خلال اليومين الماضيين أكملت عدة محافظات عراقية انتخاب محافظيها ورؤساء مجالسها، بعد
انتخابات شهدت عزوفا ملحوظا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وكما هو الحال مع الحكومة المركزية، فقد طغت
المحاصصة الطائفية والحزبية على آلية الانتخاب والأسماء التي تصدرت تلك المحافظات، فضلا عن تحالفات بين الكتل السياسية مكنتها من تجاوز انخفاض تمثيلها الانتخابي ونيل المناصب السيادية.
ورأى كثيرون أن تصدر بعض الشخصيات السياسية المتهمة بالفساد إشارة سلبية على تكريس المحسوبية والمال السياسي كمنطلق للوصول إلى المناصب.
"تصدر الفاسدين"
والأحد انتخب مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الجبوري على رئيس حزب "الجماهير" محافظا وعادل عبد السلام رئيساً لمجلس المحافظة ومحمد الحسن عطية بالإجماع نائبًا لرئيس للمجلس.
وتلاحق الجبوري عشرات التهم بالفساد خلال توليه ذات المنصب خلال السنوات الماضية، وأفضت إلى ملاحقته قضائيا.
وتوزعت المناصب في محافظة صلاح الدين بين الأحزاب المحسوبة على المكون السني "الجماهير وتقدم والسيادة"، من دون الإطار التنسيقي الحاكم، وهذا ما أثار حفيظة الأخير بشكل صارخ.
وذكر بيان للإطار التنسيقي الذي يجمع عدة أحزاب شيعية، "أن هناك طروحات طائفية ومحاولات لإعادة إحياء نفس وروح الطائفية من قبل بعض الكتل التي قفزت على الاستحقاق الانتخابي في صلاح الدين، لتفتيت وحدة الإطار في المحافظة".
وقال البيان، "إن رئاسة المجلس استحقاق انتخابي للإطار في صلاح الدين، وتم الاتفاق على ذلك، لكن إصرار بعض الشخصيات المتربحة ماليا من العملية السياسية ومؤسسي المشروع الطائفي وخذلان بعض الحلفاء بالمضي بالجلسة، أفضى إلى إقصاء الإطار عن التمثيل في المناصب القيادية في المحافظة".
وتوعد الإطار، "بأنه يحتفظ بالحق في اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المخالفات القانونية التي ارتكبت في إدارة الجلسة واختيار شخصيات غير مؤهلة قانونا لاستلام المناصب".
وسريعا صعد الإطار من لهجته فهدد النائب عن كتلة "الصادقون" التابعة لمليشيا العصائب محمد البلداوي، بكشف الأوراق قائلا، "إن الوجوه ستسود، ولا مكان للفاسدين والخونة في صلاح الدين"، وفق قوله.
وأعلن مجلس شيوخ عشائر بلد وجمع من "جماهير الإطار الوطني" في محافظة صلاح الدين، أمس الاثنين، عن رفضهم لجلسة انتخاب الجبوري محافظا لصلاح الدين.
وطالب المجلس في بيان، الرئاسات الأربع "بالتدخل لاعادة انتخاب رئيس مجلس صلاح الدين والمحافظ". كما أنهم طالبوا باستحداث محافظة "جنوب صلاح الدين".
صراع سياسي
ما جرى في صلاح الدين، تكرر في كربلاء، بعد أن جدد مجلس محافظة كربلاء، الثقة بالمحافظ نصيف الخطابي وعلي الميالي نائبا له، كما صوت على قاسم اليساري رئيسا لمجلس محافظة كربلاء ومحفوظ التميمي نائبا له.
ووصف عضو ائتلاف دولة القانون، عبد الرحمن الجزائري، ما جرى في كربلاء "بالخيانة"، قائلا، "إن الخطابي خالف ما تم الاتفاق عليه داخل الإطار التنسيقي بعدم التجديد للمحافظين، وسيتم اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لكشف الأوراق، وصحة شرعية جلسة انتخاب المحافظ نصيف الخطابي"، وفقا لما نقلته عن مواقع عراقية.
وفي بغداد انتخب مجلس العاصمة، مساء الاثنين، عبد المطلب عليوي، عن ائتلاف دولة القانون، محافظا وهاني عبدالجبار عبدالكريم نائبا اولا للمحافظ عن تحالف الأساس و ذو الفقار ثامر الفياض نائبا ثانيا عن تحالف نبني، وعمار القيسي عن تحالف العزم رئيسا لمجلس المحافظة.
