الكتاب: الإرهاب بين المصطلح والواقع
الكاتب: د.عصام شيخ الأرض
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر
والتوزيع، الطبعة الأولى 2024.
(184 صفحة من القطع الكبير).
الإرهاب بوصفه سلاحا فتاكا ارتبط على
نطاق واسع في الذهن العام الغربي بالشرق الأوسط، والعالم العربي عموما، وعلى وجه
التحديد بتيار خاص داخل الحركات الإسلامية الأصولية فقط كما تدعي واشنطن، بل هو كبقية
الأسلحة الفتاكة سلاح القوى العظمى، ومنها بشكل خاص الولايات المتحدة. وهذا ما عبرت
عنه بوضوح قرارات مجلس الأمن، حول المسألة العراقية، والقضية الفلسطينية، وحول
لوكربي والسودان. فالإرهاب لم يكن في يوم من الأيام مرتبطا بإيديولوجية محددة دون
غيرها، بل إن الأعمال الإرهابية ارتكبها متطرفون من إيديولوجيات شتى في كل أصقاع
الأرض، وليست خاصية بالعالم العربي والإسلامي.
وتعاني النقاشات حول قضية الإرهاب ليس
من التطبيق الانتقائي لهذا المصطلح، وإنما من الاختلافات في التعريف أيضا. فلا
يوجد تعريف جامع ومُحَدّد حول مصطلح الإرهاب متفق عليه من قبل مختلف الدول. وقد
كانت مناقشة تعريف الإرهاب أداة سجالية أكثر منها وسيلة لتوضيح وتحديد المصطلح.
في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل
العنوان التالي: "الإرهاب بين المصطلح والواقع"، المتكون من مقدمة وتسعة
فصول، ويغطي حوالي 184 صفحة من القطع الكبير، والصادر حديثا عن دار ديموزي
للطباعة والنشر بدمشق، يستعرض فيه الباحث الدكتور عصام شيخ الأرض، التعريفات
المختلفة للإرهاب؛ باعتباره عملا حربيّا غير مشروع؛ كونه يتعرض للمدنيين المفترض
إبقاؤهم بحسب القواعد التقليدية على الأقل، على هامش النزاع الذي يشارك فيه أطراف
مسلحون.
ويعرف الباحث اصطلاح الإرهاب في الفقه
العربي، من خلال التعريف الذي قدمه الدكتور حسنين عبيد عن (الإرهاب) بأنَّه:
"الأفعال الإجرامية الموجهة ضد الدولة، التي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة
الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص، أو من عامة الشعب وتتسم الأعمال
الإرهابية بالتخويف المقترن بالعنف، مثل أعمال التفجير وتدمير المنشآت العامة، وتحطيم السكك الحديدية والقناطر، وتسميم مياه الشرب ونشر الأمراض المعدية والقتل
الجماعي".
كما استعرض تعريف الأستاذ شريف بسيوني
عن الإرهاب الذي أخذت به فيما بعد لجنة الخبراء الإقليميين التي نظمت اجتماعاتها
الأمم المتحدة في مركز فيينا (14 – 18 آذار/مارس 1988): "الإرهاب هو استراتيجية
عنف محرم دوليا، تحفزها بواعث عقائدية، وتتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من
مجتمع معين، لتحقيق الوصول إلى السلطة، أو القيام بداعية لمطلب أو لمظلمة، بغض
النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها، أو نيابة عن
دولة من الدول".(ص 14).
ويرى الخبراء أن َّهذا التعريف الذي
قدمه الدكتور بسيوني هو أقرب التعريفات إلى الواقع العملي.
اصطلاح الإرهاب في الفقه الغربي
لقد حصل تغيير جذري في تعريف الإرهاب، بعد
أن انتهى العمل بتلك اللوائح الدقيقة والأوصاف التفصيلية لجرائم رهيبة يفترض تجاهل
غرضها السياسي في شكل منهجي. ومن الآن فصاعدا أصبح الاستناد إلى الأهداف السياسية
هو المحدد في التصنيف الجديد للجرائم، وفي تعريف الإرهاب. وسيتم استيحاء هذا
الانقلاب الكامل من خارج إطار القانون؛ أي على أرضية سياسية بوليسية، وهي إطار واقعي
بامتياز. وتترسخ فكرة الغائية السياسية في الواقع ضمن تعريف بوليسي للإرهاب، وهو التعريف نفسه الوارد في تعداد مهمات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي: سيقوم
الإرهاب على استخدام غير مشروع للقوة والعنف في حق الأفراد أو الممتلكات؛ بهدف ترويع
الحكومة والمدنيين أو قسم منهم، في إطار السعي إلى تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية.
إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بدعمها لمختلف الأنظمة التسلطية أو التوتاليتارية، وإعاقة تقدم الديمقراطية في عالم الجنوب، وتدميرها المجتمعات العربية، ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني، هي التي شكلت مخزون التأييد الذي تملكه الحركات الأصولية الإسلامية المناهضة للسياسة الأمريكية.
وهكذا، يسود التعريف البوليسي الأمريكي
للإرهاب، الذي يشكل الآن قاعدة للتعريفات القانونية الجديدة التي تضمنها قانون
الإرهاب في معظم الدول الغربية. الإرهاب مُعَرف ومُحَدد في الكراسات العسكرية
الأمريكية، على أنه استخدام مدروس للعنف والتهديد بالعنف والتخويف والإكراه لأغراضٍ
سياسية أودينية. والحقيقة في هذا التعريف، أن الولايات المتحدة تتبنى هذا النوع من
الممارسة، فعندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول /ديسمبر 1978 قرارا ضد الإرهاب، تمنعت عن التصويت دولة واحدة هي هندوراس، فيما اعترضت دولتان
هما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. وتنبع المعارضة الأمريكية ـ الصهيونية على
هذا القرار، بسبب مقطع من القرار، يشير إلى أنه ليس المقصود به إعادة النظر في حق الشعوب
في الكفاح ضد نظام استعماري أو احتلال عسكري.
اختلف هذا الفقه وتضاربت آراؤه في هذا
الصدد باختلاف المعايير التي يعتمدها أصحابها لتحديد مفهوم العمل الإرهابي، وهو ما
يمكن أن نعزوه إلى كون كل باحث يحمل أولويات معينة وأفكارا مسبقة، تسيطر على ذهنه
في تحديد مدلول فكرة الإرهاب، ويمكن من خلال استعراض مجمل الآراء التي ظهرت في هذا
الخصوص، أن نحدد أهم الاتجاهات التي اتبعت لتحديد مدلول العمل الإرهابي في الفقه
الغربي، على الرغم من أن هناك من يعطي لعبارة الإرهاب خصوصية في النشوء والتطور.
يحدد الباحث عصام شيخ الأرض أربعة
اتجاهات في هذا الخصوص.
الاتجاه الأول؛ إن ما يميز العمل
الإرهابي في هذا الاتجاه، هو طابعه الإيديولوجي، فقد عرف (ديفيد أريك) الإرهاب
بأنه: (عمل عنف إيديولوجي، يرتبط بأهداف سياسية). واعتمد (سولدانا) في تحديده
لمفهوم الإرهاب على أعمال العنف السياسي، حيث يعرف الجريمة الإرهابية بأنها: (كل
جناية أو جنحة سياسية يترتب عنها الخوف العام)، وينحاز إلى هذا الاتجاه معظم
الكتّـاب والسياسيين في الغرب، حيث عرف (ليزرير)، وهو أحد كبار المسؤولين
الأمريكيين المكلفين بدراسة موضوع الإرهاب، عرفه بأنه (النشاط الإجرامي المتسم
بالعنف، الذي يهدف إلى التخويف من أجل تحقيق أهداف سياسية).
الاتجاه الثاني؛ يذهب هذا الاتجاه إلى
تمييز العمل الإرهابي عن الصفة العشوائية، فالعمل الإرهابي هو (عمل عنف عشوائي،
وأهم خصائص الإرهاب وفقا لهذا الاتجاه، أنه ذو آثار غير تمييزية، فالإرهاب لا
يهمه تحديد أشخاص ضحاياه، بقدر ما تهمه النتائج والآثار التي تحدثها أفعاله.
الاتجاه الثالث؛ يذهب هذا الاتجاه إلى
أن ما يميز العمل الإرهابي هو أنه (عمل عنف ذو جسامة غير عادية)، وفي هذا السياق
يقول (سوتيلي) بأن: (الإرهابي يرتكب أفعالا شديدة الخطورة لا تتوافق نتائجها مع
الوسائل المستعملة فيها). ويعرف الكاتب أرون ريموند الإرهاب بأنه: (عمل من أعمال العنف، لا تتناسب آثاره النفسية مع نتائجه المادية).
الاتجاه الرابع؛ يذهب هذا الاتجاه إلى
أن ما يطبع العمل الإرهابي، هو كونه (محدثا للرعب "Terrorisant")، وتتحدد هذه الخاصية بالرجوع إلى الأصل اللغوي لكلمة (Terrorism)، الذي يرجع إلى مفهوم الرعب (Terreur)، وما
يمكن أن يشمله من معاني الترويع والرهبة (15).
إرهاب الحركات الفوضوية
من الناحية التاريخية والسياسية كان
أول استخدام لمصطلح الإرهاب إبان الثورة الفرنسية وتحديدا في فترة حكم روبسبيار، حين
لجئت الدولة الفرنسية آنذاك التي يسيطر عليها اليعاقبة إلى استخدام الإرهاب من أجل
أهداف سياسية. فقد مورس الإرهاب وبشكل واضح ومذهبي من قبل قادة الثورة الفرنسية،
فقد اعتمد "رويسبير" الرعب والإرهاب كمنهج لحكمه، ومسلك ثوري مكن الطبقة
البرجوازية الصاعدة، التي كانت ضعيفة على المستوى الوطني أو الدولي، من تجسيد
الدولة وبشكل نهائي، حيث كان الإرهاب هو الأداة للدفاع الوطني ضد المتمردين والخونة، كما أنه فرض سلطة دولة جديدة بأطرها.
يرى الباحث عصام شيخ الأرض أنَّ
المقصود بإرهاب الضعفاء، هو إرهاب الأفراد
والمجموعات السياسية التي ليست في السلطة، والتي تسعى إما إلى القضاء على السلطة
نهائيا وإما تغييرها، ويبدو أن هذا لم يأت اعتباطا، بل كان ناتجا عن ممارسة
سلطة الإرهاب ضد رعاياها أو خصومها، فولد هذا الأمر بلا شك عنفا مضادا يرقى إلى أن
يوصف بإرهاب الأفراد والجماعات السياسية. وقد مر هذا النوع من الإرهاب بعدد من
المراحل، يمكن تقسيمها تاريخيا كما يلي:
مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية ونهاية
القرن التاسع عشر
ظهرت حركتان إيديولوجيتان، كانت مبعث
معظم العمليات الإرهابية في العديد من الدول الأوربية، حتى نهاية القرن التاسع
عشر، وهما الحركة الفوضوية والحركة العدمية، وهما وجهان لعملة واحدة، ولكنهما
تختلفان في المدى، فالحركتان ترفضان سلطة الدولة، ولكن تختلف درجة رفض كل منهما
لها، وبفضل هاتين الحركتين، انتقل الإرهاب من أيدي الحكام إلى أيدي المحكومين،
وأصبح الإرهاب وسيلة لأخذ الحق بالید، كما كان الإرهاب الفردي الفوضوي تمهيدا للإرهاب المنظم.
وكان تأثير الحركتين على معنى الإرهاب
وعلى مجراه وأوضاعه السياسي واحدا مشتركا، وهذا يعني أن كلا من هاتين الحركتين،
لم تكن لتشكل مرحلة قائمة بذاتها، بحيث تكون الإضافة التي قدمتها الواحدة منها
لمضمون الإرهاب مختلفة عن الأخرى، بل تشارك الحركتان سوية في بلورة الموقف الجديد
والمعنى الجديد الناتج عنه، وسبب ذلك يعود إلى ارتباطها بمصدر إيديولوجي واحد من
جهة، على الرغم من اختلاف مدى رفض كل منهما للسلطة، وإلى التأثير المتبادل الذي
كان لكل واحدة منهما على الأخرى في مجال الأعمال والوقائع.
وقد ارتبط الإرهاب بالفوضوية، فقد
كثرت الأعمال الإرهابية الفوضوية في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وروسيا تحت تأثير هذه
الأفكار الفوضوية، وقلّ أن تصدر صحيفة يومية في أوروبا وليس فيها ذكر لعملية إرهابية
ندر أن يعرف فاعلها، حتى إن كثيرا من الصحف قد كرست زاوية معينة على صفحاتها تحت
عنوان "الديناميت".
أما الحركة العدمية، فقد كان لها تأثير
مباشر على الأعمال الإرهابية الفوضوية، فهي حركة تعود في أصولها إلى الفوضوية
بالأساس، إلا أن العدمية صفة عرف بها الفوضويون الروس تحديدا.
