رغم سقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير آلة
الحرب الإسرائيلية المصنعة غربياً لآلاف الأبنية والمنازل فوق رؤوس ساكينها في
قطاع
غزة منذ بدء
العدوان الإسرائيلي، استطاع أهالي غزة من خلال صمودهم وثباتهم
ورفضهم لفكرة الاقتلاع والترحيل إفشال المخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي، الرامي إلى
دفع الغزيين خارج وطنهم باتجاه شمال شبه جزيرة سيناء المصرية .
رحيل آخر الغزاة
يلحظ المتابع بأنه قد مرّ على قطاع غزة عديد الاحتلالات عبر التاريخ؛ بيد أن
الاحتلال الإسرائيلي ومجازره ضد أهل غزة التي نشهد فصولها على مدار الساعة كان الأشرس
منذ شهرين تقريبا، والأكثر همجية وفاشية وتقتيلا للأطفال والشيوخ والنساء، جنباً إلى
جنب مع سياسة تدمير ممنهجة للبيوت على رؤوس ساكينها.
والثابت أن قطاع غزة صمد أمام رياح
احتلالية عاتية في التاريخ، وبصمود أهله ومقاومتهم رحل المحتلون وبقيت غزة هاشم
كما أسماها العرب شامخة؛ وتاريخ مدينة غزة كما كل
فلسطين.. تاريخ مجيد حفظته ووعته
الأجيال المتلاحقة.
وعندما احتل الجيش البريطاني فلسطين في
عام 1920 بدأت مرحلة أخرى وبنمط احتلالي خاص، لكنه من نوع آخر، فقد فرض البريطانيون قوانين الطوارىء على أهالي
المدن والمناطق الفلسطينية المختلفة، ومن بينهم الغزيين، وتعتبر تلك القوانين أكثر
عنصرية في التاريخ المعاصر.
وعلى الرغم من الانسحاب الإسرائيلي
وتفكيك المستوطنات الصهيونية من قطاع غزة في عام 2005 بعد احتلال مديد وبفعل
مقاومة وكفاح أهلها، إلا أن الجيش الإسرائيلي جعل منه سجنا كبيرا لأكثر من مليونين
ومائتي ألف فلسطيني خلال العام الجاري باتوا عرضة لعملية تقتيل واغتيال وتدمير
مبرمجة بين فينة وأخرى.
رغم صغرمساحة قطاع غزة التي لا تتعدى
365 كيلومتر مربع وهشاشة بنيته التحتية، يبقى صمود الغزيين كابوسا مزعجا للاحتلال
الإسرائيلي، حيث لا تكاد تمر سنوات دون حملة عسكرية إسرائيلية شرسة عليه تودي
بأرواح المئات، وتدمر بنيته التحتية، ناهيك عن حصار اقتصادي مديد وخانق. لكن في
مقابل ذلك وفي متابعة بسيطة لأخبار العدوان الإسرائيلي والمجازر التي ترتكب على
مدار الساعة، لم يمنع الجرح العميق على رفع الغزيين شارة النصر والتحدي.
الجغرافيا السياسية
أنشئت غزة على تل يرتفع زهاء (45) متراً فوق سطح البحر؛ وقد تطور
عمران المدينة أسفل التل من نواحي الشمال، والشرق والجنوب، ولم يمتد باتجاه الغرب
إلا أخيرا، فأصبح موضعها الطبوغرافي يتألف من: الموضع القديم: ويشغله جزء من حي
الدرج، وجزء من حي الزيتون، وكذلك مواضع التوسع في جهات الشرق والشمال والجنوب من
التل: وتضم أحياء الشجاعية والتفاح، وجزءاً من حي الزيتون، وتتميز تلك المواضع
بانبساط أرضها التي ترتفع حوالي (35) متراً عن سطح البحر، جنوبي شرق المدينة، إضافة
إلى موضع الامتداد نحو الغرب: ويتألف من كثبان رملية غرست الأشجار في بعض أجزائها
لصد زحف الرمال ، وأصبح اليوم يعرف بغزة الجديدة أو حي الرمال.
لم تكن المجزرة المروعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة سوى محاولة يائسة لإخضاع أهله وفرض الأمر الواقع وتنفيذ مخطط الترانسفير القديم الجديد باتجاه سيناء المصرية، لكن الدلائل تشي في قدرة الغزيين وقوى المقاومة على الصمود وكسر إرادة العدو وهزيمته في نهاية المطاف.
وبشكل عام يوجد في غزة خمسة أحياء
رئيسية هي: الدرج، الزيتون، التفاح، والشجاعية بقسميها الجديدة والتركماني، وقد
امتدت غزة الجديدة على الرمال الممتدة من تل السكن على حدود المدينة القديمة إلى
ساحل البحر المتوسط من الغرب.
كانت مدينة غزة قاعدة اللواء الجنوبي
في فلسطين إبان الاحتلال البريطاني 1920 ـ 1948، وأصبحت عاصمة قطاع غزة منذ النكبة
الكبرى في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948. أقام فيها الحاكم الإداري العام
لقطاع غزة خلال الفترة بين عامي 1948و1967 وقد ضمت مختلف الدوائر الرسمية.
وفي الخامس من حزيران / يونيو من عام
1967 احتل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وأخضعوه لحكم السلطات الإسرائيلية، بعد أن
بقي القطاع تحت الإدارة المصرية منذ عام 1948 وحتى التاريخ المذكور. وقبل ذلك وفي
عام 1948 أنشئت إسرائيل على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، ونجا قطاع
غزة من الاحتلال ليبق تحت الإدارة المصرية حتى تاريخ احتلاله من قبل الجيش الاسرائيلي في الخامس من حزيران
/يونيو من عام 67، وبفعل المقاومة الفلسطينية انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005.
الجغرافيا البشرية
من الأهمية الإشارة إلى أن قطاع
غزة استقبل عددا كبيرا من اللاجئين
الفلسطينيين إثر النكبة الكبرى، ومع التزايد الكبير لسكان القطاع ارتفع مجموعهم
ليصل الى نحو مليونين وثلاثمائة الف فلسطيني خلال العام الجاري 2023 منهم أكثر من 76 في المائة هم من اللاجئين الذين ينحدرون من بئر السبع ومدينة
يافا والمجدل وعسقلان، ويشكل اطفال غزة 53 في المائة من سكانه، ومرد ذلك ارتفاع
معدلات الخصوبة الكلية للمرآة الغزية وتالياً ارتفاع معدل المواليد السنوي؛ وكنتيجة
مباشرة لمعدل النمو الطبيعي المرتفع سيتضاعف سكان القطاع الصامد بعد عشرين سنة، أي
أن مجموع سكانه سيصل إلى أربعة ملايين وستمائة ألف فلسطيني بحلول عام 2043.
لم تكن المجزرة المروعة التي يرتكبها
الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة في قطاع غزة سوى محاولة يائسة لإخضاع أهله وفرض
الأمر الواقع وتنفيذ مخطط الترانسفير القديم الجديد باتجاه سيناء المصرية، لكن
الدلائل تشي في قدرة الغزيين وقوى
المقاومة على الصمود وكسر إرادة العدو وهزيمته في نهاية المطاف.
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا