مع إعلان الحكومة
المصرية قبل أسبوعين وثيقة
"التوجهات الاستراتيجية" للاقتصاد المصري خلال الولاية الثالثة لرئيس
النظام عبدالفتاح
السيسي (2024- 2030)، فقد بدت بعض المؤشرات اللافتة التي تركز عليها
خطة الحكومة والتي قد تقود
اقتصاد البلاد إلى منطقة مستقرة، وفق رؤية الحكومة.
وفي 5 كانون الثاني/ يناير الجاري، أصدر مجلس
الوزراء المصري وثيقة بعنوان "أبرز التوجهات الاستراتيجية" للاقتصاد
المصري للفترة الرئاسية الجديدة، والتي كشفت عن
خطط القاهرة لمضاعفة مواردها من
العملات الأجنبية 3 مرات خلال 6 سنوات لتصل إلى 300 مليار دولار.
وقالت الحكومة المصرية في الوثيقة إنها تستهدف
رفع معدل نمو قيمة الصادرات بما لا يقل عن 20 بالمئة سنويا لتصل إلى 145 مليار
دولار في 2030، فيما وضعت هدفا لقطاع السياحة بزيادة العائدات إلى 45 مليار دولار
في 2030 بدلا من 12 مليار دولار حاليا.
وتوقعت زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة 10
بالمئة سنويا لتصل إلى 19 مليار دولار في 2030، مع تضمنها هدف فتح أسواق عمل
خارجية لمليون مصري لتصل تحويلات المغتربين إلى 53 مليار دولار.
وبالنسبة لإيرادات قناة السويس فإن خطة الحكومة
المصرية تسعى لأن تبلغ مع نهاية ولاية السيسي الثالثة، 26 مليار دولار.
تغييرات إقليمية
ولكن بعد نحو أسبوعين من تلك الوثيقة فإنه انكشف عدم
دقة بعض توقعات الحكومة المصرية، بل وفشل أهم خططها، لولاية السيسي الجديدة، والتي
كان منها الاعتماد على دخل قناة السويس.
وذلك بفعل التغيرات الجيوسياسية الحادثة بإقليم
الشرق الأوسط، ومنها حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على قطاع غزة المجاور لمصر ،
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واستهداف "جماعة الحوثي" في اليمن
السفن التابعة للاحتلال بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وما تبعه من تصاعد للمواجهات العسكرية بين
أمريكا وبريطانيا ودول غربية أخرى ضد (الحوثي)؛ تسبب جميعه في خسائر فادحة في
إيرادات مرور السفن من قناة السويس، وفقدان الممر المائي المصري الذي ينقل نحو 12
بالمئة من التجارة العالمية نحو 40 بالمئة من إيراداتها، في الأيام العشر الأولى
من الشهر الجاري.
رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، أعلن في 12
كانون الثاني/ يناير الجاري، أن هناك 40 بالمئة تراجعا في العائدات الدولارية قناة
السويس منذ بداية 2024، مقارنة بنفس الفترة في العام لماضي، بسبب الهجمات على
السفن في البحر الأحمر.
سقطت في الاختبار
وهو التصريح الذي دفع الخبير الاقتصادي
والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، للقول إن "ورقة التوجهات
الاستراتيجية للاقتصاد بالسنوات الست القادمة سقطت بالاختبار الأول".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أكد أن
"كل الكلام عن توريق إيرادات قناة السويس والسياحة، وتحويلات العاملين، أو
غيرها ثبت أنه كلام تذروه رياح عدم اليقين، واحتمالات تخفيض التصنيف الائتماني
لمصر".
وأضاف: "توريق إيرادات مستقبلية أصبحت هي
نفسها في مهب الريح مجرد وهم نظري الآن مع انخفاض إيرادات قناة السويس من أول
كانون الثاني/ يناير الحالي بنسبة 40 بالمئة، وتراجع إيرادات السياحة وتحويلات
المصريين".
