يبدو أن الجيش الإسرائيلي ليس وحده في ورطة مستنقع
غزة، وهو الذي يدلف إلى الشهر الثالث في عدوانه هناك، مواجها حركة مسلحة، بعد أن
كان يواجه جيوشا عربية مجتمعة فيهزمها في غضون ستة أيام أو ست ساعات؛ لا فرق. فثمة
جهة أخرى تفرك يديها وتعض على شفتيها بانتظار ما ستسفر عنه المعركة فهي معركتها،
إذ إنها ترى في هزيمة الصهاينة هزيمتها، وفي فوزهم فوزا لها..
إنه الليكود الإعلامي العربي، الذي يتسابق في بث
الأراجيف والأكاذيب والافتراءات على أمل أن يصحو يوما وقد ابتلعت غزة حماس
ومقاومتها، تماما كأحلام شامير حين قال أتمنى أن أستيقظ يوما وأرى غزة وقد ابتلعها
البحر، ولكن يبدو أن البحر الذي أمام
المقاومة، ليس كما تريده هذه الكتلة
السرطانية في الأمة، إنه البحر بإذن الله الذي كان أمام موسى عليه السلام يوم
انفلق، فنجى الله بذلك موسى وأهلك فرعون وجنوده.
المعركة لم تعد معركة إسرائيل وإنما معركة الليكود الإعلامي العربي الذي يرى أن خسارته للمعركة إنما هي خسارة لوجوده، لا سيما وقد قدم كل ما يملك وما لا يملك من أجل الصهاينة الذين يرى فيهم مشروعه اليوم في مواجهة المقاومة، والأنكى من ذلك كله أن ترى عناصر وأدوات هذا الليكود الإعلامي العربي وهي تهاجم كل من لا يقف في وجه المقاومة
هل تذكرون يوم تسابقت فضائيات عربية حاملة اسم العروبة
فقط إلى بث مقاطع الفيديو التي تصور فلسطينيين وقد عرّاهم
الاحتلال من ثيابهم
لينقلهم بشاحناته المكشوفة أمام الكاميرات، حالما أن تكون كسرا لشوكة المقاومة
وحاضنتها، فأعلنت هذه الفضائيات يومها وبكل وقاحة وصلافة وبعنوانها العريض: مقاتلو
حماس في قبضة الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم تتجرأ عليه كثير من وسائل
الإعلام الصهيونية نفسها، لنجد بعد أيام صحيفة صهيونية مثل يديعوت أحرنوت وهي تكذب
الرواية الإسرائيلية وتقول إن المقبوض عليهم ليسوا من حماس ولا القسام، وإنما من
الفلسطينيين العاديين، ويظهر أن أحد المقبوض عليهم والتي حلمت بها فضائيات الليكود
الإعلامي العربي هو مراسل لصحيفة العربي الجديد، وآخر يعمل في منظمة الأونروا
التابعة للأمم المتحدة.
كتّاب وصحافيون منهم من كان موقفه معروفا ضد المقاومة
وحماس قبل العدوان الأخير، ومنهم من كان كامنا ليظهر الله خبيئته في هذه الرجفة
التي تعرضت لها الأمة وهي رجفة العدوان الصهيوني على غزة، فجرّد كل إمكانياته
وقدراته وتاريخه وعلمه من أجل محاسبة المقاومة وكأنه يحاسب خصيمه لعقود، إنه يحاسب
المظلوم الساعي إلى رد الظلم عن نفسه، بعد أن ترك الظالمَ المحتل المجرم الذي يهلك
الحرث والنسل ليحاسب المقتول والجريح والمشرد، وبدأ يفتش ويبحث عن إبرة وسط ركام
وأكوام من القش ليحيك بها ثوب أكاذيبه وترهاته؛ فيُحمّل المقاومة مسؤولية ما جرى
للشعب الفلسطيني من قتل وتهجير وإبادة على أيدي الماكينة العسكرية الصهيونية
والغربية بشكل عام، ويتجرأ أكثر فيتهم كل من ينال من الأنظمة التي صمتت عن قتل
الفلسطينيين، فيحمل المسؤولية للمقاومة التي لم تحسن تقديراتها للموقف بحسب
فذلكاته وترهاته، أما الأنظمة العربية التي فشلت في الصمود بحروب لست ساعات فهذا "فرفور
ذنبه مغفور".
على مواقع التواصل الاجتماعي تجد الذباب الالكتروني
وقد جرّد كل أسلحته من أجل دعم الصهاينة والغزاة في حربهم على العزّل من أهل غزة،
فالمعركة لم تعد معركة إسرائيل وإنما معركة الليكود الإعلامي العربي الذي يرى أن
خسارته للمعركة إنما هي خسارة لوجوده، لا سيما وقد قدم كل ما يملك وما لا يملك من
أجل الصهاينة الذين يرى فيهم مشروعه اليوم في مواجهة المقاومة، والأنكى من ذلك كله
أن ترى عناصر وأدوات هذا الليكود الإعلامي العربي وهي تهاجم كل من لا يقف في وجه
المقاومة، وأمامه اليوم الجزيرة وقطر وإعلامها، وهو الأمر الذي ذكرنا تماما
بسرديات وروايات النظام السوري مع بداية الثورة السورية حين كان يتهم هذه الدولة
أو تلك بأنها وراء المظاهرات ودعمها.
كلمة السر في موقف الليكود الإعلامي العربي على ما يبدو إنما تكمن كلها في خشيته من هذا الانتصار بأن يكون له ما بعده على صعيد الربيع العربي وثوراته، مما ستدفع ثمنه الأنظمة الاستبدادية القمعية التي تراهن على فشل حماس، إذ إن نجاحها سيمنح دفعة معنوية قوية للثورات العربية والمعارضين للأنظمة العربية
الليكود الإعلامي العربي اليوم في ورطة ومأزق حقيقي،
وهزيمة الصهاينة في المعركة ستكون هزيمته، بل وربما خروجا من اللعبة الإعلامية
العربية، لا سيما ونحن نرى التفاف الأمة حول غزة ومقاومتها، بل والتفاف الإنسانية
حول أهلنا في فلسطين، بدعمهم ومساندتهم عبر المظاهرات في عواصم القرار الغربي، وهو
أمر غير مسبوق في تاريخ المظاهرات العالمية، بل وصل الأمر إلى أن يُضحي رؤساء
جامعات عريقة في أمريكا بمناصبهم من أجل غزة والتصدي للعدوان الصهيوني، في حين نرى
الليكود الإعلامي العربي يضحي بنفسه ومؤسساته لصالح العدوان الصهيوني، مصرّا بذلك
على دعمه ومساندته للحملة الصهيونية في إبادة الفلسطينيين والقضاء على حماس.
إن كلمة السر في موقف الليكود الإعلامي العربي على ما
يبدو إنما تكمن كلها في خشيته من هذا الانتصار بأن يكون له ما بعده على صعيد الربيع
العربي وثوراته، مما ستدفع ثمنه الأنظمة
الاستبدادية القمعية التي تراهن على فشل
حماس، إذ إن نجاحها سيمنح دفعة معنوية قوية للثورات العربية والمعارضين للأنظمة
العربية.