وأخيرا حسمت
باكستان خياراتها، وانتخب برلمانها بعد
انتخابات تشريعية صاخبة نهاية الشهر الماضي، شهباز شريف كرئيس للوزراء الباكستاني
لفترة ثانية، بعد أن تنازل له شقيقه، رئيس حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف الفائز
في الانتخابات، عن المنصب، وهو العائد من المنفى الاختياري في لندن الذي دام أربع
سنوات. وقد شكر شهباز شريف في أول كلمة له بعد اختياره رئيسا للوزراء، شقيقه نواز
على اختياره لهذا المنصب.
شهباز شريف يقود اليوم تحالفا حكوميا مكونا من ستة
أحزاب باكستانية؛ في مواجهة حزب الإنصاف الذي يقبع زعيمه
عمران خان في السجن بتهم
مختلفة، وبينما حاز التحالف الحكومي في معركة اختياره كرئيس للوزراء على 201 صوت
برلماني، فقد نال مرشح حزب الإنصاف عمر أيوب خان على 92 صوتا برلمانيا، وسط
اتهامات الأخير للتحالف الحكومي بأنه نال هذه النتيجة نتيجة سرقة الأصوات والتلاعب
في الانتخابات، وهي الموضة التي درجت عليها الأحزاب السياسية خلال العقود الماضية
باتهام بعضها بعضا حين تخسر الانتخابات، ويفوز منافسوها فيها.
عمران خان الغائب الحاضر في هذه الانتخابات، لا يزال في السجن، أما ظله فحاضر وبقوة في كل تحرك معارض للحكومة، وهو الذي لا يزال يتهم المؤسسة العسكرية بإبعاده عن السياسة، من خلال تفضيلها لمنافسيه، ولذا سيبقى هذا أكبر تحدٍ يواجه الحكومة الباكستانية الحالية، إذ لا يزال عمران خان يتمتع بنفوذ وتأثير قويين، وحضور أقوى وسط الطبقة الشبابية
عمران خان الغائب الحاضر في هذه الانتخابات، لا يزال
في السجن، أما ظله فحاضر وبقوة في كل تحرك معارض للحكومة، وهو الذي لا يزال يتهم
المؤسسة العسكرية بإبعاده عن السياسة، من خلال تفضيلها لمنافسيه، ولذا سيبقى هذا
أكبر تحدٍ يواجه الحكومة الباكستانية الحالية، إذ لا يزال عمران خان يتمتع بنفوذ
وتأثير قويين، وحضور أقوى وسط الطبقة الشبابية التي تشكل أكثر من 65 في المئة من
الشعب الباكستاني. وقد أشّرت استطلاعات الرأي الأخيرة على هذا الحضور لعمران خان
وسط الطبقة الشبابية التي شاركت في التصويت لصالحه، وهو الأمر الذي يقلق العسكر،
ويقلق معهم الأحزاب الرئيسية السُّلالية.
قلق الأحزاب السياسية الباكستانية هذا انعكس مباشرة،
وظهر في تحالفها مع بعضها بهذا الشكل لأول مرة في تاريخها، كونها أدركت الخطر
الداهم عليها وعلى مستقبلها السياسي، ولذا فقد اتفق التحالف الحاكم الذي يقوده شهباز
شريف على إسناد منصب مرشح الرئاسة الباكستانية إلى زعيم حزب الشعب الباكستاني آصف
علي زرداري، وهو الأمر الذي كان في حكم الاستحالة قبل سنوات، نظرا للخلافات
بينهما، تماما كما تنازل حزب الإنصاف اليوم ليعرض مرشحه للرئاسة محمود خان أتشكزي؛
وهو الذي كان يتعرض بالسخرية والهزء والضحك لخطابات عمران خان قبل الاعتقال.
ثمة تحديات داخلية وخارجية بكل تأكيد أمام هذه الحكومة؛
فهي أولا ستظل أسيرة الاحتكاكات الداخلية مع معارضة قوية، تحظى بشعبية لا يُستهان
بها، بالإضافة إلى زعيم كعمران خان في السجن، تعززها مظلومية الزعيم والحزب، وفوق
هذا حاضنة شبابية قوية ومفعمة بالنشاط والحيوية، مما سيجعل الحكومة تحت ضغوطات
يومية وصعبة، تمنعها من التحرك السلس والسهل الذي تطمح إليه.
وهناك التحديات المعيشية التي أوصلت الشارع الباكستاني
إلى تضخم بلغ أكثر من 30 في المئة، الأمر الذي أرهق كاهل المواطن، فضلا عن مديونية
خارجية ضخمة، حيث أن فوائدها الربوية ترهق ليس الميزانية فقط، وإنما حتى الناتج
القومي المحلي الباكستاني. ومع هذا كله فإن ثمة فرصا حقيقية لهذه الحكومة، وهي التي
تعوّل عليها الدوائر الاقتصادية المحلية والدولية فضلا عن الشعب الباكستاني، ما
دام التحدي الاقتصادي هو الأساس في هذه التحديات.
فرصة الحكومة في الجانب الاقتصادي تتمثل في أن حزب الرابطة الإسلامية يتمتع بعلاقات قوية بدوائر رجال المال والأعمال الباكستانيين، فضلا عن الدوائر المالية الدولية التي تثق به، نظرا لعقلية وخلفية قادة الحزب المالية، ولذا فمثل هذه الخلفية قد تشكل رافعة حقيقية للواقع الاقتصادي الذي وصلت إليه باكستان بشكل عام. ومثل هذه الميزة لا تتمتع بها بالتأكيد المعارضة الباكستانية بزعامة عمران خان
فرصة الحكومة في الجانب الاقتصادي تتمثل في أن حزب
الرابطة الإسلامية يتمتع بعلاقات قوية بدوائر رجال المال والأعمال الباكستانيين،
فضلا عن الدوائر المالية الدولية التي تثق به، نظرا لعقلية وخلفية قادة الحزب
المالية، ولذا فمثل هذه الخلفية قد تشكل رافعة حقيقية للواقع الاقتصادي الذي وصلت
إليه باكستان بشكل عام. ومثل هذه الميزة لا تتمتع بها بالتأكيد المعارضة
الباكستانية بزعامة عمران خان، فهي لم تختبر السياسة المالية من قبل، ولذا كانت
نظرة رجال المال والأعمال إليها خلال فترة حكمها سلبية، وبأنها لا تحسن إدارة
هذا الملف الحساس.
على هذه الخلفية يبقى الأمل معلقا وبشكل كبير على
الحكومة الحالية في انتشال باكستان، وانتشال الشعب الباكستاني من الضائقة
الاقتصادية التي حلّت به، ولعل الإشارات التي أرسلها رئيس الوزراء في خطاب التنصيب
أشارت إلى ذلك؛ بأنه "لا يستقيم ولا يليق أن تكون باكستان الدولة النووية في
العالم عليها مديونية بهذا الحجم الكبير، وسنعمل بكل ما أوتينا من قوة على ردم هذه
الفجوة" بحسب خطاب رئيس الوزراء الجديد.
أما تحديات السياسة الخارجية فهي لا تزال هي نفسها،
وربما مثل هذه الملفات ستبقى في قبضة المؤسسة العسكرية بحسب ما كشف عنه مسار
السنوات الماضية.