وأشار إلى تبعات ذلك الوضع بالقول إن
"الممول لن يقرض الدولة مقابل أن ترهن لديه إيرادات غير مضمونة، كما أن تخفيض
التصنيف الائتماني يعني رفع تكلفة الرهن، ناهيك عن التكلفة الأولية المرتفعة".
وأشار إلى أنه "ومع التقلبات الجيوسياسية
في المنطقة، وثقل عبء المديونية القائم فعلا فإن الإقبال على تمويل احتياجات
الحكومة سيكون بدرجة ضعيف ومكلف".
آمال قائمة على فروض
وفي تعليقه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور
عبدالنبي عبدالمطلب: "في اعتقادي أن وثيقة التوجهات الاستراتيجية التي تم
الإعلان عنها يمكن اعتبارها مجموعة من الآمال والخطط للحصول على مستقبل اقتصادي
أفضل".
وأضاف لـ"
عربي21": "بالطبع هي
تقوم على عدة ركائز ، والجزء الأساسي منها أن يكون هناك نهضة في الاقتصاد العالمي
يترتب عليها زيادة بحركة الملاحة في قناة السويس وعدد السفن العابرة، وبالتالي
زيادة إيرادات القناة (من نحو 9.4 إلى 26 مليار دولار سنويا)".
وأشار إلى أن الوثيقة اعتمدت أيضا على أن
"الانتعاش العالمي سيزيد الطلب على العمالة في جميع المجالات، والعمالة
المصرية تعد أحد أهم مصادر العمالة بالمنطقة العربية، وعلى المستوى العالمي بدأ
للعمالة المصرية القدرة على المنافسة".
واستدرك: "لكن التطورات الأخيرة أتت بما لا
تشتهيه السفن، من تهديد للملاحة في البحر الأحمر أدى إلى تراجع إيرادات عبور السفن
من قناة السويس، كما صرح رئيس الهيئة أنها بنسبة 40 بالمئة".
ويرى عبدالمطلب، أنه "على الجانب
الآخر يمكن النظر إلى مجموعة من التحديات التي يمكن أن تتحول إلى فرص"،
ملمحا إلى "مسألة وقف الحرب في غزة، ثم إعادة إعمار القطاع"، مضيفا أنه "في اعتقادي أن الشركات المصرية سيكون لها نصيب الأسد في عقود إعادة الإعمار".
ولفت أيضا إلى أنه "حتى لو الشركات
العالمية سيطرت على عملية إعادة الإعمار، ولم تتمكن الشركات المصرية من الحصول على
عقود مباشرة، ففي اعتقادي أن جزءا من استثمارات إعادة إعمار غزة ستتم بمصر مثل
مصانع للانشاءات والمباني الجاهزة وحتى الاتصالات والطرق، والعمالة المصرية سيكون
لها نصيب كبير".
ويتوقع الخبير الاقتصادي، من هنا احتمال
"زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر"، معتبرا أنه "أمر وارد كما تقول
الوثيقة، خاصة أن تكلفة إعمار غزة تبدأ بالسنة الأولى بنحو 9 مليار دولار"،
معتقدا أن "القاهرة سيكون لها جزء كبير من الخطة مع زيادة الطلب على
العمالة المصرية، ما ينعكس على تحويلات العاملين بالخارج".
وخلص إلى القول إن "ما نقوله هذا لا يمنع من
وجود سحب كبيرة جدا الكل يعترف بها، مع عدم وضوح الرؤية بشأن الاتفاق مع صندوق
النقد الدولي"، مبينا أن "هذا ممكن أن يؤدي لتفاقم المشاكل الاقتصادية".
وأشار في نهاية حديثه إلى "أوضاع سيئة يعاني منها
اقتصاد البلاد، وبينها الأرقام الفلكية التي وصل إليها سعر صرف الدولار
مقابل الجنيه"، مؤكدا أن "هذا في النهاية يؤدي لارتفاع تكاليف
المنتجات المصرية، ما يقلل تنافسيتها بالسوق المحلي حيث ترتفع أسعارها، وحتى
بالسوق العالمي لو نتحدث عن التصدير".
تصدم بحقائق وأرقام
وبجانب ما عرضه نوار، وعبدالمطلب، من مؤشرات على
تحطم أولى خطط الولاية الثالثة للسيسي قبل أن تبدأ، ورؤيتهم لمستقبل خطط الولاية
الثالثة التي جرى الإعلان عنها في ظل الظروف الدولية، تحدث الخبير الاقتصادي
عبدالحافظ الصاوي، لـ"
عربي21".
وأشار إلى أن "ما عرضته وثيقة استراتيجية
الاقتصاد المصري (2024- 2030) حول وصول إيرادات قناة السويس إلى 26 مليار دولار
عام 2030، "تصطدم بعدة حقائق اقتصادية وأرقام رسمية".
وألمح الخبير المصري إلى أن "ما تشنه الآلة
العسكرية الإسرائيلية من حرب ضد قطاع غزة، وما تلاها من ملاحقة جماعة الحوثي للسفن
الإسرائيلية المارة بباب المندب تسبب في تراجع إيرادات القناة بنسبة 40 بالمئة".
ولفت إلى أن "بيانات ميزان المدفوعات لعام
(2022- 2023)، أكدت أن إيرادات حركة مرور السفن بقناة السويس بلغ 8.7
مليار دولار، فقط، بينما تقول الوثيقة إنها تسعى خلال 6 سنوات لأن يصبح دخل
القناة 26 مليار دولار، ما يعني زيادة مطلوبة بنحو 17.3 مليار دولار خلال تلك
الفترة".
وأشار الصاوي، إلى أن سوابق أحاديث الحكومة
المصرية عن إيرادات القناة لم تتحقق، ملمحا إلى "إعلان الحكومة وقت حفر
تفريعة قناة السويس (2014- 2015)، بأن إيرادات القناة المتوقعة بعد الحفر
ستصل إلى 13 مليار دولار عام 2023، وهو الأمر الذي لم يتحقق".
"هنا المعضلة.. وهذا الحل"
من جانبه، وجه كاتب اقتصادي مصري في حديثه
لـ"عربي21"، حديثه داعيا لإنقاذ اقتصاد البلاد من أزمته ومن النظام
الحالي، مؤكدا أن "حال الاقتصاد المصري أصبح كارثي، وأن مصر الآن في خطر".
وقال مفضلا عدم ذكر اسمه، إن "الحديث عن
المؤثرات الخارجية ومنها أزمة الصراع في باب المندب، تعطي النظام المصري مبررات
لإخفاقاته".
وأكد أن "رأس النظام الفاشل، لا يمكن له
علاج ما أفسده، وما خَرَّبه منذ وضع أنفه في الاقتصاد منذ العام 2013، لأن حال
الاقتصاد أصبح كارثي بالفعل، وأن مصر الدولة والشعب في خطر".
وطالب الكاتب بالتركيز "على ضرورة بل حتمية
إسقاط الديون أو حتى بعضها، وجدولة البعض الآخر مع فترة سماح ابتدائية لمدة 10
سنوات".
وختم بالقول: "ولا يمكن المطالبة بإسقاط
الديون، إلا عبر حكومة (منتخبة)".
اضطراب بالأسواق
وفي مقابل الحديث عن خطط دولة السيسي، في ولايته
الثالثة، رفعت الحكومة المصرية أسعار عشرات السلع والخدمات بينها الاتصالات
والإنترنت والكهرباء وتذاكر مترو الأنفاق والسكك الحديدية، وغيرها مع مطلع العام
الجاري.
ويشهد السوق المحلي هذا الأسبوع اضطرابا كبيرا
مع تفاقم سعر صرف الدولار في السوق السوداء مقابل العملة المحلية ليتعدى لأول مرة
في تاريخ البلاد معدل 60 جنيها مقابل الدولار، ونحو 64 جنيها مقابل اليورو، ما
أصاب السوق بصدمة ارتفاع لأغلب الأسعار.
وأكد متعاملون في الأسواق، ارتفاع كافة السلع
الاستهلاكية والخدمية منذ مطلع الأسبوع الجاري، موضحين أن التجار لا يذكرون سعر
سلعة لمستهلك إلا بعد الرجوع للموزع أو الشركة المنتجة، مؤكدين أن هذا ينطبق على
جميع الأدوات المنزلية والكهربائية البقالة والخردوات ومواد البناء والتشطيبات
وغيرها، بجانب أسعار المساكن والشقق وخاصة في المدن الجديدة.
وعبر المواطن المصري الحاج خالد، (55 عاما) عن
سخطه في حديثه لـ"عربي21"، من اضطراب السوق، وتفاقم الأسعار، مشيرا إلى
أن الزيادة في بعض السلع بالمئات وبالآلاف، وأن أصحاب العقارات يطالبون المشترين
الدفع بالعملات الأجنبية، منتقدا ما يثار عن خطط حكومة أو وثيقة استراتيجية معتبرا
أنها "كلام للإعلام".
وفي بيان لها أمس السبت، قالت الحركة المدنية
الديمقرطية: "ما كادت الانتخابات الرئاسية تنتهي حتى اندفع النظام بسرعة
شديدة في مواصلة؛ والإسراع بإقرار سياسات اقتصادية تضر ضررا بالغا ببلادنا، وتُنذر
بتعميق أزمتنا الاقتصادية، وزيادة مُعَدَّلات الفقر".
وأضاف البيان: "وخلال أقل من أسبوعين رفعت
الحكومة أسعار الكهرباء؛ وتذاكر المترو؛ والقطارات؛ والاتصالات الأرضية؛ والمحمول؛
ورسوم الإنترنت، كل هذا بنسب تتراوح بين 10 و25 بالمئة".
وأشار البيان إلى فشل سياسات الحكومة، وخططها المعلنة،
منتقدة اندفاعها نحو الاقتراض والمشروعات غير ذات الأهمية، معتبرة أن "هذا
يُشكل خطورة شديدة على الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويُهَدِّدُ السِلم
الاجتماعي، وخاصة في الظروف الصعبة، التي تواجه فيها مصر ودول المنطقة تهديدات
بالغة الخطورة".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا يكل
المراقبون للشأن المصري من السياسيين والاقتصاديين من الحديث عن أزمة الاقتصاد،
وعن فشل خطط الحكومة، وتوجهاتها واستراتيجياتها للفترة المقبلة.
أستاذ الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي حسن،
طرح عدة تساؤلات قائلا: "هل فلت زمام الاقتصاد المصري من يد السلطة؟"،
مجيبا أنه "يبدو الأمر كذلك، وإلا ما الذي يمنعها من تطبيق الحلول التي يطرحها
العارفون بالاقتصاد، لإنقاذ البلاد من غرق محقق؟".
وعاد للتساؤل: "هل هي مراكز قوى اقتصادية توحشت
في الفترة الأخيرة، ولا راد لها؟، أم قوى خارجية تريد الهيمنة على اقتصاد معروض
للبيع بثمن بخس؟، أم كل هذا؟".
وتابع: "ومن الذي يساعد من الداخل لأنه
صاحب مصلحة أو منفعة؟، أم هناك وجاهة لمن يزعمون أن كل ذلك مقصود لتركيع مصر،
وتسليمها للغريب؟، وأين الأمن القومي؟، بل أين الدولة يا أصحاب الصوت والصيت
والسوط والوصاية؟".
القاضي المصري وليد شرابي، أشار إلى فشل خطط
أخرى للنظام المصري، مؤكدا أن السلطة في مصر أقامت حساباتها الاقتصادية لحل أزمة
ديون بلغت 165.4 مليار دولار، ومطلوب منها سداد 30 مليار دولار إلى عدة جهات دولية
خلال هذا العام، على نجاح "صفقة القرن"، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء
وقبض الثمن.