إن شبح الهجوم
الإسرائيلي على مدينة
رفح داخل قطاع
غزة يسلط الضوء على لوحة مؤلمة؛ ليس فقط من
المعاناة الإنسانية المباشرة، بل وأيضا من الفشل الأوسع للدبلوماسية الدولية
والعمل الجماعي. إن احتمال وقوع خسائر بشرية فادحة في مثل هذا الهجوم ليس مجرد رقم
إحصائي؛ بل هو يمثل مأساة إنسانية عميقة، يبدو أنها تقابَل باستجابة عالمية تتسم
بالجمود واللامبالاة، حيث حثت العديد من الدول إسرائيل ببساطة على عدم ارتكاب
مذبحة أخرى في رفح. ومن ناحية أخرى، كان موقف العالم العربي أكثر إحباطا، حيث لم
يقدم أكثر من بيانات إدانة جوفاء خالية من أي تحرك دبلوماسي حقيقي.
ولا يدعونا هذا
السيناريو إلى التشكيك في مدى فعالية التضامن العالمي فحسب، بل يدعونا أيضا إلى
التدقيق في آليات السياسة الدولية التي يبدو أنها متعثرة في منع الكوارث الإنسانية
خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا الفلسطينيين.
إن رد الفعل العالمي
المحدود، والذي يحث في المقام الأول على ضبط النفس من خلال القنوات الدبلوماسية
دون ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل، يرمز إلى قضية أكبر وهي أن عالمنا هذا يبدو
غير حساس تجاه الصراعات التي طال أمدها، وخاصة تلك التي تشمل معاناة الفلسطينيين. وتثير
عملية إزالة الحساسية هذه أسئلة أخلاقية حرجة حول القيمة التي نعطيها للحياة
البشرية في سياقات جيوسياسية مختلفة والمعايير التي تحكم التدخل الدولي.
الفعل العالمي المحدود، والذي يحث في المقام الأول على ضبط النفس من خلال القنوات الدبلوماسية دون ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل، يرمز إلى قضية أكبر وهي أن عالمنا هذا يبدو غير حساس تجاه الصراعات التي طال أمدها، وخاصة تلك التي تشمل معاناة الفلسطينيين
علاوة على ذلك، فإن
الموقف الرسمي للدول العربية، رغم قوته الخطابية في إدانة الأعمال الإسرائيلية
المحتملة في رفح، فهو يكشف عن شعور واضح بالعجز أو ربما التردد في استخدام المدى
الكامل لنفوذها الدبلوماسي والسياسي. وعلى الرغم من أهمية التحذيرات والإدانات
التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تؤكد على وجود فجوة مثيرة للقلق بين
التضامن اللفظي والتدابير القابلة للتنفيذ. ويبدو أن تعبيرات القلق هذه تطفو في
فراغ، مع عدم وجود أدوات فاعلة لترسيخها في شكل عمل ملموس ومؤثر.
إن دعوة المملكة
العربية السعودية لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هي بمثابة
تذكير مؤثر بضرورة إنشاء آلية دولية قوية لمنع مثل هذه الأزمات، ومع ذلك، تظل
فعالية الهيئات والاتفاقات الدولية في إدارة الأزمات في الوقت الفعلي موضوعا
للنقاش، مما يعكس أزمة أوسع نطاقا للحوكمة الدولية حيث تبدو الآليات المصممة لمنع
الحرب وحماية المدنيين غير متوافقة بشكل متزايد مع الحقائق على الأرض.
وتضيف المواقف الدقيقة
لبعض الدول العربية، وخاصة دفاع الإمارات عن علاقاتها مع إسرائيل، طبقات من
التعقيد إلى الحالة الراهنة، حيث دافعت الإمارات العربية المتحدة علنا عن علاقاتها
الدبلوماسية مع إسرائيل، حتى مع تصاعد الصراع في غزة، مما أدى إلى سقوط عشرات
الآلاف من الضحايا والنزوح على مدى أكثر من أربعة أشهر.
وفي الوقت نفسه، تم
تعزيز الدعم الاقتصادي الدولي لمصر، وهي لاعب رئيس في المنطقة، حيث تعهد وزير
الخزانة الأمريكي وصندوق النقد الدولي بزيادة المساعدات المالية لمصر والأردن.
ويهدف هذا الدعم، الذي سهّلته التوجيهات الأمريكية، إلى ممارسة نفوذ دبلوماسي
واقتصادي أمريكي على مصر والأردن لتمييع المواقف العربية تجاه حرب الإبادة
الجماعية ضد سكان غزة.