وقال الباحث والكاتب السياسي
العراقي حسين السبعاوي، "مثلما لم تكن الانتخابات المحلية العراقية تعبر عن رأي العراقيين بطريقة شفافة، وقد شاهدنا نسبة المشاركة المتدنية، ودور الأذرع المسلحة للاحزاب إضافة للمال السياسي الفاسد كيف لعب في التأثير على الناخب ومن ثم على النتائج، كذلك كان اختيار المحافظين ورؤساء
مجالس المحافظات لم تكن تمثل رأي الفائزين في الانتخابات".
وأضاف في حديث لـ "عربي21”، "قد شاهدنا دخول القوات الأمنية والحشد إلى قاعات المجالس للضغط على المصوتين وهذا الذي جرى صلاح الدين وفي العاصمة بغداد وفي نينوى وفي بقية المحافظات كلها كان هناك ضغط على المصوتين سواء من قبل رؤساء الكتل أو ألاذرع المسلحة لتلك الأحزاب".
اتفاق مسبق
وعلى غرار المحافظات الأخرى، أفضى اتفاق سياسي لتجديد ولاية عبد القادر الدخيل كمحافظ لنينوى، واختيار أحمد الحاصود رئيساً للمجلس بالإجماع.
وصوت مجلس محافطة النجف على اختيار حسين العيساوي عن "ائتلاف دولة القانون" رئيسا لمجلس المحافظة، وانتخب يوسف كناوي عن تيار الحكمة محافظا.
وبعد طول جدال في البصرة جدد مجلس المحافظة لأسعد العيداني ولاية ثانية، كما اختار خلف البدران رئيسا للمجلس، وهو من تحالف "نبني" بزعامة هادي العامري، فيما انتخب أسامة السعد عن كتلة "تصميم" بزعامة محافظ البصرة أسعد العيداني نائباً لرئيس المجلس.
وفي محافظة الأنبار انتخب لعمر مشعان دبوس الدليمي رئيساً للمجلس، وأكرم خميس المحلاوي نائباً له، فيما اختير محمد نوري الكربولي محافظاً.
وانتخب مجلس محافظة واسط علي حسين سليمون رئيسا لمجلس المحافظة بالأغلبية المطلقة، ومحمد جميل المياحي محافظا لولاية ثانية.
وفي محافظة ديالى، انتخب نزار اللهيبي رئيساً للمجلس، ولم يحسم بعد منصب المحافظ.
وأعلنت كل ميسان والمثنى عن تأجيل جلسات انتخاب المحافظ ورئيس المجلس، بسبب عدم الاتفاق بين الكتل السياسية، كما أخفق مجلس محافظة كركوك في عقد جلسته الأولى ورفعها إلى إشعار آخر لتعذر اكتمال النصاب القانوني، بعد أن شهدت الجلسة مقاطعة العرب والتركمان.
ورأى مدونون عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الإطار التنسيقي الحاكم نكث بوعوده السابقة، بعد أن بقي كل المحافظين الذين طالب بتغييرهم في مناصبهم.
وانتهت الأحد المهلة القانونية الممنوحة لمجالس المحافظات لعقد أولى اجتماعاتها والمحدّدة بخمسة عشر يوما، بعد مصادقة المفوضية العليا للانتخابات على النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات.
وتعتبر مجالس المحافظات في العراق سلطة سلطة تشريعية ورقابية في كل محافظة، حيث تتمتع بحق إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، دون أن يتعارض ذلك مع الدستور والقوانين التي تندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات.
وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أجريت الانتخابات المحلية في 15 محافظة، وسط مقاطعة واسعة، إلا أن مفوضية الانتخابات تحدثت عن مشاركة تجاوزت الـ41 بالمئة ممن يحق لهم التصويت.
يقول السبعاوي، "ما قيمة الإنتخابات إذا كان اختيار المحافظ ليس من ضمن قوائم المرشحين وليس عضوا في المجلس، وما قيمة الانتخابات إذا لم يكن هناك استحقاق انتخابي للفائز وهذا الذي شاهدناه في اختيار المحافظين ورؤساء المجالس المحلية".
وأكد الباحث السياسي العراقي، "أن رؤساء الكتل هم أنفسهم من يقود العملية الانتخابية المحلية ولا يعلو صوتا على صوتهم، فتجد الأعضاء مجرد أدوات تستخدمهم الكتل السياسية، لهذا لم تختلف آلية اختيار للمحافظين عن آلية اختيار الحكومة المركزية".
وأشار السبعاوي، "إلى أن المحاصصة الحزبية والطائفية هي الأصل في العملية السياسية حتى لو خالفت نص الدستور والقانون، لأنه بيدهم السلطة والقوة وأصبح هذا العرف الفاسد أعلى فوق القوانين".