نشرت صحيفة "ستار" التركية مقال رأي للكاتب مظهر باغلي تناول فيه استعدادات الأحزاب السياسية في
تركيا للانتخابات المحلية المقبلة والاستراتيجيات التي تعتزم اعتمادها.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في آذار/ مارس عام 2024 ستجري
الانتخابات المحلية التركية في ظل الأجواء السياسية التي خلقتها الانتخابات الرئاسية السابقة. وإذا تذكرنا؛ فقد حطمت تلك الانتخابات اثنين من المسلمات الأساسية في علاقة السياسة بالمجتمع؛ الأولى كانت افتراض أن الاقتصاد هو العامل الحاسم الأساسي في تحديد اختيار الناخب، وهذا لم ينجح هنا. الثانية هي عدم صحة الفرضية القائمة حول أن مخاوف الناس الأمنية ستكون مستقلة عن الأفكار السياسية والجهات الفاعلة.
وأشار الكاتب إلى أن الناخبين لم يضعوا الاقتصاد في المقام الأول ولم يروا الأمن مستقلًا عن الجهات الفاعلة السياسية والأفكار؛ حيث قالوا: "نعم، هناك أزمة اقتصادية، لكن من سيحل ذلك هو حزب العدالة والتنمية أيضًا"، وقالوا أيضًا: "إن الأحداث الجارية في هذه المنطقة، بما في ذلك الهجرة والصراع والاضطرابات الداخلية، تؤدي إلى مشكلة أمنية خطيرة، لكن من سيحل ذلك ليس الفاشيون المتعصبون، بل رجب طيب أردوغان".
مثال الهجرة والزلازل
وأفاد الكاتب أنه ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في الأمر هو أن كل مجال من المجالات التي تركز عليها المعارضة قد جعل حزب العدالة والتنمية وأردوغان أكثر أهمية، فلم تضعف كل مشكلة تم طرحها السلطة بل تقويها. بدلًا من الضغط على السلطة؛ عززت المشاكل أو الثغرات التي أشارت إليها المعارضة موقفها وقوتها. قد يبدو هذا متناقضًا؛ لكن يمكننا قراءته من خلال مثالين بسيطين، وأدت مواقف المتعصبين الذين تحدثوا عن مشكلة المهاجرين إلى استفزاز مشاعر الرحمة لدى المواطن، مما عاد بالفائدة على السلطة. كذلك عزز استمرار المعارضة في جعل الزلزال مادة سياسية فكرة أن الجراح الناجمة عنه يمكن أن يعالجها أردوغان فقط.
وأوضح الكاتب أنه في الوقت الحالي؛ يحدد كل حزب استراتيجيته الانتخابية الخاصة، وإذا خرجوا أمام الناس بوثيقة رؤية وحملة انتخابية تدور حول الأفكار القديمة ضمن استراتيجيات الانتخابات الكلاسيكية المعروفة، فسيصابون بخيبة أمل مرة أخرى. وقد عانت كتلة المعارضة من أكبر خيبة أمل في الانتخابات الرئاسية السابقة. ومع ذلك، تغيرت العوامل الأساسية التي تحدد اختيار الناخب، ويشكل هذا التغيير مجال التفوق، ولن يكون مشروع ومحلية حزب العدالة والتنمية، الذي يشكل مجال تفوقه التنافسي، كافيين لإقناع المواطن في الانتخابات المحلية وحدها.
في الانتخابات المحلية السابقة لم يكن الموضوع هو الخدمة وحل المشكلات وإنتاج المشاريع، للأسف. ربما تتذكرون؛ لقد كانت تلك البرامج متداولة جدًا على وسائل التواصل الاجتماعي والرأي العام، قبل فترة وجيزة من انتخابات عام 2019، وكان مرشح حزب الشعب الجمهوري لمنصب رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ضيفًا على العديد من البرامج التلفزيونية يتحدث عن "مشاريعه الكبيرة"، وكانت الوعود تتدفق بلا توقف.
وذكر الكاتب أنه في الواقع، لم يكن الهدف هو إنتاج مشروع أو الحديث عن المشاريع التي سيتم تنفيذها، بل كان الهدف هو إبقاء هذا الخطاب قيد التداول وإغراق حزب العدالة والتنمية في إنتاج المشاريع وإدانته بالنزاعات الداخلية وفتح مجال الشعبوية لنفسه. وبالفعل حدث ذلك؛ لقد رأينا جميعًا بعد الانتخابات أن هذه الوعود لم يتم تذكرها، ولم تتحقق.
وأضاف الكاتب أن المثال الأكثر إثارة للاهتمام على أن الانتخابات لن تسير على أساس "الوعود والمشاريع" هو مرة أخرى في إجابة أكرم إمام أوغلو الساخرة على سؤاله عن أكبر مشكلة في إسطنبول.