ومع اشتداد الصراع،
سعت إسرائيل إلى تأمين احتياجاتها اللوجستية والموارد، لا سيما من خلال الطلبات
السرية للحصول على مساعدات غذائية فورية من الإمارات والهند. وأدت هذه الخطوة،
التي تهدف إلى تهدئة مخاوف الرأي العام الإسرائيلي بشأن الأمن الغذائي، إلى إنشاء
خطوط جوية خاصة لتوصيل المساعدات وتفعيل ممر بري يربط الهند بأوروبا عبر العديد من
دول الشرق الأوسط،
هذه الفسيفساء المعقدة من العلاقات الدبلوماسية والمصالح الاستراتيجية والمخاوف الإنسانية؛ تلخص التحديات العميقة التي تواجه المجتمع الدولي في معالجة تطرف وعنف إسرائيل. إن الوضع في رفح ليس حادثا معزولا، بل هو انعكاس لنضال أوسع وأكثر عمقا من أجل العدالة والسلام والأمن في المنطقة، وهو انعكاس لحالة من التراخي العربي أمام القضية الفلسطينية
بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية
والأردن وإسرائيل، هذا المشروع الذي يوفر الأرضية المناسبة لإسرائيل لإطالة أمد
الصراع والاستمرار في ممارسة أبشع الجرائم في غزة، ويدفعها كذلك إلى التفكير بشكل
جديّ بشن هجوم بري واسع النطاق على مدينة رفح التي تضم حوالي 1.2 مليون نسمة حاليا.
وفي خضم هذه التطورات،
اتهمت حكومة الحوثيين الإمارات العربية المتحدة أيضا بتوظيف مرتزقة لتعطيل عمليات
الحوثيين في البحر الأحمر. وإن صحت هذه الاتهامات فهذا يعني أن هناك تنسيقا عالي
المستوى للتخلص من الضغط اليمني لوقف الحرب على غزة.
علاوة على ذلك، فإن
مبادرة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز التعاون بين قطاعها الحكومي والقطاع
الخاص، بهدف تحقيق قدر أكبر من التآزر مع الشركات الإسرائيلية، تمثل تحولا كبيرا
نحو علاقات اقتصادية واستراتيجية أكثر تكاملا على حساب الفلسطينيين، ويعكس هذا
النهج اتجاها أوسع للتطبيع والمشاركة العملية داخل المنطقة. إن التعاون بين
الإمارات العربية المتحدة والهند وغيرهما لضمان تدفق المساعدات والحفاظ على ممرات
لوجستية مفتوحة مع إسرائيل؛ هو شهادة أخرى على عدم وجود الرغبة في كبح جماح
إسرائيل وجوقتها من المتطرفين.
إن هذه الفسيفساء
المعقدة من العلاقات الدبلوماسية والمصالح الاستراتيجية والمخاوف الإنسانية؛ تلخص
التحديات العميقة التي تواجه المجتمع الدولي في معالجة تطرف وعنف إسرائيل. إن
الوضع في رفح ليس حادثا معزولا، بل هو انعكاس لنضال أوسع وأكثر عمقا من أجل
العدالة والسلام والأمن في المنطقة، وهو انعكاس لحالة من التراخي العربي أمام
القضية الفلسطينية.
الأزمة التي تتكشف فصولها في رفح، على خلفية الهجوم الإسرائيلي المحتمل، تشكل منعطفا حاسما بالنسبة للمجتمع الدولي والدول العربية. إنها لحظة تدعو إلى التأمل والتحرك، وتدفعنا لإعادة النظر في أساليبنا في التعامل مع الدبلوماسية الدولية، وحل الصراعات، والمساعدة الإنسانية
ومن خلال نسج خيوط هذه
الرواية المعقدة، يصبح من الواضح أن الطريق إلى الأمام يتطلب أكثر من مجرد
الإدانات الدبلوماسية، فهو يتطلب إعادة تنشيط الجهود الدولية التي تتجاوز
الدبلوماسية التقليدية لتشمل استراتيجيات شاملة تشمل الضغوط الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها. ويتعين على المجتمع العالمي أن يجد سُبلا
مبتكرة لسد الفجوة بين الخطاب والفعل، وضمان ترجمة التضامن مع الفلسطينيين -بل ومع
كل الشعوب التي تعاني من الصراع- إلى تدابير هادفة وفعالة لمنع وقوع المأساة
وتعزيز السلام الدائم.
وبالتالي، فإن الأزمة
التي تتكشف فصولها في رفح، على خلفية الهجوم الإسرائيلي المحتمل، تشكل منعطفا
حاسما بالنسبة للمجتمع الدولي والدول العربية. إنها لحظة تدعو إلى التأمل والتحرك،
وتدفعنا لإعادة النظر في أساليبنا في التعامل مع الدبلوماسية الدولية، وحل
الصراعات، والمساعدة الإنسانية.
وبينما نتطلع إلى
المستقبل، فإن الضرورة لا تقتصر على منع وقوع الكارثة المباشرة فحسب، بل أيضا على
معالجة القضايا الأساسية التي تديم دائرة الصراع والمعاناة. ولا يمكننا أن نأمل في
الاقتراب من عالم لا يكون فيه السلام مجرد طموح فحسب بل حقيقة ملموسة للجميع؛ إلا
من خلال جهود متضافرة ومتعددة الأوجه والتزام بالمعايير الأخلاقية والإنسانية، وهو
ما تفتقره دول العالم في تعاملها مع قضية غزة إلى هذه اللحظة.