بعد مرور 75 يوما على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، وتوغله في شتى أرجائه، ومرور 56 يوما على الهجوم البري، استطاعت المقاومة
الفلسطينية توجيه رشقات صاروخية إلى العمق الإسرائيلي.
وأعلنت كتائب الشهيد عز الدين
القسام الثلاثاء عن استهداف تل أبيب الكبرى بالصواريخ "ردا على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين"، الأمر الذي أدخل نحو 3 ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ.
وتعليقا على هذا القصف، قال جيش
الاحتلال إنه بعد مرور 74 يوما على الحرب، لا زالت صفارات الإنذار تدوي وسط "إسرائيل"، وما زال ملايين السكان يبحثون عن ملجأ.
يأتي ذلك بينما أعلن الاحتلال مرارا أن أحد أهم أهداف عدوانه على قطاع غزة هو القضاء على حركة حماس وقدراتها العسكرية ومن بينها قدرتها على
إطلاق الصواريخ على مدن الاحتلال، ما يدفع للتساؤل عن تداعيات ودلالات الرشقة الصاروخية الأخيرة على مسار الحرب وتماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، خاصة في ظل تنامي الاحتجاجات الشعبية ضد نتنياهو.
فشل عسكري
الخبير العسكري والاستراتيجي إلياس حنا، يرى أن "استمرار إطلاق الصواريخ على تل أبيب يعني أن الأهداف السياسية وترجمتها العسكرية التي وضعتها إسرائيل لم تتحقق وهي غير قادرة".
وأوضح حنا خلال حديثه لـ"عربي21" "أن ذلك يعني أن الجيش الإسرائيلي لم يستطع أن يفكك تركيبة وتنظيم ومنظومة المقاومة في القيادة والسيطرة، وفي القتال ضمن المدن وحتى في القتال خارج المدن وحتى في قضية الصواريخ".
وأشار إلى أن "مسألة الصواريخ تعتبر موضوعا حيويا بالنسبة لإسرائيل، وشاهدناها كيف كانت في حرب عام 2006، بمعنى الحسابات الخاطئة وعدم القدرة، فحتى مع التفاوت بموازين القوى الكبير، لا تزال المقاومة قادرة على إفشال إسرائيل".
وتابع: "فمثلا عندما يقول الجيش الإسرائيلي إنه حقق وتقدم وسيطر على 40 في المائة من القطاع، لا تزال الصواريخ تنهال على تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى وحتى على غلاف غزة، وهذا يعني أن المقاومة عندما قامت بهجوم 7 أكتوبر حضر في ذهنها السيناريو السيء وهو أن يكون هناك اجتياح بري لقطاع غزة".
وحول ما إذا كان استمرار إطلاق الصواريخ يعني أن إسرائيل عادت للمربع الأول في الحرب قال حنا: "لا يمكن أن نقول ذلك، هي محتارة في كيفية تحقيق نصر معين وفي كيفية قياس النجاح، بمعنى عندما تقول إنها تقدمت وأخذت بيت حانون، ثم تحدث الاثنين عملية في المدينة، وعندما تقول إنها تسيطر على مساحة كبيرة من شمال غزة يتبين أن هناك نفقا ذا قيمة استراتيجية كبيرة، بالتالي عندما لا يمكن لك أن تحقق النصر وتقيسه تصبح في مرحلة عدم التوازن".
وأضاف: "ووفقا للعقلية الإسرائيلية كل حروب إسرائيل تستمر إذا كان هناك توافق داخلي، أي الرأي العام الإسرائيلي معها، ثانيا إذا كانت حيوية ومصيرية، وثالثا إذا كانت الأهداف الإسرائيلية العسكرية الموضوعة قابلة للتحقيق، وهذا الأمر أي القصف والقصف المضاد يدل أننا بدأنا نرى تراجعا في الرأي العام الإسرائيلي، أيضا هناك عمليات المقاومة وتغطيتها الإعلامية واستخدامها للحرب الإعلامية".
وحول تأثير استمرار إطلاق الصواريخ على مسار الحرب قال حنا: "بالمعنى العسكري في وقت من الأوقات قد تضر، حيث أولا تساعد الرأي العام الإسرائيلي ليقول بأنه يجب أن ننجز شيئا في غزة لمنع الصواريخ، كما يتم الحديث عن جبهة لبنان".
وأضاف: "ثانيا قضية قتل الرهائن، مثلا محاولة تحرير الجندي ساعر باروخ والتي قتل فيها هو وجنديان آخران، أيضا المحتجزون الثلاثة الذين قتلوا بنيران إسرائيلية عمدا أو بالخطأ، هذه كلها عوامل أثرت على الرأي العام الداخلي الإسرائيلي، وقد يكون لها تداعيات مستقبلية داخل إسرائيل يشمل تغييرا واستبدالا سياسيا واستراتيجيا بل حتى عسكريا كما حدث بعد حرب تموز 2006".