يقول الباحث عصام: "ومن أبرز
المنظمات التي ظهرت تطبيقا لهذه الحركة، هي منظمة "الإرادة الشعبية"
التي تكونت عام 1879، وكان لها الفضل في إضفاء مزيد من التنظيم والحركة على الإرهاب، ومن أبرز أعمالها اغتيال قيصر روسيا عام 1881، وإذا كان الإرهاب خلال تلك الحقبة
إرهابا محليا؛ لافتقاده عناصر دولية العمل الإرهابي، إلا أنه كان لهاتين
الحركتين على مستوى القانون الجنائي الدولي، وضعية خاصة فيما يتعلق بتسليم
المجرمين؛ فقد تضمنت العديد من المعاهدات الدولية شروطا واضحة، تستبعد أعمال
الفوضويين والعدميين من حق التمتع باللجوء السياسي، وبصفة خاصة بين دول أمريكا
اللاتينية، فاستبعدت أفعال الاغتيال والتسميم التامة والشروع فيها من نطاق الجرائم
التي تتمتع بحق اللجوء السياسي، وذلك إثر اغتيال قيصر روسيا على أيدي منظمة
"الإرادة الشعبية" العدمية، وذلك كنص صريح في معاهدات روسيا مع كل من بلغاريا
1885 وإسبانيا 1888".(ص20).
الإرهاب الجديد
أثارت أحداث 11 أيلول / سبتمبر2001، جدلا ساخنا حول موضوع الإرهاب، إذ إنَّ إدانة الرئيس السابق بوش لما حدث، أفسحت في
المجال لمجموعات أخرى الجدال، أنه وأسلافه دعموا آخرين "المجاهدين" في
أفغانستان؛ إذ لا أحد يعرف عن المجموعات الأصولية المتطرفة أكثر من وكالة المخابرات
المركزية الأمريكية.
ويفاخر مستشار الأمن القومي السابق في إدارة كارتر زبيغينو بريجنسكي، بما سماه "الفخ" المنصوب للسوفييت في عام 1978، والقائم على استدراجهم
إلى الأرض الأفغانية، عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان في 27 كانون الأول/ديسمبر 1979، بفعل
هجمات المجاهدين (أشرفت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على تنظيمهم وتسليحهم
وتدريبهم) ضد النظام الشيوعي القائم في كابول. ولم ينقلب هؤلاء المقاتلون ضد
الولايات المتحدة إلا بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وإقامة قواعد عسكرية دائمة
في السعودية، بالقرب من الأماكن الإسلامية المقدسة.
إن الإرهاب ليس سلاحا ارتبط على نطاق واسع في الذهن العام الغربي بالشرق الأوسط، والعالم العربي عموما، وعلى وجه التحديد بتيار خاص داخل الحركات الإسلامية الأصولية فقط كما تدعي واشنطن، بل هو كبقية الأسلحة الفتاكة سلاح القوى العظمى، ومنها بشكل خاص الولايات المتحدة.
إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية
بدعمها لمختلف الأنظمة التسلطية أو التوتاليتارية، وإعاقة تقدم الديمقراطية في عالم
الجنوب، وتدميرها المجتمعات العربية، ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني في حرب
الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني، هي التي شكلت مخزون التأييد الذي تملكه
الحركات الأصولية الإسلامية المناهضة للسياسة الأمريكية.
لقد دأبت الولايات المتحدة على وصم كل قوة سياسية، أو دولة وطنية، تعارض
سياستها، أو لا تتبنى منظومة أفكارها وقيمها وإيديولوجيتها، بالإرهابية، تستدعي
والحال هذه خوض الحرب ضدها تحت يافطة مكافحة الإرهاب. وكانت تقدم دائما هذه الحرب
ضد الإرهاب، على أنها مساوية للكفاح ضد وباء يشبه سرطانا ينشره البرابرة وأعداء
الحضارة المنحطون.
