نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا، لتوماس فريدمان، كشف فيه أنه "قضى الأسبوع الماضي على متن مروحية سي أتش شينوك يتجوّل على سبع قواعد عسكرية أمريكية في غرب الأردن وشرقي
سوريا، حيث كان برفقة قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط، الجنرال مايكل كوريلا".
وتابع: "على خلاف النقطة الساخنة والخطيرة بين الصين والولايات المتحدة في مضيق تايوان حيث تستعرض الطائرات الصينية قوتها كل يوم فيما تراقب البحرية الأمريكية المناطق القريبة من المضيق، فما رآه في سوريا والأردن لا يعطي صورة عن حالة توازن، بل شرق أوسط آخر بدأ على حد زعمه بعد عملية حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
وأضاف: "وهذا الشرق الأوسط المختلف يضع إيران وجماعاتها الوكيلة مثل حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية ضد شبكة صغيرة من القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا والأردن والتي أنشئت عام 2014 لتدمير تنظيم الدولة الإسلامية، وضد الوجود الأمريكي البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، التي تمر منها خطوط الملاحة الدولية".
ويقول إن الجماعات الشيعية المسلحة في العراق والمقاتلين الحوثيين في اليمن لا تبدو أنها تهديد خطير "لكن عليك ألا تنخدع، فقد تعلموا كيف يسلحون وينبون وينشرون أنواعا متفوقة من الأسلحة في العالم، وهي الأسلحة التي تقدمها إيران وتستطيع ضرب هدف حجمه ثلاثة أقدام على مسافة 500 ميل".
ويقضي الجنود الأمريكيون والبحارة الذين نشروا في هذه القواعد وقتهم في ألعاب فيديو لكنهم يواجهون الواقع الحقيقي، وباتوا يستخدمون أنظمة الكمبيوتر والمعدات المتفوقة لمواجهة واعتراض كل صاروخ ومسيرة تطلقها جماعات إيران عليهم.
ووفقا لفريدمان فالأمريكيون ليسوا متأكدين إن كانوا في حالة حرب مع إيران، إلا أن الحرس الثوري يعرف أنه يخوض حرب ظل مع أمريكا عبر الجماعات الوكيلة. ولو كانت إحدى هذه الجماعات الوكيلة محظوظة ووجهت ضربة للبحرية الأمريكية في البحر الأحمر أو الثكنات في سوريا والأردن، وتسببت بضحايا على قاعدة هجوم بيروت عام 1983 ضد المارينز، فسيخرج النزاع بين الولايات المتحدة وإيران من الظل ويصبح حربا مباشرة وفي منطقة يعتمد العالم على نفطها.
ويقول فريدمان إن "الشرق الأوسط الآخر بدأ في 17 تشرين الأول/ أكتوبر أي بعد عشرة أيام من عملية حماس وعندما قررت إيران تفعيل كل جماعاتها الوكيلة. وتحت غطاء الحرب في غزة والمشاعر المعادية للولايات المتحدة التي ولدتها الحرب في المنطقة، فقد حاولت إيران رؤية إن كانت تستطيع إضعاف شبكة القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا والأردن وربما دفع كل القوات الأمريكية للخروج بشكل كامل من المنطقة".
وتابع: "وربما كان لدى إيران دافع آخر وهو تخويف حلفاء أمريكا العرب وإظهار ما يمكن أن تتسبب به من ضرر على حاميتهم أمريكا". ويرى فريدمان أن هذه أخطر لعبة ديكة في العالم ولأسباب ثلاثة:
الأول، هو حجم الصواريخ والمسيرات التي أطلقها الحوثيون والجماعات العراقية المسلحة. وبحسب القيادة المركزية، فقد تم إطلاق مئات الرؤوس الصاروخية أرض- بحر وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والمسيرات الهجومية والقوارب الانتحارية السريعة والمسيرات تحت الماء على البوارج الأمريكية والقواعد العسكرية.
وكل هذه الأسلحة جاءت من إيران واستخدمت منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر. ويعلّق الكاتب أن أمريكا ولحسن الحظ استطاعت اعتراض وحرف مسار معظم هذه الترسانة من خلال أجهزة اعتراض وشبكة متقدمة من الرادارات وإجراءات مضادة أخرى ونشرت في البوارج البحرية والقواعد العسكرية في الصحراء.
ولم تكن هذه مهمة سهلة، فقد نجحت بعض الصواريخ والمسيرات بالوصول إلى أهدافها وأدت لجرح حوالي 180 جنديا حسب القيادة المركزية وتركت أضرار القواعد وهو ما شاهده الكاتب أثناء جولته. وتم تحصين القواعد المكونة من وحدات محاطة ومفصولة بمئات من الكتل الإسمنتية التي استوردتها الولايات المتحدة للحد من الضرر الذي يمكن لأي رأس صاروخي التسبب به.
ويستطيع الجنود التواصل مع عائلاتهم عبر فيستايم ومتابعة المباريات الرياضية. وتقدم المطابخ المتقشفة اللحم البقري المعلب وربما قدمت منشآت أحسن مجموعة مختارة من الفواكه الطازجة.
