تستمر معاناة مرضى الفشل الكلوي في
قطاع
غزة بالتفاقم للشهر الثالث على التوالي، مع تدهور كبير في مستوى صحتهم العامة
نتيجة تقليص ساعات عمليات الغسيل الكلوي المنقذة للحياة، بفعل
الحرب والحصار.
ويوجد في قطاع غزة خمسة مراكز
لغسيل الكلى منها مركزان في محافظتي الشمال وغزة، وقد توقفت عن العمل، إضافة إلى
ثلاثة مراكز في مدن دير البلح وخانيونس ورفح.
وتعمل المراكز الثلاثة في الحدود
القصوى، بسبب نقص الإمكانات وتزايد أعداد المرضى النازحين تجاه مدن الجنوب وخاصة
مدينة رفح.
يقول عبد الرحمن (40 عاما) إنه
يواجه
الموت البطيء يوميا بسبب نقص ساعات غسيل الكلى، قائلا: "كنت أغسل في
غزة لمدة 12 ساعة أسبوعيا موزعة على ثلاث جلسات، أما الآن أغسل 4 ساعات فقط موزعة
على جلستين في الأسبوع".
ويتابع عبدالرحمن لـ"عربي21":
"تقليص الساعات جاء بسبب تزايد أعداد المرضى وقلة مراكز الغسيل، بعد خروج
مستشفى الشفاء الأكبر في استيعاب المرضى عن الخدمة".
ويوضح قائلاً: "نزحت أكثر من
8 مرات وغسلت في الشفاء ومستشفى شهداء الأقصى، ثم مستشفى ناصر ثم مستشفى النجار
منذ الحرب وأنا في تدهور مستمر".
ويستكمل حديثه: "كنت أخضع
لعملية الغسيل مع والدي الذي يعاني من الفشل الكلوي أيضا وشاهدته يتوفى أمام عيني
بسبب تراكم السموم والسوائل داخل جسمه، توفي على كرسي الغسيل وبعدها بعدة أيام شاء
القدر أن أجلس في نفس المكان وأستخدم نفس المكينة".
ويضيف: "أنا حاليا أعاني من ضيق
التنفس بسبب تراكم السوائل في الرئتين والبطن، وتورم شديد في الأرجل والجسم بشكل
عام، لكني صابر على قضاء الله".
من جانبه، يقول محمد (28 عاما) إن
والدته مريضة كلى منذ سنوات وتخضع لعمليات الغسيل في مستشفى ناصر في خانيونس،
مضيفا أن "بيتنا في المربعات التي طالب
الاحتلال بإخلائها لكننا بقينا بسبب
الغسيل".
ويبين محمد لـ"عربي21"
بقوله: "كل المربعات حول المستشفى طالبوا بإخلائها.. وضعونا بين احتمال الموت
بالقصف وحتمية موت أمي بسبب انعدام الغسيل، تواصلت مع مستشفى النجار في رفح وليس
هناك أي متسع لاستقبالها".
ويقول: "اخترنا البقاء بالطبع،
هيك بنقدر نغسل لإمي وبنضل في بيتنا.. وإذا قصفونا بكون هذا المكتوب لنا".
ويردف قائلاً: "الحمد لله أمي
لا تعاني من الفشل التام.. كانت تغسل جلستين فقط بواقع ثماني ساعات في الأسبوع،
صحيح أن هذه الفترة انخفضت للنصف وبدأت تعاني من تراكم بعض السوائل في الجسم لكن
يبقى حالها أفضل من غيرها".
ويقول: "أمي تغسل منذ سنوات
ولذلك أصبح العديد من المرضى ومرافقيهم أصدقاء لنا نعرفهم ونقضي معهم وقتا أكثر من
أصدقاء العائلة بشكل عام، العديد منهم استشهد بسبب نقص العلاج، إن شاء الله
نحتسبهم شهداء، هم ماتوا بسبب الاحتلال أيضا".
من جهته، يكشف رمزي (35 عاما) أنه
ينزح حاليا في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح، قائلا إنه رغم الوضع الكارثي الذي
يعيشه مع والدته مريضة الكلى في المستشفى المتواضع، إلا أنه أفضل كثيرا من الفترة
التي قضاها في مستشفى الشفاء بعدما اقتحمها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويضيف رمزي لـ"عربي21"
أنه نزح إلى مستشفى الشفاء في غزة مع بداية الحرب من أجل تأمين الغسيل لوالدته
لأطول فترة ممكنة، إلا أنه مع اقتحام المستشفى عاش لحظات رعب لا تنسى.
ويكشف رمزي قائلا: "كنا نقضي أياما
داخل غرفة الغسيل، والخروج منها كان يعني الاستشهاد الفوري، وبعد ذلك استخدمني
الجيش كدرع بشري، ألبسوني كاميرا على رأسي وطلبوا مني الخروج إلى الشارع وتفتيش
السيارات في المكان".
ويروي أنه "كان يتحدث معي جندي
بلهجة شامية ركيكة ويعطيني أوامر عن بعد عبر مكبر الصوت ويهددني بقتل أمي ثم قتلي
حال لم أستجب، الحمد لله استطعنا أخيرا مغادرة المكان والتوجه إلى رفح".
ويشير إلى أن وضع والدته الصحي
حاليا يتفاقم ويزداد سوءا، قائلا: "طالما تناقلنا مصطلح الموت البطيء في
غزة خلال سنوات
الحصار المستمرة، لكن حاليا نحن نعيشه بكل ما يحمل من معنى حقيقي".
ويلفت رمزي الذي درس التمريض إلى
أن "
مرضى الكلى يمكن أن يعيشوا بجودة حياة مرتفعة ولسنوات طويلة تمتد إلى
أكثر من 20 عاما مع عملية الغسيل، لكن هذه الأبحاث والدراسات الطبية ليس لها أي
قيمة في غزة حاليا".