نشرت صحيفة "
فزغلياد" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن سعي الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف لتنفيذ عملية عسكرية ضد
الحوثيين في البحر الأحمر، العامل الذي يُهدّد التجارة العالمية بأكملها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن واشنطن أعلنت حربًا جديدة على بُعد آلاف الكيلومترات من حدودها من المستبعد تحقيق النصر فيها. لقد أطلقت الولايات المتحدة عملية حارس الازدهار ضد حركة أنصار الله اليمنية، التي تسيطر على شمال اليمن. ويرجع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن هذا القرار إلى تصرفات الحوثيين التي تهدد التدفق الحر للتجارة وتُعرّض البحارة الأبرياء للخطر وتنتهك القانون الدولي.
وذكرت الصحيفة أن الحوثيين عثروا على طريقة مبتكرة لمعاقبة إسرائيل على عمليتها في قطاع
غزة تتمثل في إعلان جميع السفن التي تبحر عبر البحر الأحمر إلى الموانئ الإسرائيلية هدفهم القانوني، وتدمير العديد منها بل والاستيلاء على واحدة.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السياسي الروسي ليونيد إيساييف أن "الحوثيين يمثّلون القوة الوحيدة التي تثبت فعلًا رفضها للسياسات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، العامل الذي يعزز نظرة المسلمين إليهم. وتشير العمليات العسكرية التي ينفذها الحوثيون ضد خصومهم إلى أن الحركة قوية. وهذا مهم في سياق المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب في اليمن بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية".
أشارت الصحيفة إلى أن هجمات الحوثيين تسببت في أضرار اقتصادية جسيمة ليس فقط لإسرائيل، وذلك رغم تصريح الحوثيين بأنهم لن يهاجموا غير السفن المتجهة إلى موانئ إسرائيل. قامت أربع من أكبر خمس شركات لشحن الحاويات، وهي ميرسك سيلاند، وهاباج لويد، وسي إم إيه، وسي جي أم، وإيفرجرين البحرية، بتعليق عملياتها مؤقتًا في جميع أنحاء البحر الأحمر وإلى موانئ مصر والأردن والسودان والسعودية، كما انضمت شركة بريتيش بتروليوم إلى حركة رفض الشحن في المنطقة. ونظرًا لتدفق جزء كبير من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، خلق الحوثيون تهديدًا للتجارة العالمية بأكملها.
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة اعتبرت نفسها مؤهّلة للدفاع عن هذه التجارة وعقدت تحالفًا من الدول التي يتعين عليها "استعادة الأمن في البحر الأحمر ومنع الأعمال العدوانية من قبل الحوثيين". وبالإضافة إلى الأمريكيين، ضم
التحالف الكنديين والإيطاليين والبريطانيين والفرنسيين والإسبان والهولنديين والبحرينيين وحتى النرويجيين والمقيمين في سيشيل.
هل سيتمكن الأمريكيون وتحالفهم المشكل حديثًا من هزيمة الحوثيين؟
حسب المستشارة السياسية في مركز الدراسات الدولية إيلينا سوبونينا "يمكن لهذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تخفيض عدد هجمات الحوثيين بشكل كبير، لكنه لن يكون قادرًا على ضمان سلامة الشحن بشكل كامل". وأشارت سوبونينا إلى أن الحوثيين ليسوا تجسيدًا جديدًا للقراصنة الصوماليين، الذين كان من الممكن حماية السفن المدنية منهم عن طريق إغراق القوارب التي كان على متنها قطاع الطرق، بل على العكس من ذلك تعد حركة عسكرية قوية ومتماسكة مسلحة بالصواريخ والطائرات دون طيار ووسائل أخرى لإغراق الأهداف البحرية المدنية والعسكرية.
ذكر ليونيد إيساييف: "رد اليمن بالفعل على هذا البيان، وأعلن ممثلو الحوثيين أن التحالف لن يرهبهم مؤكدين امتلاكهم جميع العتاد اللازم للرد المناسب على أي أعمال موجهة ضدهم وضد اليمن. وهذه ليست مجرد خدعة، بل كلمات خلفها إدراك حقيقي لمواردهم وقدراتهم".
وأضافت سوبونينا أن سفن التحالف التي ستكون في البحر الأحمر تمثّل أهدافًا للصواريخ اليمنية، مما يلغي إمكانية مخاطرة الأمريكيين بإجراء عملية برية ضدهم، لذلك "من الصعب عمومًا التعامل مع أي جماعات مسلحة في اليمن، نظرًا للتقاليد العسكرية اليمنية والتضاريس".
وأوردت الصحيفة أنه في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أنشأت السعودية تحالفًا كبيرًا للحرب ضد الحوثيين واستثمرت عشرات ومئات المليارات من الدولارات في هذه الحرب، وجلبت مرتزقة من أفريقيا والشرق الأوسط، وأشركت الجماعات الإرهابية في العملية في اليمن. ومع ذلك، لم تستطع هزيمة الحوثيين وأجبرت على إجراء مفاوضات سلمية معهم.
وأضاف إيساييف: "لإيقاف الحوثيين، هناك حاجة إلى عملية حقيقية وموحدة جديدة من طرف الأمريكيين والسعوديين وحلفائهم. لكن من الصعب تخيّل هذه العملية على خلفية الأزمة القائمة في أوكرانيا وغزة".
أوضحت الصحيفة أن هذا التحالف لم يشمل المصريين والأردنيين الذين يعانون من الإجراءات اليمنية، ولا قادة المنطقة، السعوديين. وباستثناء البحرين لا يشمل التحالف دولة شرق أوسطية واحدة. ويرجع ذلك جزئيا إلى فهم عدم جدوى مثل هذه الفكرة والخوف من رد الفعل العنيف من الحوثيين. كما أن معارضة الحوثيين تعني في هذا الوضع معارضة مطالبهم بتحرير قطاع غزة وعدم مساندة القضية الفلسطينية بحد ذاتها، وهو أمر لا يوجد أي دولة مستعدة لمواجهته بما في ذلك القيادة الرسمية لليمن، التي لم تدعم العملية الأمريكية ضد الحوثيين.
وأوردت الصحيفة أن جميع اللاعبين في الشرق الأوسط يُدركون أن الدافع الحقيقي للأمريكيين ليس القتال ضد الحوثيّين بل محاولة تنظيم حرب ضد إيران، لا سيما بعد إلقاء واشنطن باللوم على طهران في زعزعة استقرار البحر الأحمر. وتجدر الإشارة إلى أن الدعم الأمريكي للإسرائيليين والدعم الإيراني للفلسطينيين قلّص آمال تعاون الدول العربية مع الولايات المتحدة ضد إيران، مع العلم أن السعوديّة في مرحلة تطبيع العلاقات مع إيران، التي بدأت بوساطة صينية ولن تعيق ذلك بالمشاركة في هجوم على وكلاء إيران.
ووفقًا لسوبونينا فإن "تصرّفات التحالف الأمريكي يمكن أن تقوض التحسن الناشئ في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى عكس الصين التي سعت إلى المصالحة بين مختلف القوى والدول، تهدد تصرفات الولايات المتحدة بخطر اندلاع حرب كبيرة في الشرق الأوسط تخدم مصالح أمريكا وحلفائها الغربيين وإسرائيل فقط".