ولأن هذه القواعد مصممة لكي تمنع تنظيم الدولة من إعادة تنظيم نفسه وبناء خطوط إمدادات وحشد قواته، فلا تستطيع ردع أو مواجهة هجمات صواريخ حديثة وترسانة عسكرية قدمتها إيران للجماعات الوكيلة.
ولهذا السّبب نجح هجوم إيراني لجماعة تطلق على نفسها المقاومة الإسلامية بقتل جنود أمريكيين في برج-22 بالأردن، وذلك عندما أطلقت رأس صاروخيا بزنة 20 رطلا على الموقع العسكري في 28 كانون الثاني/ يناير.
ويقول "إنه زار برج- 22 مع الجنرال كوريلا، الأسبوع الماضي، ودهش عندما علم عن الطريقة القوية التي شجع فيها الإيرانيون جماعاتهم الوكيلة لممارسة القسوة، مما يجعل هذه الحرب خطيرة. ووصف الجنرال كوريلا ما أسماه "حوار" الردع الذي قامت به القيادة المركزية مع إيران بعد عملية برج-22 والتأكيد لطهران أنها تقوم باللعب بالنار".
وتابع: "في 2 شباط/ فبراير شنّت الولايات المتحدة هجوما ضد شبكة من جماعات إيران الوكيلة وبعد يوم ضربت مواقع للحوثيين في اليمن، مستهدفة أكثر من 100 هدف، وباستخدام مقاتلات بي-1 وصواريخ كروز ومقاتلات انطلقت من بارجة أيزنهاور في البحر الأحمر. وقتل حوالي 40 شخصا في الغارات الانتقامية الأمريكية".
وأردف: "وتوجت الهجمات بقتل زعيم في كتائب حزب الله، وهو أبو بدر الساعدي، في محاولة للكشف عن قدرة أمريكا الاستخباراتية وما يمكن أن تنشره من قدرات في حرب الظل مع إيران. وقتل الساعدي وهو يقود سيارة في شارع بالعاصمة بغداد وبنفس الصاروخ "هيلفاير" الذي استخدم لقتل الجنرال قاسم سليماني أثناء خروجه من مطار بغداد في عام 2020".
أما الثاني، فيزعم فريدمان، أن الرد الأمريكي كان رسالة انتبهت إليها إيران ودفعتها لهدنة، مع أن حركة الحوثيين لم تلتزم بوقف إطلاق النار غير الرسمي. فقد واصلوا استهداف السفن التجارية المرتبطة بدولة الاحتلال الإسرائيلي أو المتجهة للموانئ الإسرائيلية إلى جانب السفن البريطانية والأمريكية.
ولاحظ الكاتب، في جولته، على القواعد ملمحا آخر من حرب الظل، ففي كل قاعدة زارها كانت هناك غرفة محظورة على الصحافيين يطلق عليها مركز التكامل القتالي، ففي هذه الغرفة يقوم الجنود الأمريكيون الشباب بمتابعة شاشات كبيرة وتحديد أي هدف طائر وتحديد ما إذا كانت هناك ضرورة لتفعيل الرادار أو تجاهله وتركه يمضي نظرا لأنه لن يصل إلى الهدف.
وعلى المشغلين في المركز القرار خلال 90 ثانية فيما إن كانت هناك حاجة لضرب المسيرة القادمة بمسيرة اعتراضية. وزار فريدمان مخيم الهول الذي يحتجز فيه حوالي 43,000 من نساء وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة. وتحدّث الكاتب مع أمريكيات انجذبن لتنظيم الدولة وأنجبن ستة أو سبعة أطفال من عدة مقاتلين قتلوا في الغارات الأمريكية.
والسبب الثالث يتعلق بسبب بقاء القوات الأمريكية في هذه المناطق، وقبل أن يجيب وصف المشهد خلال زيارته ثكنة التنف القائمة عند نقطة التقاء الحدود الأردنية والسورية والعراقية، حيث حضر حفلا عسكريا قاده كوريلا. ثم أجاب عن سبب بقاء القوات الأمريكية في هذه المنطقة.
ويعود للوراء حيث يقول إنه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وحتى عام 2000 كانت هناك آمال بإمكانية إنشاء سياسة اجتماعية وديمقراطية في هذا الجزء من العالم ونتيجة لاتفاق أوسلو ووادي عربة بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي ثم انتفاضات الربيع العربي والاندماج الناجم عن العولمة. ولم يحدث هذا، فبدلا من الديمقراطية أنتجت المرحلة دولا فاشلة، ولم يعد الانقسام بين الدول الديمقراطية والديكتاتورية ولكن بين الفوضى والنظام.
ولهذا السبب فإن وجود القوات الأمريكية في شرق سوريا والبحر الأحمر يمنع من انتشار الفوضى "هناك" إلى هنا، ويعني بالفوضى الجماعات المشابهة لتنظيم الدولة والدول الفاشلة مع سوريا والتي تقضي على الدولة القطرية. ربما لم تكن الحياة جيدة في هذه المناطق للجنود الأمريكيين الذين يرتدون الدروع العسكرية طوال اليوم ويأكلون النقانق البقرية، لكنها الطريقة الوحيدة لمنع حرب الظل في المنطقة من الخروج للعلن وفي أي وقت.