للمرة الأولى تتعرض القوات الأمريكية في المنطقة لمثل
هذا الهجوم النوعي الذي تسبب في عدد كبير من القتلى والجرحى نسبيا، حيث سقط ثلاثة
قتلى و34 جريحا، بينما لم تُسفر
الهجمات السابقة إلاّ عن عدد محدود من الضحايا،
وهو ما يؤشر إلى أن مرحلة جديدة قد تكون بدأت. ولم يشفع على ما يبدو النفي
الإيراني المتكرر من أنها لم تكن وراء هذا القصف، في الوقت الذي تبنت ما تسمى
بالمقاومة الإسلامية في العراق هذه العملية.
والمقاومة مكونة من المليشيات الشيعية الموالية
لإيران، وقد برز اسمها بعد العدوان على غزة، وسعت إلى تلميع نفسها والمليشيات
الموالية لإيران عبر إعلانها عن عدة هجمات على الكيان الصهيوني، لم يعلم حقيقتها
وتفاصيلها.
الهجوم الأخير أصاب "البرج 22" داخل الأراضي
الأردنية القريب من قاعدة التنف الأمريكية في
سوريا، وإن كان الأردن قد نفى في
البداية أن يكون الهجوم وقع داخل أراضيه، في إشارة إلى أن الهجوم قد وقع على قاعدة
التنف.
إيران ومحورها معني الآن بتصعيد عسكري يخفف من الاحتقان والغضب ضدهما، ولذا ربما جاء التصعيد في هذا السياق ضد الأمريكيين دون أن تتبناه إيران
وهذه المنطقة منطقة استراتيجية للطرفين الأمريكي
والإيراني، فالأول يراها نقطة مثلثية تستطيع من خلالها التحكم في حدود ثلاث دول
وهي سوريا والعراق والأردن، كما أنها قادرة على قطع طرق الإمداد الإيرانية، والتي
تنقل من خلاله الأسلحة والذخائر الواردة من العراق إلى لبنان عبر الأراضي السورية،
وهو مكمن الحاجة الإيرانية الأساسية من المنطقة.
هذه التطورات أتت على خلفية العدوان الصهيوني المدعوم
غربيا وأمريكيا على غزة، وفي ظل تقاعس ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة عن دعم
حماس في مواجهتها للصهاينة للشهر الرابع على التوالي، إذ توقعت حماس فتح جبهات من
قبل حلفائها حزب الله وغيره لتخفيف الضغوطات العسكرية والاقتصادية عليها، إلّا أن
حزب الله اكتفى بالقصف المحدود، ووفقا لقواعد اللعبة. وعلى الرغم من الهجمات
الصهيونية الأخيرة على بيروت والضاحية، مستهدفة عددا من قادة الحزب العسكريين،
وبالطبع ناهيك عن استهداف القادة العسكريين الإيرانيين الموجودين في دمشق، إلاّ أن
الحزب لم يُصعد من هجماته.
إيران ومحورها معني الآن بتصعيد عسكري يخفف من
الاحتقان والغضب ضدهما، ولذا ربما جاء التصعيد في هذا السياق ضد الأمريكيين دون أن
تتبناه إيران، وهي التي تدرك تماما حاجة الأمريكي لها ولمليشياتها منذ تعاونهما
وتنسيقهما في احتلال العراق، ويبقى الطرف الأمريكي يتحاشى التصعيد والعمليات
القوية المستهدفة للإيراني، بخلاف الإسرائيلي الذي استهدف عددا من مستشاري الحرس
الثوري الإيراني، أملا في توسعة الحرب للتخفيف عنه أيضا، وهذا يخالف الرغبة
الأمريكية والغربية عموما، بحصر الحرب والعدوان على غزة بعيدا عن أراض جديدة،
سيستفيد منها الروسي والصيني، لكون ذلك
سيُشتت الأمريكي على جبهات كثيرة امتدادا من أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي،
وكذلك غزة، إلى المناطق التي سيُجرّ إليها في الشرق الأوسط إن نجح الإسرائيلي في
ذلك، وفشل الإيراني في تفاديها.
أما الغرب وأمريكا فيدركان تماما أن الإيراني يتفق
معهما تماما في قناعة عدم جر المنطقة إلى حرب شاملة، الأمر الذي سيفقد الإيراني
تماما المكاسب التي جمعها في العراق وسوريا ولبنان.
الظاهر في المنطقة أن الإيراني يسعى إلى إخراج
الأمريكي من سوريا، أملا في ملء فراغه في المنطقة التي تسيطر عليها قسد، لا سيما
وأن قادة الأخيرة من حزب العمال الكردستاني، ولديهم علاقات قوية، إن كان مع النظام
السوري أو مع النظام الإيراني، ولذا فتأمل إيران من خلال الانسحاب الأمريكي أن
تملأ هذا الفراغ، فتُعوّض عن كثير من نزيفها المالي بحقول النفط والغاز في
المنطقة.
القصف الأخير، على الرغم من أنه نوعي مقارنة بالهجمات السابقة، إلّا أن البعض لا يزال يقرأه في سياق المناكفات اليومية لتوسعة كل طرف لنفوذه على حساب الأطراف الأخرى، وهو ما قد يفلح به طرف ويفشل به آخر
كثير من الخبراء والمحللين يعتقدون أن إيران ليس لديها
القدرة على ملء هذا الفراغ المهدد بأن تملأه جهات أخرى، فالطرف التركي سيُمانع
الإيراني بأن يملأ هذا الفراغ، وهو يهاجم قسد الآن في ظل الكفيل الأمريكي، ووسع
أخيرا من هجماته التي استهدفت حقول النفط والغاز، وبالتالي فهو معني أيضا بدفع
حلفائه السوريين للسيطرة على مثل هذه الحقول، لحرمان قسد من التزود بها. وهناك
الفصائل الثورية من أبناء المنطقة الشرقية المحرومين والمشردين، وقد يكونون جزءا من
القوى المتربصة والمنتظرة لهذه اللحظة.
أما تنظيم الدولة فهو أكثر القوى التي تنتظر هذه
اللحظة، لا سيما وأنه من أكثر القوى التي تتمتع بحضور ووجود عسكري في المنطقة، لا سيما
مع عملياته شبه اليومية التي تقع ضد النظام أو مليشياته، ولعل هذا ما يجعل
الإيراني مترددا في الانسحاب الأمريكي، فلربما سيناكفه تنظيم الدولة في المنطقة.
القصف الأخير، على الرغم من أنه نوعي مقارنة بالهجمات
السابقة، إلّا أن البعض لا يزال يقرأه في سياق المناكفات اليومية لتوسعة كل طرف
لنفوذه على حساب الأطراف الأخرى، وهو ما قد يفلح به طرف ويفشل به آخر، وبالعكس،
ولكن يبقى ذلك كله على حساب مصالح الشعب السوري.