وكانت هذه العبارات ظهرت قبل عشرين
عاما، على لسان الرئيس رونالد ريغان، ووزير خارجيته ألكسندر هايغ عام 1981. ومع
وصولها إلى الحكم في واشنطن، كانت إدارة ريغان قد سبق وأعلنت أن مكافحة الإرهاب
الدولي ستكون في صلب سياستها الخارجية. وقد برهنت على ذلك على طريقتها: من أجل
قيادة المعركة ضد أعداء الحضارة المنحطين، أنشأت شبكة إرهابية دولية ذات حجم لا سابق
لها، وارتكبت هذه الشبكة فظاعات لا تحصى في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، ولاسيما
في أمريكا اللاتينية. ويوجد مثال غير قابلٍ للنقاش وهو نيكارغوا، الذي حسمته محكمة
العدل الدولية في لاهاي كما الأمم المتحدة. هل تساءلتم كم مرّة أشار المعلقون
النافذون إلى هذه السابقة التي لا جدال حولها لعمل إرهابي، كانت دولة قانون تحاول
الرّد عليه بوسائل قانونية؟
مع ذلك، فإنها سابقة أخطر من اعتداءات
11 أيلول / سبتمبر2001، إذ إنَّ حرب إدارة ريغان ضد نيكارغوا أوقعت 75000 ضحية، بينهم 29 ألف قتيل ودمار بلد لا رجاء قيامته. وفي ذلك الوقت، ردّت نيكارغوا، ليس
بتفجير قنابل في واشنطن، بل باللجوء إلى محكمة العدل الدولية التي حكمت في 27 حزيران
/ يونيو 1986 لصالح سلطات ماناغوا؛ إذ أدانت "استعمال (الولايات المتحدة)
غير الشرعي للقوة"، التي لغمت مرافئ نيكاراغوا، كما طلبت المحكمة من واشنطن
وضع حد لجرائمها، مع دفع تعويضات كبيرة. جاء ردّ الولايات المتحدة برفض الانصياع
للحكم، وتوقفها عن الاعتراف بشرعية محكمة العدل الدولية.
وهكذا، فإن الإرهاب ليس سلاحا ارتبط
على نطاق واسع في الذهن العام الغربي بالشرق الأوسط، والعالم العربي عموما، وعلى
وجه التحديد بتيار خاص داخل الحركات الإسلامية الأصولية فقط كما تدعي واشنطن، بل
هو كبقية الأسلحة الفتاكة سلاح القوى العظمى، ومنها بشكل خاص الولايات المتحدة، وهذا ما عبرت عنه بوضوح قرارات مجلس الأمن، حول المسألة العراقية، والقضية
الفلسطينية، وحول لوكربي والسودان. فالإرهاب لم يكن في يوم من الأيام مرتبطا بإيديولوجية محددة دون غيرها، بل إنَّ الأعمال الإرهابية ارتكبها متطرفون من
إيديولوجيات شتى في كل أصقاع الأرض، وليست خاصية بالعالم العربي والإسلامي.
لقد حصلت أعمال من هذا القبيل على
امتداد شطر كبير من التاريخ المكتوب، وكانت جزءا شائعا من الحياة السياسية في
بلدان وثقافات كثيرة خلال القرن العشرين. وأول الإرهابيين في السياسة الحديثة لم
يكونوا من الشرق الأوسط، بل كانوا فوضويين من روسيا وجمهوريين إيرلنديين وقوميين
أرمن وبنغاليين (هندوس)، تلاهم يهود صهاينة وقبارصة يونانيون وآخرون غيرهم في فترة
مابعد 1945. والإرهاب السياسي الحديث لم ينشأ في الشرق الأوسط ولا بين المسلمين ولا
كانوا هؤلاء من منفذيه.
يقول الباحث عصام شيخ الأرض: "حيث
مثلت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن نقلة نوعية مهمة في تطور
ظاهرة الإرهاب، وبدت أقرب إلى ما يعرف بالإرهاب الجديد، أكثر من كونها شكلا من
أشكال الإرهاب التقليدي القديم.
ومع ما تمثله هذه الهجمات من نقلة
نوعية في تطور ظاهرة الإرهاب، إلا إنها لم تكن لتمثل نقلة مفاجئة، بل إنها (الأحداث)
جاءت لتمثل ذروة تطور طويل في ظاهرة الإرهاب، وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون
وطبيعة العمل الإرهابي بحد ذاته، ولكنه يمتد أيضا إلى متغيرات البيئة الدولية
التي يتحرك فيها، التي تعتد العامل الرئيسي وراء التحول في أشكال الإرهاب
الدولي. وعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحدا، وكما سبق أن ذكرنا من حيث هو
استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، من أجل إثارة الخوف والهلع في المجتمع، من
خلال استهداف أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو نظام الحكم ككل في المجتمع، لتحقيق هدف
سياسي معين، فإن أشكال الإرهاب وأدواته وتكتيكاته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن،
كما يتأثر الإرهاب إلى حد كبير بخصائص النظام الدولي وتوازناته، التي تترك
بالضرورة تأثيرا جوهريا على ظاهرة الإرهاب، من حيث الأهداف والآليات، وفي هذا
المنظور، فإن الإرهاب الجديد يمثل في واقع الأمر الجيل الثالث في تطور الظاهرة
الإرهابية في العصر الحديث، حيث يتسم بخصائص متميزة ومختلفة عن إرهاب العقود
السابقة، من حيث التنظيم والتسليح والأهداف".(ص24).
