"الصهاينة العرب" تسمية جديدة
قديمة في آن فهي اليوم تُغرق مواقع التواصل الاجتماعي لنعت مجموعة من الكتاب
والصحفيين والفنانين والناشطين الرسميين أو غير الرسميين الذين يهاجمون المقاومة
ويناصرون جيش
الاحتلال ضد شعب
غزة. المصطلح قديم الاستعمال لكنه يطفو على سطح
التداول الشعبي كلما حميت المواجهة بين المقاومة والاحتلال في
فلسطين.
يحتاج هذا المكوّن الذي صار اليوم طرفا
في الصراع والحرب بين المقاومة والاحتلال إلى تفكيك بنيوي أولا وتفكيك وظيفي ثانيا
لفرز الأسطوري منه عن الحقيقي ومعرفة خطورة هذه الكتيبة المقاتلة وأثرها على الوعي
الجمعي العربي والإسلامي. الصهاينة العرب تسمية لا تستعملها المنصات العربية
الرسمية ولا تعترف بها الصحافة العربية
"الرصينة" التي تعاني هي نفسها من هذا الورم المستعصي داخلها إن لم تكن
هي نفسها حاملة لواءه وشعاراته.
البعدُ الإنساني لفلسطين
لن نبالغ في القول بأن القضية
الفلسطينية لم تعد قضية إسلامية أو عربية فحسب بل هي اليوم قضية ذات بعد إنساني
عالمي صرف بعد أن عمّت المظاهرات الداعمة لصمود شعب غزة كل القارات. لا يوجد اليوم
ناشط أو فنان او إعلامي أو مفكّر لم يحدد موقفه من الصراع في الأرض المحتلة. غزة
اليوم هي آخر عناوين الصراع بين قوى الاحتلال العالمي بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية وحلف شمال الأطلسي بكل إمكانياته العسكرية والسياسية والإعلامية من
ناحية وشعب أعزل محاصر منذ عقود في بقعة
صغيرة من الأرض.
فلسطين تختزل اليوم كل حروب الاحتلال
والغزو عبر التاريخ وهي شاهد مصغر على حروب الإبادة التي كانت ضحيتها أمم وحضارات
وشعوب كان آخرها شعب الهنود الحمر في الأمريكيتين. حركات المقاومة في جنوب أمريكا
وفي آسيا وأفريقيا وصولا إلى جنوبها إنما يستلهمون صمود الشعب الفلسطيني باعتبارها
آخر قصص صمود الشعوب في وجه الاحتلال.
هذا البعد هو الذي يفسر السبب الذي
يجعل من القضية الفلسطينية تغطي على بقية القضايا والصراعات العربية رغم أنها أشد
دموية وعنفا أحيانا مثل الصراع في سوريا أو السودان. فلسطين اليوم عالمية البعد
والتأثير كذلك لأنها أرض الديانات ومهبط الحضارات ومعبر الأمم والشعوب منذ آلاف
السنين.
الصهيونية العربية
إذا كانت فلسطين قد أصبحت بهذا البعد
العالمي فإن المنتظر منطقيا أن تكون قضيتها ذات إجماع عربي وإسلامي لا مثيل له أي
أن تكون القضية العربية الوحيدة التي لا تقبل النقاش أو المزايدة أو التمييز. لكن
يبدو أن الأمر على خلاف ذلك في الداخل العربي بما فيه الداخل الفلسطيني نفسه.
هنا نشأ مصطلح الصهاينة العرب لنعت كل
من يدعم الاحتلال ويناصر المحتل على حساب شعب فلسطين سواء كان فلسطينيا أو عربيا
أو مسلما أو غير ذلك. الصهيوني العربي لا يحتاج أن يكون يهودي الديانة أو إسرائيلي
الجنسية بل يكفي أن يكون عربيا معاديا للمقاومة أولا ولشعب فلسطين ثانيا وللحق
التاريخي في التحرر من الاحتلال.
عرفت كل الشعوب المحتلة هذا النوع من
النماذج الاجتماعية التي تقف مع المحتل الغازي ضد شعبها فالخونة والعملاء والوشاة
هم من أطال عمر الاحتلال في الجزائر وتونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا وكل الدول
العربية تقريبا.
فلسطين تختزل اليوم كل حروب الاحتلال والغزو عبر التاريخ وهي شاهد مصغر على حروب الإبادة التي كانت ضحيتها أمم وحضارات وشعوب كان آخرها شعب الهنود الحمر في الأمريكيتين. حركات المقاومة في جنوب أمريكا وفي آسيا وأفريقيا وصولا إلى جنوبها إنما يستلهمون صمود الشعب الفلسطيني باعتبارها آخر قصص صمود الشعوب في وجه الاحتلال.
في الحالة الفلسطينية فإن الصهيوني قد
يكون فلسطينيا مثلما هو حال جماعة التنسيق الأمني في الضفة الغربية، حيث نجح المحتل
بالتنسيق مع الولايات المتحدة في تحويل آلاف المواطنين الفلسطينيين إلى قوة إسناد
أمنية للاحتلال. وهو نفس المنوال الذي رأيناه في تونس والجزائر وليبيا والعراق
وبقية الدول العربية حين كوّن الاحتلال كتائب من أهل البلاد للقتال إلى جانبه ضد
إخوانهم مقابل امتيازات مادية باهتة.
أما في الحالة العربية فإن الصهيونية
تعني التحالف مع الاحتلال والدفاع عنه من الخارج لا من الداخل وهو ما عبرت عنه
الأنظمة الرسمية المحاصرة لشعب فلسطين وقطاع غزة مثل مصر أو الأنظمة المطبعة وعلى
رأسها الإمارات والسعودية. كما في الحالة الفلسطينية فإنّ الصهيونية العربية تكون
رسمية وتكون شعبية من خلال النخب والأبواق التي لم تتوقف عن مهاجمة المقاومة دون
التصريح بدعمها للاحتلال.
منطق الصهيونية العربية
يمكن تقسيم هذا المنطق وفق البنية
الرباعية التي اعتمدناها في الفقرات السابقة فهناك منطق الصهيونية الفلسطينية
وينقسم إلى شعبي ورسمي ممثلا في سلطة أوسلو ومنطق الصهيونية العربية وينقسم بدوره
إلى شعبي ورسمي ممثلا في محور التطبيع أساسا.
لا يختلف اثنان في أنّ السلطة
الفلسطينية بقيادة عباس هي تقريبا الوجه الآخر للنظام العربي ممثلا في جامعة الدول العربية، أي أن السلطة الأمنية في رام الله هي الوكيل المحلي للاحتلال كما أن النظام الرسمي
العربي هو الوكيل الإقليمي للقوى الدولية. إضافة إلى ذلك فإن التنسيق الأمني بين
السلطة والاحتلال يكشف طبيعة الدور "القذر" الذي تنهض به هذه السلطة من
خلال اعتقال المناضلين والوشاية بمخابئ المقاومين وهي نفس الوظيفة التاريخية التي
أوكلت للخونة عبر تاريخ مقاومة الاستعمار الفرنسي والبريطاني والأمريكي في المشرق
والمغرب. السلطة إذن هي الاحتلال نفسه في نسخته الفلسطينية.
أما شعبيا فإن الصهاينة الفلسطينيين
ينقسمون عامة إلى أفراد أو مجموعات نجح الاحتلال في تجنيدهم لصالحه مستغلا ثغرات
في شخصيتهم مثل الحاجة إلى المال وإلى نخب اختارت الانسياق وراء السردية الصهيونية
لمجاراة مشاريع إقليمية مثل مشاريع التطبيع الخليجي أو الأجندة الإيرانية. كثيرون
من عرب 48 وخاصة من بدو النقب ومن الدروز اختاروا كأقليات التحالف مع المحتل خدمة
لمصالحهم الطائفية وتنكرا للرابطة المشتركة التي تجمعهم مع شعب فلسطين أولا
والشعوب العربية ثانيا.
أما الصهاينة العرب فهم الجزء الأكبر
من الظاهرة وينبني منطقهم التعليلي في المستوى الرسمي ونقصد به الأنظمة المطبعة
على اعتبار العدو المحتل أشد قوة وفتكا ولا طاقة للمقاومة به فلا حل معه إلا
بالاستسلام والتطبيع. كما أن هذه الحكومات العربية غير الشرعية تبحث من خلال
التحالف مع الاحتلال المسنود دوليا عن حماية نفسها وإطالة عمر مكوثها في السلطة.
تطوّر هذا القبول بالاحتلال في السنوات
الأخيرة إلى تعميق المصالح المشتركة والتطبيع الاقتصادي خاصة بين الإمارات ومصر
والسعودية ودولة الكيان. يحدث هذا في الوقت الذي تصرح فيه القيادات الدينية
للاحتلال بأن أرضها تمتد من النيل إلى الفرات مع جزء كبير من الأراضي السعودية.
لكن إذا كان الاحتلال في الحرب الأخيرة
على غزة لم يكن قادرا على حماية نفسه بنفسه فكيف سيكون قادرا على حماية دول محور
التطبيع؟
الصهيونية العربية هي الوعي المزيف الذي يفتك بوعي المقاومة ويكسر الأعمدة التي تؤسس شرعية النضال لطرد المحتل ورفض الأمر الواقع رغم كل قوّته وبطشه. إن الرضى بمقولات الصهاينة العرب يعني الاستسلام للاحتلال وككل جسد ترفض خلاياه مقاومة الأجسام الدخيلة والأمراض الطارئة فإنه محكوم بالموت المحقق.
يبقى منطق الصهاينة العرب على المستوى
الفردي النخبوي أكثر الأبنية صعوبة في التقبل والتحليل، حيث ظهرت في السنوات
الأخيرة أطروحات مهرولة نحو التطبيع وإن بكثير من الحذر. ففي الحرب الأخيرة على
غزة لم يتجرّأ الصهيوني العربي على دعم جيش الاحتلال مباشرة إلا في حالات خليجية
مَرَضية نادرة لكنه تغطى عن ذلك بمهاجمة المقاومة.
هذا الخطاب هو صدى الصهيونية العربية
الرسمية لأن محور التطبيع يرى في "المقاومة الإسلامية" خطرا على مشاريع
التطبيع وعلى سلطته هو وعلى قدرتها على تحرير الشعوب العربية كلها من ربقة
الاستبداد. ينبني هذا المنطق على اعتبار حماس سببا مباشرا في عدد الشهداء وفي
الخراب الذي حل بالقطاع وهو المنطق الذي يعتبر واقع الحصار والاحتلال والتجويع
السابقة للحرب مكسبا تجب المحافظة عليه.
دفعت الأنظمة العربية بكل كتائبها
الصهيونية خلال الأسابيع الأخيرة لشيطنة المقاومة بخلفيات دينية أو براغماتية في
الغالب فعرّت دون قصد شبكة كثيفة من دعاة التقدمية والحداثة والتنوير والوسطية.
انكشفت هذه الشعارات عن زيف عميق لأنها كشعارات حقوق الإنسان والنسوية العربية
وحوار الحضارات ... لم تكن غير أقنعة تغطي توحش الاحتلال وخيانة الصهاينة العرب.
تبدو ظاهرة الصهيونية العربية ظاهرة
طبيعية وفق تاريخ الشعوب ومعارك التحرر لكنها اليوم تمثل الوقود الذي يطيل عمر
الاحتلال. الصهيونية العربية هي الوعي المزيف الذي يفتك بوعي المقاومة ويكسر
الأعمدة التي تؤسس شرعية النضال لطرد المحتل ورفض الأمر الواقع رغم كل قوّته
وبطشه. إن الرضى بمقولات الصهاينة العرب يعني الاستسلام للاحتلال وككل جسد ترفض
خلاياه مقاومة الأجسام الدخيلة والأمراض الطارئة فإنه محكوم بالموت المحقق.
الصهيونية العربية أخطر من الصهيونية
اليهودية لأنها تتحرك داخل الجسد المحتل وتحاول إقناع خلاياه الحية بالانتحار
والموت وهو ما يجعل منها أخطر مكونات الطابور الخامس. إن مقاومة الصهيونية العربية
مُقدم على محاربة الجيش الصهيوني نفسه فلولا الصهاينة العرب لهُزمت جيوشه منذ 1948
كما هزم جيشه الأسطوري هزيمة نكراء بالأمس في غزة.