كان أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، ضيفًا في برنامج تلفزيوني، وسأله المذيع عن رؤيته لحل مشكلة النقل والمرور. فهاتان المسألتان تُطرحان دائمًا في كل محادثة عن إسطنبول، حتى في الخارج؛ بل إن منظمي الرحلات السياحية في الخارج يخبرون عملاءهم أن مشكلة المرور هي أهم مشكلة في إسطنبول. ففي الواقع؛ يقضي كل مواطن في إسطنبول ما يقرب من ربع وقته في هذه الفوضى.
سوف يحتضن الناس
يسأل المذيع إمام أوغلو: "عندما تم تقديم اسمك، تحدثت في خطابك عن عدة خطط ومشاريع، مثل مشروع حل مشكلة حركة المرور. هل لديك أي إضافات على هذه المشاريع؟ ما الذي تريد أن تخبر به الجمهور؟".
يجيب إمام أوغلو: "اااااا.. بالطبع يا سيد أردوغان بالطبع حركة المرور والنقل موضوع منفصل له الكثير من التفاصيل، في البداية لدينا حزم ستجذب الناس أو ستقول حل مشكلتي" ثم يتدخل المذيع بشكل طبيعي قائلاً: "في النقل؟" يجيب إمام أوغلو: "بالطبع".
بالطبع؛ ليس لدي نية أو هدف لتقييم حياة وفكر وموقع سياسي لشخص ما من خلال جملة واحدة أو زلة لسان لحظة، ولكن لا أعتقد أن أي شخص سيدعي أن شخصًا يجيب بتلعثم ويريد تغيير الموضوع بتعبيرات غير مبالية يشغل المنصب الذي يشغله.
ناهيك عن رئيس بلدية، إذا سألت مواطنًا عاديًا يقيم هنا ولم يمر حتى من أمام مباني الإدارة المحلية، فسيقدم إجابة أكثر إشراقًا من هذا الهراء لمشاكل النقل/المرور في إسطنبول.
وأشار الكاتب إلى أن هذه هي نظرة الشخص الذي يشغل منصب رئيس بلدية أكبر مدينة في البلاد، والوحيد الذي لديه إمكانية أن يكون بديلًا للسلطة، والذي هو قوي بما يكفي لتحديد رئيس حزبه، وهذا هو الشخص الذي فاز بالانتخابات المحلية الأخيرة ضد حزب العدالة والتنمية.
لقد تناولتَ (أردوغان) كل مجال يعاني من مشاكل منذ قرن تقريبًا، ولقد فتحتَ طريقًا لحله أو اتخذت خطوات في هذا الاتجاه، ولديك مشاريع طموحة على مستوى العالم، وتحقق أحلامًا تاريخية، وغيّرت مصير البلاد، وأنت بطل ثورة صامتة، وخسرت إسطنبول لشخص غير كفء وفارغ مثل الشخص المذكور أعلاه.
يجب أن ندرك أن المشاريع وحدها لا تكفي، وأن الموضوعات الكلاسيكية التي تحدد اختيار الناخبين لم تعد ذات أهمية.
ورأى الكاتب أنه يمكن الفوز بهذه الانتخابات من خلال عدم الاستسلام للفخ الذي نصبه المعارضون للانتخابات في إطار "المشروع والخدمة"، ولمس المواطن، وتوسيع التحالف، ومعاقبة مروجي النزاعات الداخلية، والبقاء بعيدًا عن أولئك الذين يطاردون طموحاتهم الشخصية.
وتابع الكاتب أنه لا ينبغي أن يستهدف حزب العدالة والتنمية بشكل خاص في إسطنبول الفوز ببلدية واحدة فقط، بل يجب أن يخطط لإنقاذ "16 مليون" مواطن من المعاناة التي يعانونها، ومن حكم الجهات الفاعلة الفارغة عليهم. ويجب عليه أيضًا ألا يقع في نفس الوضع.
وأكد الكاتب على أن طريق الفوز بالانتخابات، وخاصة في إسطنبول، هو أولًا إظهار أن الرئيس الحالي مجرد حصن ورقي، وتنظيم شؤون الانتخابات بشكل جيد للغاية، وتشغيل مركز تنسيق الانتخابات، وإقامة اتصالات صادقة مع مختلف الطبقات الاجتماعية. من لديه خبرة في إدارة البلديات في إسطنبول؛ ومن يستطيع أن يلمس مختلف الخصائص الاجتماعية، ومن يستطيع أن يوسع تحالفه المحلي، ومن يستطيع أن يُظهر رغبة حقيقية في التصدي لأكبر مشكلتين في إسطنبول، وهما النقل والزلزال، من خلال مشاريعه، لديه فرصة.
لم يمر عام على الانتخابات الرئاسية، والنتائج واضحة؛ حيث يجب أن ينطلق حزب العدالة والتنمية مع مرشح يمكنه الوصول إلى مختلف الطبقات الاجتماعية والسير معهم.