وخلص الخبير العسكري إلياس حنا للقول: "اليوم كل القيادات العسكرية الإسرائيلية تعترف بالفشل بعد 7 أكتوبر، فإذن لا بد من التغيير، ما يعني أنه سيكون هناك عملية تغيير وتحديث وما شابه، أيضا عندما ستحاول إسرائيل أن تجد حلا ستخلق مشاكل أكثر منها حلول، بمعنى ماذا ستفعل الآن إذا تم إقرار وقف إطلاق نار بغزة؟ هل تبقى؟ لكن إذا بقيت دون إنهاء حماس ستبدأ عملية مقاومة، وإذا أنهت حماس لا سمح الله، من سيحكم غزة؟!".
أهداف مؤثرة
من جهته اعتبر الخبير العسكري اللواء واصف عريقات أن "الصواريخ التي أطلقت على تل أبيب الثلاثاء فيها عدة رسائل، أولها أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تمسك بزمام المبادرة والسيطرة والقيادة وأن الجيش الإسرائيلي غير قادر على السيطرة على أي جزء من المناطق التي تسلل ووصل إليها".
وتابع عريقات في مداخلة صحفية مع قناة الجزيرة: "وأما الرسالة الثانية فهي للجبهة الداخلية الإسرائيلية ومفادها أن قيادتكم وجيشكم يكذبون عليكم، والموقف الحقيقي بعد 74 يوما من بدء الحرب و55 يوما من بدء العملية البرية أن المقاومة ما زالت قادرة على قصف عمق فلسطين المحتلة".
وأكد أن "حديث الجيش الإسرائيلي عن وصول الصواريخ لتل أبيب وأن ملايين المواطنين الإسرائيليين يبحثون عن ملجأ، يعني أنها ليس فقط أُطلقت بل أيضا وصلت، بمعنى هناك بنك أهداف دقيق ومنتقى بحيث وصلت الصواريخ إلى هذه الأهداف وأنها مؤثرة، وليس كما يقول الجيش الإسرائيلي أنها سقطت في البحر أو بمناطق فارغة وإنما سقطت في أماكن تجمعات سكنية وربما بنية تحتية أيضا".
ويرى عريقات "أن الذي صمم ورسم خطة القصف الصاروخي وبنك الأهداف يعرف تماما أين سيتم ضرب هذه الصواريخ، وأعتقد بحسب المعلومات الواردة من الداخل الإسرائيلي أنها أصابت أهدافها وكانت الإصابات محققة ولها تأثير كبير".
وتابع: "وربما أن الأهداف التي رُصدت تكون دقيقة هذه المرة وهذا يضاعف الرسائل التي أرسلت أيضا للجبهة الداخلية الفلسطينية، والتي تعزز معنويات الشعب الفلسطيني وتطمئنه بأن مقاومته بخير وأنها قادرة على التصدي للاحتلال الإسرائيلي".
ارتفاع مطالب الشارع الإسرائيلي
ولا يشكل المسار العسكري للحرب الهاجس الوحيد للاحتلال، بل أيضا قضية إعادة الأسرى الإسرائيليين، والتي اعتبرتها حكومة نتنياهو أحد أهم أهداف عمليتها العسكرية وعدوانها على قطاع غزة.
وعلى الرغم من توغل الاحتلال بريا منذ 54 يوما إلا أنه عجز عن تحرير الرهائن عسكريا، فحينما حاول تحرير أحد الجنود وهو ساعر باروخ تم قتله هو وبعض الجنود الذين أتوا لتحريره.
وقتلت قوات الاحتلال ثلاثة محتجزين إسرائيليين رغم أنهم طلبوا المساعدة باللغة العبرية وكانوا خالعين لقمصانهم ورافعين للراية البيضاء، ما تسبب بإثارة سخط الشارع الإسرائيلي خاصة أهالي المحتجزين في قطاع غزة.
وبعد هذه الحادثة زادت كثافة مظاهرات أهالي المحتجزين وارتفعت أصواتهم عاليا للمطالبة بالإفراج عن ذويهم، كذلك ارتفع سقف مطالبهم حيث طالبوا بالتوصل لصفقة جديدة مع المقاومة لتبادل الأسرى، بل حتى وصل الأمر ببعضهم لأن يطالب بوقف الحرب في رسالة منهم للحكومة تصدر لأول مرة منذ بدء الحرب على قطاع غزة.
سليمان بشارات الباحث والمختص بالشأن الإسرائيلي يرى أن "رشقة الصواريخ التي أُطلقت على تل أبيب الثلاثاء، ربما هي رسالة من المقاومة للأطراف الوسيطة مفادها أن المقاومة هي صاحبة الكلمة في الميدان وبالتالي هي لن تقبل أي ضغط عليها من قبل أي من الوسطاء، ولن تقبل أن تتراجع عن مواقفها التي وضعتها كشرط أساسي خلال التفاوض".
وتابع بشارات خلال حديثه لـ"عربي21": "كذلك نحن نتحدث هنا عن عملية ضغط متبادل بين الاحتلال والمقاومة، وواضح جدا أن المقاومة الفلسطينية تستخدم أوراق ضغط أكبر حتى هذه اللحظة بتكتيكات أكثر قوة".
واستدرك بالقول: "ولكن حتى نكون واقعيين هذا الأمر لن يدفع مباشرة للجلوس على طاولة المفاوضات، حيث الأمر ما زال يحتاج لمزيد من الوقت حتى تبدأ المواقف والقناعات بالتحول، والأهم من هذا كله أن يكون هناك تصاعد في أصوات المجتمع الإسرائيلي ويتبلور هذا التصاعد على شكل مطالبة بوقف هذه الحرب وفي إعادة الأسرى".
ويعتقد بشارات أن "هذه الرشقات الصاروخية في هذا التوقيت الزماني والمكاني تحمل مجموعة من الدلالات والرسائل إلى عدة أطراف، الرسالة الأولى تطمينية للجبهة الداخلية الفلسطينية بأن المقاومة بخير وتمسك بزمام المبادرة".
وتابع: "أما الرسالة الثانية فهي لواشنطن وتحديدا لوزير الدفاع لويد أوستن الذي قال- أمريكا لن ترضخ للحركات- وهو كان يقصد التقليل من قيمة حماس، ومفاد الرسالة أن حركة حماس هي صاحبة الكلمة في الميدان وأن المقاومة هي من ستوجه الميدان ونتائجه وتبعات هذه الحرب وليس الولايات المتحدة".
وأما الرسالة الثالثة وفقا لبشارات "فهي للاحتلال الإسرائيلي، وهي موجهة لعدة أطراف هناك، أولا هي للجبهة الداخلية الإسرائيلية والتي تبلور لها موقف من الحرب بعد عدة رسائل سابقة وجهتها لها المقاومة، والتي تريد من هذه الرشقة تعزيز هذا الموقف وتعمل عملية حشد إضافي إلى الشارع الإسرائيلي حتى يكون مناهضا لاستمرارية هذه الحرب".
وأكد أن "المجتمع الإسرائيلي بات مقسما لفئات عدة، فئة تطالب بإعادة الأسرى وهي كانت موجودة منذ بداية الحرب لكنها لم تكن متبلورة بحجم كبير جدا، ولكن مع تقدم مراحل الحرب بدأت تتبلور أكثر ولا تكفي أن تكون مع عودة الأسرى فهي تطالب بذلك ولكن ما زالت مؤيدة للحرب، ولهذا السبب جاءت هذه الرشقة الصاروخية للضغط أكثر على الشارع الإسرائيلي ليصبح هناك توازن ما بين المطالبة بعودة الأسرى ووقف الحرب".
ولفت إلى "أنها المرة الأولى التي يخرج فيها الجيش الإسرائيلي ويقول إن الملاجئ لم تعد تحتمل عودة السكان إليها، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على حالة الإرباك وأن الجيش الإسرائيلي بدأت تتبلور لديه قناعات داخلية بأن أهداف المستوى السياسي لا تتناسب ولا تتلاءم مع أهداف الجيش، وبالتالي يبدو أن هناك شكوكا أن الدفع بالجيش للاستمرار بهذه الحرب لم يعد فقط لأهداف عسكرية وإنما جزء منها أهداف سياسية تتعلق بالقيادة السياسية الإسرائيلية".
وتابع: "لهذا أعتقد أن هذه الرسالة ربما تدفع الجيش لإعادة تقييم ودراسة جدوى استمرارية هذه الحرب بشكلها الحالي، وبالتالي ربما الدفع باتجاه تغيير منحى هذه الحرب".
وأوضح بشارات أن "العسكريين لن يقولوا إن الحرب ستتوقف ولكن ربما يدفعون باتجاه تغيير منحاها، بمعنى إعادة انتشار الجيش أو ربما اتخاذ شكل آخر من أشكال الحرب، لا سيما أننا رأينا بالأيام الماضية حجم الخسائر في نخبة الجيش وهذا أيضا أثر ويؤثر على المعنويات داخل الجيش".
وأضاف: "الرسالة الأخرى من الصواريخ تتعلق بالقيادات العسكرية والسياسية، وهنا ستحدث فجوة ما بين الجهتين وسيكون هناك ربما طرح مسألة جدوى العملية العسكرية ما لم تستطع أن تحقق أهدافها بعد 74 يوما من بدئها، وبالتالي يصبح هناك أيضا شكوك في القرارات التي لا زال يتخذها المستوى السياسي وما زالت لا تراعي طبيعة تطلعات المستوى العسكري".
وأكد بشارات أن هذا ربما يدفع باتجاه الضغط على نتنياهو صاحب المواقف السياسية، وربما يكون هناك بداية للتفكير جديا في كيفية التعاطي معها، وكل ذلك سواء الضربة وهذه التحولات هي ربما تبدأ في بلورة قناعة لدى تيار اليمين المتطرف نفسه، وعندها تبدأ هنا الموازنة ما بين إمكانية تأييد استمرارية الحرب أو على الأقل قد لا يعترض على وقف هذه الحرب، وبالتالي عدم جدوى استمرارية هذه الحرب بالنسبة لليمين يتوازى مع توقفها، وهذه مسألة مهمة ويمكن أن تدفع باتجاه حالة من الانكسار.