون
لا يشجبون القصف المتواصل لغزة فحسب، بل يشجبون أيضا العلاقات الدبلوماسية التي
تربط حكومتهم بالاحتلال، والدعم الذي لا يتزعزع من زعماء الغرب لإسرائيل.
وقالت المجلة: "لقد
وضع الغضب الشعبي من مختلف ألوان الطيف السياسي، الحكومة الأردنية التي تعتمد بشكل
كبير على المساعدات الأمريكية، في موقف صعب. يواجه النظام الملكي الأردني الآن
التحدي المتمثل في الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في الوقت
الذي يتعامل فيه أيضا مع الاضطرابات الداخلية المتزايدة".
ولفتت إلى أن العلاقة
توترت أكثر في العام الماضي عندما شكل رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو
الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وتضم هذه الحكومة شخصيات مثل وزير الأمن
القومي اليميني المتطرف إيتامار بن غفير، الذي دعا إلى تغيير الاتفاق طويل الأمد، الذي يحكم الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس الواقعة تحت الوصاية الأردنية.
وبعد الانتخابات الإسرائيلية، حذر العاهل الأردني عبد الله الثاني إسرائيل من
تجاوز ما أسماه "الخطوط الحمراء"، ومحاولات تقويض "الدور
الخاص" للأردن في الأماكن المقدسة في القدس، التي اعترفت بها إسرائيل في
معاهدة عام 1994.
منذ اندلاع العدوان،
اتخذ المسؤولون الأردنيون موقفا علنيا قويا ضد الاحتلال بحسب المجلة، واتهموا
إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار،
وحاولوا تأمين المساعدات الإنسانية لغزة. وفي الشهر الماضي، ندد الملك عبد الله
بالعدوان ووصفه بأنه "عقاب جماعي لشعب محاصر وعاجز، وانتهاك صارخ للقانون
الإنساني الدولي". وانتقد الملك أيضا عدم رغبة الغرب في الدعوة إلى إنهاء
الأعمال العدائية، قائلا؛ إن حياة الفلسطينيين تبدو "أقل أهمية من حياة
الإسرائيليين!".
في غضون ذلك، قال وزير
الخارجية الأردني أيمن الصفدي؛ إن إسرائيل تجاوزت "كل الخطوط الحمراء
القانونية والأخلاقية والإنسانية". كما انتقد التطبيق الانتقائي للقانون
الدولي. وقال في قمة أمنية عقدت في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر: "إذا قامت أي
دولة أخرى في العالم بجزء مما فعلته إسرائيل، فسوف يتم فرض عقوبات عليها من كل ركن
من أركان العالم". وقال؛ إن الأحداث في غزة "يجب أن تصنف على أنها إبادة
جماعية".
وبحسب المجلة، فإن الأردن يشعر بقلق خاص
بشأن تهجير قسري للفلسطينيين، وعند قيام دولة الاحتلال، جرى تهجير مئات آلاف
الفلسطينيين، ولم يسمح لهم بالعودة، ولجأ الكثير منهم إلى الأردن، وبات موطنا
لأكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مسجلين فيه، ونصف السكان من أصل فلسطيني.
ومع نزوح 1.7 مليون
فلسطيني – أكثر من نصف سكان غزة – داخل القطاع المحاصر، وتصاعد هجمات المستوطنين
الإسرائيليين في الضفة الغربية، تتزايد المخاوف من موجة أخرى من اللاجئين. وقال
الملك عبد الله؛ إن طرد الفلسطينيين سيكون "خطا أحمر". وحذر رئيس الوزراء
الأردني بشر الخصاونة من أن النزوح الدولي سيكون بمنزلة "إعلان حرب"،
وأعلن أن الجيش الأردني يعزز وجوده على طول حدوده.
وقد رافقت بعض
التغييرات السياسية الخطاب الأردني. وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر، ألغى الملك عبد
الله قمة في عمان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد انفجار في المستشفى الأهلي
العربي في غزة أدى إلى مقتل مئات الأشخاص وأثار غضبا عالميا. كما استدعى الأردن
سفيره من إسرائيل وطلب من السفير الإسرائيلي في عمان البقاء خارج البلاد بعد أن أصابت
الغارات الجوية الإسرائيلية مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان، وهو الأكبر في
غزة. وقال الصفدي إن عودة السفير ستعتمد على "وقف إسرائيل لحربها على
غزة" وحذر من احتمال انتشار الحرب في جميع أنحاء المنطقة.
وبعد يوم من غارة جوية
إسرائيلية أدت إلى إصابة سبعة موظفين في مستشفى ميداني أردني في غزة يوم 15 تشرين
الثاني/ نوفمبر، أعلن الصفدي أن الأردن لن يوقع صفقة لتوفير الطاقة الشمسية
لإسرائيل مقابل المياه المحلاة. وتساءل: "هل يمكنك أن تتخيل وزيرا أردنيا
يجلس بجانب وزير إسرائيلي للتوقيع على اتفاقية المياه والكهرباء، بينما تواصل
إسرائيل قتل الأطفال في غزة؟".
وكان المتظاهرون
الأردنيون يضغطون على حكومتهم لإلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة منذ الإعلان عنها
في عام 2021. وقد حثت حملة شعبية تسمى "أنا لا أدفع" الأردنيين على
مقاطعة فواتير الكهرباء والماء؛ احتجاجا على الصفقات مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاق
عام 2016 الذي وافقت بموجبه الحكومة الأردنية - بعيدا عن التدقيق البرلماني أو
العام - على دفع 10 مليارات دولار لإسرائيل، مقابل إمدادات الغاز على مدى 15 عاما.
ولكن مع قيام إسرائيل
بقطع المياه والوقود والكهرباء عن غزة، زاد قلق العديد من الأردنيين بشأن مخاطر
منح إسرائيل السيطرة على قطاع رئيسي. وظهر المثل العربي "الدم لا يصبح
ماء" على اللافتات والملصقات في جميع أنحاء عمان؛ للتنديد بالصفقة باعتبارها
خيانة للقضية الفلسطينية.
ويريد العديد من
المتظاهرين من الحكومة أن تفعل المزيد. بالنسبة لهشام البستاني، الكاتب والناشط
الأردني الذي ساعد في تنظيم حملة وطنية ضد واردات الغاز الإسرائيلي، فإن عدم
التوقيع على صفقة المياه مقابل الطاقة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس
كافيا. وقال؛ "إننا نطالب بفك الارتباط الكامل مع إسرائيل، ووضع حد لتحويل
مليارات أموال دافعي الضرائب الأردنيين إلى الحرب الإسرائيلية واقتصاد الاحتلال، من
خلال صفقات الغاز".
إن إنهاء جميع
العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، هو مطلب أساسي للعديد من المتظاهرين. وفي اليوم
الذي أعلن فيه الأردن أنه سيستدعي سفيره لدى إسرائيل، تجمع المتظاهرون بالقرب من
السفارة الإسرائيلية في عمان، وهم يهتفون: "هذا ليس كافيا".
ولا تحظى علاقة النظام
الملكي بإسرائيل بشعبية كبيرة بين الأردنيين، حيث يشعر الكثير منهم أن الشراكة
تخدم النخبة الأردنية في المقام الأول. وقال طارق التل، خبير الاقتصاد السياسي
الأردني الذي يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت: "لم يستفد السكان من
الأمر بشكل عام. وهناك الكثير من التساؤلات حول البنية الكاملة للاقتصاد السياسي
للنظام، لأنه يخلق المزيد من عدم المساواة".
ويرى العديد من
الأردنيين أن التطبيع مع إسرائيل وسياسة النظام الملكي المتحالفة مع الولايات
المتحدة مرتبطان بالإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية وسياسات التقشف التي أضعفت
الحماية الاجتماعية. حتى قبل الحرب، أدى تدهور الاقتصاد، ومعدل البطالة الذي بلغ
23%، والفساد الملحوظ، إلى تأجيج السخط الشعبي المتزايد في جميع أنحاء البلاد، وهو
ما ردت عليه السلطات بزيادة القمع.
وندد المتظاهرون على
نطاق واسع بالولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى لتواطئها في الهجوم
الإسرائيلي، بينما يواصل الغرب تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لإسرائيل.
ويتم التعبير عن مشاعر قوية مناهضة للولايات المتحدة في كل مظاهرة. إحدى اللافتات
التي تم رفعها خلال احتجاج بالقرب من السفارة الأمريكية في عمان الشهر الماضي، وصفت
بايدن ونتنياهو بأنهما "مجرما حرب" و"شركاء في الجريمة". وجاء
في آخر: "لن ننسى جرائم الحرب التي ترعاها الولايات المتحدة في غزة".
والأردن، الحليف
الرئيسي للولايات المتحدة، هو ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل،
حيث يتلقى 1.45 مليار دولار سنويا. إن اعتماد المملكة الهاشمية على واشنطن يثير
تحديات داخلية. وقال التل: "كان رد الفعل في الغرب داعما بشكل موحد تقريبا
لإسرائيل. إنه يفتح أسئلة محرجة حول ما يفعله الأردن كنظام ملكي موال للغرب. النظام على حبل مشدود، وسيكون من الصعب الهبوط بسلام".
بينما ترسل واشنطن
سفنا حربية وطائرات مقاتلة إلى الشرق الأوسط لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة،
يطالب العديد من المتظاهرين بإنهاء التعاون العسكري الأردني مع الولايات المتحدة.
وفي عام 2021، سمحت اتفاقية الدفاع الأمريكية الأردنية للقوات والطائرات والمركبات
الأمريكية بالدخول المجاني إلى الأراضي الأردنية، ومنحت ما يقدر بنحو 3000 جندي
أمريكي متمركزين في قواعد في البلاد، بحصانة من المحاكم الأردنية.
وقال البستاني؛ إن هذه
الصفقة التي كانت مثيرة للجدل إلى حد كبير في الأردن، "ترقى إلى وضع الأردن
تحت الانتداب الأمريكي، وتسهل استخدام الأردن كقاعدة عسكرية لدعم الخطط الأمريكية
لإعادة ترتيب المنطقة".
لكن جيليان شويدلر،
عالمة السياسة في كلية هانتر بجامعة مدينة نيويورك، قالت؛ إن اعتماد النظام الملكي
الأردني على الأموال الأمريكية يعني أنه من غير المرجح أن يخاطر بالعلاقات
الثنائية، وأضافت: "سوف يعبرون عن غضبهم، لكنهم لن يعرضوا العلاقة للخطر".
ومع تصاعد الضغوط
الداخلية، كثفت الحكومة جهودها لاحتواء الغضب الشعبي. ومنعت المظاهرات أو التجمعات
في وادي الأردن وبالقرب من المناطق الحدودية. وفي عمان، أطلقت القوات الأردنية
الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام السفارة الإسرائيلية،
وأغلقت الطرق، ومنعت المتظاهرين من الوصول إلى السفارة الأمريكية والسفارات
الأوروبية.
وتم اعتقال العديد من
المتظاهرين بتهم التجمع غير القانوني، والتخريب، والإخلال بالنظام العام،
والاعتداء على رجال الأمن والموظفين العموميين. وطالب المتظاهرون بالإفراج عن جميع
المعتقلين، مرددين "كفى اعتقالات" في الشوارع.
ومع ذلك، سمحت الحرب
بظهور شارع موحد. وقال التل: "الأردنيون يدعمون غزة مثلهم مثل الفلسطينيين.
هناك خطاب قومي متماسك قادر على التغلب على الانقسام المجتمعي الذي يلعب عليه
النظام عادة". وقال؛ إن الاستمرار في العمل دون أخذ الرأي العام في الاعتبار، "قد يشكل خطرا على النظام الحالي".