ويتسم الإرهاب الجديد بالخصائص التالية:
1 ـ فمن حيث التنظيم، تتسم جماعات الإرهاب
الجديد بغلبة النمط العابر للجنسيات، حيث تضم أفرادا ينتمون إلى جنسيات مختلفة،
ولا تجمعها قضايا قومية، ولكن تجمعها إيديولوجية دينية أو سياسية محددة، كما تنتقل
هذه الجماعات من مكان إلى آخر، كما تميل هذه الجماعات إلى الاعتماد على الشكل
العنقودي كنمط أساسي للتنظيم من أجل ضمان أمنها، بالإضافة إلى عدم وجود فقرات
حقيقية ثابتة، مما يجعل أمر الخوض في مكافحة الإرهاب الجديد وفق هذه المعطيات، غاية
في الصعوبة.
2 ـ أما من حيث الأهداف، فإن الإرهاب الجديد
يركز على إيقاع أكبر عدد من الخسائر، ماديا أو بشريا، وليس فقط مجرد لفت النظر
إلى المطالب السياسية والعقائدية.
إنَّ أحداث 11 من أيلول / سبتمبر شكلت نقطة تحول في النظام الدولي، حيث أصبح الإرهاب الجديد واحدا من الأشكال الرئيسية إن لم في يكن الشكل الرئيسي للصراع المسلح على الساحة الدولية.
3 ـ كما أن هذا الإرهاب أصبح قادرا على
استخدام منظومات تسليحية أكثر تطورا وتعقيدا، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل،
الكيماوية والبيولوجية والنووية والإشعاعية.
4 ـ كما يتسم الإرهاب الجديد بكثافة
التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر، من خلال استهداف رموز بارزة لديه، مع
غموض الهدف السياسي الذي يحكم عمل جماعات الإرهاب الجديد.
5 ـ كما يتسم أيضا بالاعتماد على مصادر
متنوعة للتمويل والمساندة اللوجستية، بما يجعل من الصعب رصدها أو اختراقها، أو
التنبؤ بحركاتها أو ردود أفعالها.
6 ـ كما يمكن القول بأن هجمات 11 أيلول، انطوت على تطور جوهري وخطير من حيث الوسائل والآليات، يتمثل بتطور تكتيك إرهابي
جديد، يقوم على استخدام طائرات الركاب المدنية النفاثة كقنابل طائرة.
7 ـ كما أنه أكثر تصميما على استخدام
أسلحة الدمار الشامل لضرب أهداف محددة، في حال الحصول عليها.
8 ـ كما يتسم الإرهاب الجديد بالطابع
المركزي للعمل، حيث يتركز دور قائدها والحلقة الضيقة حوله بتحديد اتجاهات عامة
بالأساس، أي التخطيط العام الذي يحدد خطوطا رئيسية عامة للحركة والفعل، أكثر مما
يعنى بالتفاصيل الصغيرة.
ومن ثم، فإنه ليس من قبيل المبالغة
القول بأنَّ أحداث 11 من أيلول / سبتمبر شكلت نقطة تحول في النظام الدولي، حيث أصبح
الإرهاب الجديد واحدا من الأشكال الرئيسية، إن لم في يكن الشكل الرئيسي للصراع
المسلح على الساحة الدولية، فهو لم يعد شكلا ثانويا من أشكال الصراع، ولم يعد مجرد
أداة من أدوات الصراع المسلح، ولكنه أصبح شكلا مستقلا بذاته، بل ربما جاز القول -كما سبق أن ذكرنا-، أنه أصبح بديلا للحروب التقليدية في الكثير من الحالات على
الساحة الدولية.
كما أن أهمية هذا التحول لا يقتصر على
ما يمثله من تهديد جديد جزئيا للأمن الدولي، ولكن أيضا على ما استثاره من ردود
أفعال من جانب الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى، التي لم تقتصر على شن حملة
دولية واسعة ضد الإرهاب، ولكنها وصلت إلى تبني رئيس الإدارة الأمريكية جورج دبليو
بوش موقفا، يقوم على أن وقف الإرهاب ومحاسبة الدول التي ترعاه، أصبح التركيز
الرئيسي للإدارة الأمريكية. وهذا يعبر أوضح تعبير عن المكانة التي بات الإرهاب
يحتلها كشكل رئيسي من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية.