مقابلات

"عربي21" تحاور سليم العوا.. رد على منتقدي "طوفان الأقصى" والمقاومة

العوا: التعويل الأساسي على الفلسطينيين أنفسهم وتمسكهم بأرضهم وحقوقهم- عربي21
فنّد المفكر الإسلامي المصري، سليم العوا، ما يردده البعض حول وقوع المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة "حماس" في خطأ استراتيجي بشنّ عملية "طوفان الأقصى" على مواقع العدو الصهيوني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مؤكدا أن "المقاومة لم تخطئ حساباتها وتقدير العواقب".

وقال العوا، في لقاء خاص مع "عربي21" إن "طوفان الأقصى لم يكن مطلوبا تجنبه بل إن بدء الطوفان واجب متى كان ذلك متاحا؛ لأن مقاومة المحتل الذي يجرم بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود دون وازع أو رادع أمر واجب، وأثبتت لنا أن عصر الهزيمة انتهى وأن النصر قادم لا محالة، وأن المقاومة قادرة على إدارة المشهد بندية عسكرية وسياسية".

ورأى العوا وهو أيضا فقيه قانوني وأحد أكثر المعارضين لاتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني، أن "ما بعد طوفان الأقصى ليس ما قبله، وأن الاحتلال دقّ أول مسمار في نعشه، وأن المقاومة خطّت أولى درجات التحرر؛ وأن مقاومة العدو حق، وأنه عدو بلا أخلاق وبلا ضمير، وأن كل من يعول على مسار المفاوضات يركن للضعف والانهزام".

واعتبر أن "صمود المقاومة 5 شهور أمام أعتى آلات الحرب الحديثة هو انتصار كبير، وفشل الاحتلال في تحقيق أي هدف من أهدافه هو هزيمة كبيرة"، مشيرا إلى أن "طوفان الأقصى أذكى في شعوب المنطقة العربية والإسلامية شعور الانتصار والتضامن مع الحقوق الفلسطينية المنسية".

وشغل العوا منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئاسة جمعية مصر للثقافة والحوار، وعضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي.

وتاليا نص الحوار:
هل كان يمكن تجنب عملية طوفان الأقصى في غزة وتجنب الحرب على القطاع المحاصر وتدميره.. أم أن ما حدث هو نتيجة حتمية لعقود من القتل والقمع والحصار؟

ليس مطلوبا تفادي طوفان الأقصى وأي معركة مع العدو الصهيوني، وأي معركة نستطيع أن نبدأها نحن مع العدو فإن بدؤها واجب وما دمنا قد أخذنا العدّة وأدّينا ما علينا من واجب التدريب والتنظيم والتسليح فيجب مبادرة العدو بالحرب، لأنه غاصب محتل، أجرم بحق الشعب الفلسطيني منذ عقود، ومسألة هل كان يمكن التجنب لم يكن مطلوبا التجنب، نحن كنا ننتظر مثل طوفان الأقصى من 20 عاما والحمدلله أنه جاء ورأيناه في حياتنا.

هذه المعركة هي الخطوة الأولى في إزالة إسرائيل، والخطوة الأولى في نهاية الدولة الصهيونية وإنهاء الاحتلال لأرض فلسطين كلها والخطوة الأولى في تحرير الوطن العربي كله من الشعور بالتبعية والاستسلام للقوى الغربية الاستعمارية التي زرعت إسرائيل ولا تزال تدعمها بكل ما تملك من نفوذ وقوة سياسية وعسكريا وحتى بالمقاتلين.

أنا ضد أن يفكر أي عربي من أي زاوية في إمكانية تجنب طوفان الأقصى، بل نأمل في أن تحدث بعده طوفانات كثيرة، إلى أن ينتهي هذا الاستعمار الصهيوني.

قلت عبارة منذ 13 سنة فى مكتبة الإسكندرية وهى أن إسرائيل: "عدو بيننا وبينه هدنة، ولكل هدنة نهاية، وليس في الدنيا معاهدة لم تنقض" كيف ترى هذه المقولة الآن؟

أراها في منتهى الصواب، وبالمناسبة أول هذه الجملة كان نريد علاقة طبيعية بيننا وبين إسرائيل ومواقفي من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني معروفة، وبينت ما أريده بالعلاقة الطبيعية أنه عدو بيننا وبينه هدنة والمقصود بها اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات وخالفناه وقتها، وكتبت ضده وقرأ ما كتبناه ولم أزل عند هذا الرأي.

لكن الاحتلال بالنسبة للفلسطينيين عدو ينبغي أن يقاتلوه إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، سواء فرادى أو جماعات أو بجيش أو من غير جيش، وإذا أتيحت الفرصة أن ننال منه فينبغي أن ننال منه، عبارتي في مكتبة الاسكندرية لا تزال في محلها، وطوفان الأقصى يثبت صحتها، الهدنة التي كانت مفروضة على إخواننا الفلسطينيين انتهت بهذه المعركة التي بدأوها لأول مرة في تاريخ الصراع.

القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى غير قضية فلسطين قبله.. هل سيبنى عليها أم ينتقص منها؟

سيبنى عليها الكثير ولا ينتقص منها؛ معركة طوفان الأقصى أعادت الروح للشعب الفلسطيني والعربي كله؛ انظر إلى المظاهرات في جميع أنحاء العالم، أعادت الروح للمهزومين وأثبتت أن الهزيمة ليست قدرا لا فكاك منه، إنما هي مرحلة تاريخية أدى إليها ضعفنا وهواننا وتصرفات الكثير من الحكام العرب والمسلمين منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم.


البعض يرى أن نهج المقاومة المسلحة انتهى منذ عقود وأنها تخسر إقليميا ودوليا بدليل تركها وحيدة أمام آلة التدمير الإسرائيلية وأن الخيار التفاوضي هو الأفضل ويدرأ عن الفلسطينيين القتل والدمار؟

اسأل هؤلاء منذ كم سنة ونحن نفاوض الإسرائيليين.. منذ عقود نتفاوض معهم..إلى ماذا أوصلتنا هذه المفاوضات، إلى لا شيء، في لبنان عدوان إسرائيلي مستمر، وعلى الحدود المصرية استفزازات مستمرة، والجولان السوري المحتل واستهداف العمق السوري متواصل، والاعتداءات على إيران والعراق متكررة، التفاوض هو سلاح الضعفاء، التفاوض ينجح ويأتي بعد الانتصار كما حدث في حرب عام 1973 ونجحنا في التفاوض، والتفاوض في مركز الضعف والاستسلام يأتي بنتائج عكسية.

كيف تفسر الحرية الواسعة التي يشن فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة رغم مشاهد الدمار والتخريب والقتل بل والإبادة؟
هذا كله يصيب عنصرين الحجر والبشر، فأما البشر فَقتلاهم في النار وقتلانا في الجنة، وشهدائنا لهم عند ربهم أجر ومغفرة كبيرة، والحجر نحن الذين بَنيناه وسوف نُعيد بناؤه. القضية قضية المقاومة الحقيقية للاستعمار.

للمرة الأولى يُقتل هذا العدد من العدو ويُصاب هذا العدد من جنود وضباط الجيش الصهيوني، وهي أطول حرب يخوضها الاحتلال منذ نشأته وحتى اليوم، ثم ماذا حققوا من الهدم والقتل لم يحققوا الأهداف المعلنة لا تزال المقاومة تقاوم وتقنص وتفجر ولم يتم تحرير أي أسير، وهم الذين يذوقون الموت على أيدي شباب مؤمن بالمقاومة وحق الدفاع عن النفس والأرض.

ماذا يعني استمرار المقاومة للشهر الخامس تقارع أقوى جيوش المنطقة ورغم الدمار الكبير لم تحقق دولة الاحتلال أهدافها المعلنة؟

خمس شهور والمقاومة تعمل كل يوم بكل قوة وتفاجئ العدو بقدرتها على المناورة والمواصلة والمفاجئة، وأجبرت الجيش على سحب لواءات وكتائب واستبدالها وأسقطت العديد من الضباط الكبار في تلك الألوية وغيرها في ميدان المعركة، رغم مزاعم الاحتلال بأنهم قضوا على المقاومة وأوهنوها أو أضعفوها، وما نراه هو مئات الشهداء من المدنيين، هي مقاومة باسلة منتصرة مادامت قدرة الرجال مستمرة لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة، وهم ظاهرون على الحق.

هل أذكى طوفان الأقصى في شعوب المنطقة العربية والإسلامية شعور الانتصار والتضامن مع الحقوق الفلسطينية ؟
لا شك أنه أثر تأثيرا إيجابيا مهما؛ والدليل على ذلك ما تراه من تعاطف واسع من شعوب العالم ومحاولة إيصال المساعدات للشعب الفلسطيني، وخروج المظاهرات والمسيرات في كبرى المدن الأوروبية، رأينا طوفان آخر من التضامن منقطع النظير، حتى في أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا الذين دعموا الاحتلال ولا يزالوا، ووصفت بأنها مظاهرات كبيرة وغير مسبوقة أحيانا، وهي ظاهرة جديدة، طوفان الأقصى سوف يغير الدنيا ما بعده غير ما قبله.

لم نرى لمرة واحدة في تاريخ الصهيونية عربيا يرفض التفاوض والخضوع للإملاءات والشروط الصهيونية، وهو ما فعلته وتفعله حركة حماس.

هل وضعت الحرب في غزة حكام العالم وخاصة الشرق الأوسط في موقف محرج مقابل سيطرة أمريكا والحكومات الغربية المؤيدة للحرب على المشهد؟

هذا السؤال يوجه للحكام أنفسهم أصحاب الجلالة والفخامة، أين أنتم من هذا الطوفان؟ وماذا فعلتم؟ لِيصارحوا شعوبهم بما قاموا به، أما نحن موقفنا مختلف، نحن منذ زمن طويل نؤمن بمقولة العلامة محمد مهدي شمس الدين "للحكومات ضروراتها ولكن للشعوب خياراتها"، نحن مع خيار الشعوب الذي هو طوفان الأقصى.

بعد قبول اتهامها بممارسة الإبادة الجماعية لدى محكمة العدل الدولية.. هل سقط القناع عن إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط وتكشف للعالم أنها لا تتورع عن التورط في حرب غير شرعية ودموية؟

تكشف للعالم هذه الحقيقة، ولكن بالنسبة لنا فهي حقائق نعرفها منذ اليوم الأول لوجود هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية، وهي دولة دموية وجيشها لا يرقب في المسلمين والعرب إلا ولا ذمة، لا يتمتع بأي بعد أو حس أخلاقي يفعلون كل الموبقات والقبائح الأخلاقية ولا يعملون حساب الغد ولا ينظرون إلا تحت أقدامهم ويظنون أنه وضع دائم وهو ليس كذلك.

لقد احتل الصليبيون القدس أكثر من 80 عاما وحررها المسلمون على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، والقدس ستحرر مرة أخرى و فلسطين سوف تحرر من النهر إلى البحر، المهم أن يستمر طوفان الأقصى ويندفع للأمام وتقوى العزائم كما تقوى الاستعدادات القتالية سواء بسواء.

هل غيرت الحرب من عقود من الالتزام الغربي الديني والأخلاقي تجاه مساعدة إسرائيل وتأييدها على طول الخط ؟

لم تغير في الشعور والتصرف الغربي، إلا أنها أظهرت ما كانوا يحاولون إخفاؤه وأبدت مواطن مشاعرهم وحقائق أسلوبهم في التعامل معنا، هم يتعاملون معنا كأعداء وإن كانوا لا يظهرون لنا ذلك وعندما جاءت الحرب لا توجد دولة من هذه الدولة وقفت ضد العدوان بل وقفوا جميعهم مع الصهيونية والعدوان على أهلنا في فلسطين وصوتوا ضدنا في الأماكن والمحافل الدولية، ومن يعول على العالم الغربي فهو خاسر، وينبغي أن نعول على سواعدنا وإرادتنا وقوتنا.

كيف تغيرت السردية الإسرائيلية لدى الشعوب الغربية عن الرأي العام التي ظلت المهيمنة لعقود وكيف ترى انتقال السردية الواقعية لأيدي المقاومة خاصة مع مشاهد تبادل الأسرى بين الطرفين؟

الدليل على التغير الكبير في وجهة نظر الشعوب تجاه الصهيونية هو ما نراه من مظاهر التضامن مع الفلسطينيين، الأمر الآخر الفضل في هذا ليس لطوفان الأقصى وإنما للإعلام الذي كان ينقل ما يحدث في غزة من قتل الأطفال والنساء والشيوخ ظلما وعدوانا وينقل صور تدمير المدن كاملة عن بكرة أبيها هذا هو ما أثر في الشعور الشعبي الغربي، رؤية ما يجري في قطاع غزة ساعة بساعة ويوم بيوم من قتل وتدمير أثر في رؤية الشارع الغربي للقضية الفلسطينية والكيان الصهيوني.

هل يتوقف قطار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي نهائيا أم سيستمر في طريقه نحو دول عربية أخرى؟
أعارض التطبيع مع الكيان الصهيوني من اليوم الأول للدعوة له، وقد كتبت في الوقت الذي كان يفاوض فيه الرئيس السادات الصهاينة للوصول إلى اتفاقية كامب ديفيد، ولا يزال هذا الكلام منشورا في مقالاتي وكتبي، أنا ضد التطبيع كله، وأعتقد أن كل المطبّعين سوف يندمون في يوم من الأيام على هذا التطبيع، وسيأتي اليوم الذي يقولون فيه ياليتنا ما طبعنا ولكن لكل حادث حديث.

هل مصير القضية الفلسطينية أصبح مقترنا بمخطط التهجير.. هل يمكن إعادة مشاهد نكبة 1948 بعد أكثر من 75 عاما وتهجير الغزيين وبالتالي تسييل القضية الفلسطينية؟
المُعلن أن الدول العربية التي يُمكن التهجير إليها وهي مصر والأردن وسوريا كلها تقف ضد مشروع التهجير بقوة، والعالم الغربي نفسه يقول إنه ضد التهجير، ولكن لا ثقة لدي في كلام الغرب أو أمريكا، قد يغيرون رأيهم في أي لحظة.

التعويل الأساسي على الفلسطينيين أنفسهم وتمسكهم بأرضهم وحقوقهم، ورأينا عائلات تعود إلى شمال غزة رغم الدمار والخراب، وقيل أن هناك مئات الآلاف عادوا ليعيشوا في العراء لا يريدون أن يفقدوا أرضهم ومنازلهم، وإذا تم سوف تكون غلطة العمر وخطأ فادحا للذين قبلوه.

هل ترى أن معركة طوفان الأقصى رغم المجازر الحالية مقدمة لتحرير الأرض؟ وكيف ذلك؟

هي مقدمة لتحرير الإنسان قبل الأرض، وتحرير الإنسان والأرض سوف يحدث معا بالانتصار على العدو الصهيوني، أما كيف سيتم ذلك فهو كما حدث طوفان الأقصى من خلال الاستعداد وإعداد العدة.. كيف استطاعت المقاومة بدون أي دعم خارجي أن يصنعوا هذه الأسلحة ويتقنوا استخدامها ويناورون جيش الاحتلال 5 شهور ويستنزفوهم بشريا وعسكريا وماديا.

ما رأيك فى المرجفين فى الأرض من صهاينة العرب؟
ينبغي على الأمة أن تنبذهم ولا تلقي لهم بالا ولا تصغي إليهم، هؤلاء سوف يتبين لهم حقيقة ما يفعلوه وسوف يندمون حين لا ينفع الندم، ولا وزن لهم مقارنة بالأغلبية العظمى من الشعوب العربية التي تقف من مع المقاومة.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع