ضجت مواقع التواصل الاجتماعي التركية خلال الأيام القليلة الماضية بخطاب معاد للإسلام والأجانب من العرب على وجه الخصوص، ما أثار مخاوف من ارتفاع حدة خطاب الكراهية كما حصل في شهور الصيف الماضية، لاسيما مع حديث الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان أن بلاده "تواجه تيارا معاديا للإسلام والأجانب".
وبدأت النيابة العامة في ولاية بولو التركية تحقيقا بشأن رئيس بلديتها، المعارض تانجو أوزجان، على خلفية تعليقه لافتات طرقية تحمل شعارات عنصرية ضد العرب، بسبب حادثة إلغاء مباراة كأس السوبر التركي التي كان من المقرر إجراؤها في العاصمة السعودية الرياض.
وحملت اللافتات التي علقها أوزجان، المعروف بمواقفه العنصرية ضد اللاجئين والعرب، عبارات "إلى فئران الصحراء البدو، ونيابة عن شعب بولو، أهنئ جماهير فنربهشة وغلطة سراي، الذين يذكروننا بعظمة أتاتورك".
وأضاف: "لا يمكن لتركيا أن تكون بلا أتاتورك".
وكان نهائي "السوبر التركي" ألغي قبل دقائق من دوي صافرة انطلاقه على خلفية مطالبة إدارتي الناديين التركيين فنربهشة وغلطة سراي، برفع لافتات لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك على قمصان اللاعبين بالإضافة إلى رفع شعارات سياسية قومية، الأمر الذي قوبل برفض من السلطات في السعودية، التي أشارت إلى أن الناديين لم يلتزما ببنود الاتفاق المبرم.
على إثر ذلك، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في
تركيا بسيل من التعليقات التي ربط الحدث الرياضي بالسيادة الوطنية ومحاولة السعودية النيل من قيم الجمهورية التركية عبر منع رفع صور أتاتورك، وما زاد من حدة التوترات قيادة عدد من السياسيين ورؤساء الأحزاب المعارضة حملة تعمدت التأكيد على أن ما جرى في المملكة السعودية إساءة للزعيم التركي الشهير.
وعلق أوزجان، الذي انتُخب رئيسا لبلدية بولو عام 2019 عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، على فتح النيابة العامة تحقيق بحقه بسبب عباراته العنصرية ضد العرب، بنشر صورة أتاتورك مرفقا بتعليق: "تم فتح تحقيق بخصوص هذه الصورة".
وأضاف في تدوينة عبر حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أنه "ليس نادما" على تعليقه اللافتات.
وأردف أن "الذاكرة الروحية لمؤسس الجمهورية التركية تتعرض للازدراء من قبل النظام السعودي القاتل"، مشددا على أنه "لا يمكنه أن يسيء إلى مصطفى كمال أتاتورك، الخط الأحمر للأمة التركية"، بحسب تعبيره.
ولم تكد الأوساط التركية تتخطى أزمة إلغاء كأس السوبر في الرياض، حتى أعادها إلى المشهد اعتداء عنصري على رجل تركي أثناء عودته من مظاهرة عارمة انطلقت في صبيحة أول أيام العام الجديد، للتنديد بعدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع
غزة.
واعتدى شاب تركي على المتظاهر المدعو إسماعيل آيديمير، بلكمة عنيفة طرحته أرضا وتسببت في سيلان الدماء منه، وذلك بسبب حمل الأخير علما أخضر اللون يحمل كلمة التوحيد، الأمر الذي استفز الشاب ما دفعه إلى التهجم على حامله قائلا: "أنت من محبي العرب"، متهما إياه بما وصفه بـ"السعي لعودة الخلافة".
وألقت السلطات التركية القبض على المعتدي قبل أن يلوذ بالفرار من مكان الحادثة، فيما تصدر الأمر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدين للاعتداء ورافضين له، وسط تداول عدد من الناشطين صورا تظهر "علم التوحيد" تعبيرا عن تنديدهم بما أقدم عليه المهاجم.
وعلق الناشط التركي فرقان بولوباشه على الحادثة بالقول: "قام المهاجم الفاشي المعادي للإسلام بلكم أخ عادي لنا، كان عائدا إلى منزله ومعه العلم الذي اشتراه أثناء ذهابه إلى المسيرة، حيث وصفه بعاشق العرب دون سبب".
وأضاف أنه "لا يوجد ما يبرر هذا الفعل، يجب أن يذهب المعتدي إلى السجن، وكذلك الرئيس العنصري الذي حرضه"، في إشارة منه إلى زعيم حزب النصر القومي التركي أوميت أوزداغ، المعروف عنه معاداة العرب واللاجئين بحدة والتحريض المستمر ضدهم.
في المقابل، قال تجمع نقابة المحامين الأتراك، إنه "من غير المقبول تجاهل الدعوة الصريحة لمجموعة ما للخلافة والشريعة، سنواصل النضال من أجل حماية الفلسفة التأسيسية للجمهورية ومبادئ أتاتورك".
بدوره، كتب الصحفي التركي المعارض فاتح ألتايلي عبارة "سلمت يدك" بالتزامن مع تصدر حادثة الاعتداء مواقع التواصل الاجتماعي، فيما فُهم على أنه دعم للشاب الذي أقدم على ضرب حامل العلم بسبب "حبه للعرب".
وبعد تدوينته الملتبسة، فتح مكتب المدعي العام في إسطنبول تحقيقين منفصلين بحق ألتايلي بتهمة "الإشادة بالجريمة والمجرم" و"التحريض العلني على الكراهية والعداء وإذلال شريحة من الناس"، الأمر الذي دفع الصحفي التركي إلى تبرير تغريدته بالقول إنه لم يشر إلى أي جانب وإنه أراد فقط رصد ردود الفعل.
من جهته، كتب علي بابا جان، السياسي التركي ورئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي المعارض "DEVA": "أتقدم بالتعازي لمواطننا الذي تعرض للاعتداء أثناء عودته من مسيرة دعم لغزة؛ وأدعو إلى أولئك الذين يستغلون قيمنا الوطنية لتسميم شبابنا وتنمية ثقافة العنف إلى تحمل المسؤولية"، في إشارة إلى ما حدث من تحريض ضد العرب على إثر إلغاء مباراة "السوبر التركي" عبر استخدام اسم أتاتورك.
والثلاثاء، قال أردوغان في كلمة ألقاها خلال مشاركته في برنامج الإعلان عن أرقام الصادرات للعام 2023، إن بلاده "تواجه تيارا من معاداة الإسلام والأجانب"، لافتا إلى أن "شخصيات المعارضة (التركية) أيضا يخدمون طوعا سياسة الكراهية هذه".
وشدد الرئيس التركي على علم بلاده "بمحاولات لإبعادها عبر مختلف الاستفزازات والخطابات الخبيثة، عن منطقتها وشركائها في المنطقة والدول الشقيقة التي تربطها بها علاقات تاريخية ودينية وإنسانية واقتصادية وتجارية قوية للغاية".
وأشار أردوغان إلى حملة التحريض الواسعة التي شهدتها تركيا ضد السياح العرب خلال فترة الصيف الماضي، والتي أدت إلى إطلاق حملات لمقاطعة السياحة التركية في العديد من الدول العربية.
ولفت إلى أنه "خلال أشهر الصيف، تم تنفيذ حملة مدعومة من الخارج لتقويض السياحة التي تعد أحد أهم عناصر الدخل في بلدنا. والآن نرى أنه تجري محاولة إحداث موجة مماثلة وبدعم أحزاب المعارضة، وهذه المرة من خلال الرياضة"، ويقصد أردوغان هنا إلغاء مباراة كأس السوبر التركي.
وتتصاعد المخاوف لدى أوساط اللاجئين والأجانب لاسيما العرب منهم، من ارتفاع حدة خطاب الكراهية الموجه ضدهم من قبل أحزاب المعارضة في الفترة القادمة على وقع تصاعد المنافسة بين الأحزاب التركية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 31 آذار /مارس المقبل.
وفي ما بدا كأنه بداية إلى طرح ورقة اللاجئين كجزء من الدعاية الانتخابية للمعارضة كما هو الأمر في كل استحقاق انتخابي، كان رئيس بلدية إسطنبول، المعارض أكرم إمام أوغلو، فتح ملف اللاجئين المتواجدين في المدينة التركية الشهيرة خلال لقاء على قناة "سوزجو" المعارضة.
وانتقد أوغلو سياسات الحكومة التركية فيما يتعلق بملف اللاجئين، محذرا مما اعتبره وضعا خطيرا يضع إسطنبول والبلاد تحت تهديدات كبيرة، كما أنه زعم أن البلاد ستكون أمام مشكلة كبيرة خلال 30 إلى 40 عام بسبب الطريقة التي أدارت بها السلطات التركية هذا الملف.