أعلن البنك المركزي
المصري قبل يومين تحرير سعر صرف
الجنيه
بعدما رفع أسعار الفائدة 6 في المئة بشكل مفاجئ، وهو ما أثار حفيظة كثير من المصريين،
للآثار المترتبة على قرار التعويم الذي بدوره سينعكس سلبا على أسعار السلع في البلاد،
إلا أن المتابع للشأن
الاقتصادي في مصر قد لا يفاجئه قرار البنك المركزي، بل أجزم بأنه
قد يسأل نفسه لماذا تأخروا في ذلك؟!
فقبل شهر تقريبا، أعلن السيسي عن قرارات ما قبل التعويم، التي شملت رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة أجور العاملين في الدولة، فضلا عن إعلان
بنوك مصرية عن شهادات ادخار جديدة بعائد كبير؛ في خطوة وصفها الكثيرون آنذاك بأنها
تمهد للتعويم بشكل كبير، وهو ما نفته الحكومة بشكل قاطع، بعدما استنفرت متحديثها
والإعلاميين المقربين منها كافة، للتأكيد أن القرارات ليس لها علاقة بالتعويم، قبل أن
يفاجئهم البنك المركزي المصري بقرار التعويم.
ومنذ إعلان القرار، تابعت كغيري ردود الفعل التي امتلأت
بها مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر ما استوقفني من ردود فعل، كانت تلك التي كتبها أحد
الأصدقاء سائلا أو مستنكرا: "طب وفلوس رأس الحكمة؟"، وأتبعها بسؤال: لماذا
التعويم الآن؟! أليست الحكومة هي من كانت تؤكد الأيام الماضية بأن العائد المالي للصفقة
سيكون له أثره البالغ على الاقتصاد المصري، في وقت لا يخفي حاله عن الجميع؟
لماذا تصر الحكومة على بيع الوهم للمصريين مرة تلو مرة، بأن الأزمة الاقتصادية قد قاربت على الانتهاء، وأن البلاد في مرحلة الخروج من عنق الزجاجة، ثم تصدمهم بواقع مختلف تماما عن ذلك الذي كانت تسوقه لهم؟
ولعل الإجابة
هنا يمكن اختزالها في غياب الشفافية والإصرار على بيع الوهم للمصريين، ولطالما ارتبط
غياب الشفافية وسياسة بيع الوهم بحكم الأنظمة العسكرية، التي تبنى أسس حكمها على مبادئ
السيطرة والتحكم في المعلومة، وهو ما يعد عملا مستحيلا هذه الأيام لسهولة الحصول
على المعلومة، حتى وإن كانت على غير رغبة الحاكم الذي لا يترك فرصه لشعبه إلا وأخبرهم
فيها "متسمعوش كلام حد غيري".
ولكن السؤال الأهم الذي يجب طرحه هنا: لماذا تصر الحكومة
على بيع الوهم للمصريين مرة تلو مرة، بأن الأزمة الاقتصادية قد قاربت على الانتهاء، وأن
البلاد في مرحلة الخروج من عنق الزجاجة، ثم تصدمهم بواقع مختلف تماما عن ذلك الذي كانت
تسوقه لهم؟ وقبل الإجابة على السؤال، يجب أن تلاحظ أن قطاعا واسعا من المصريين، بات لديهم حالة يأس من تحسن الواقع الاقتصادي الحالي، ولكنهم يغالبون أنفسهم ويتعلقون بأقل
القليل من الأمل الذي تصدره الحكومة يوميا حتى ولو كان كاذبا، كعادة الكثير من أهل
مصر الذين لا تخلو ألسنتهم من "إن شاء الله الأمور تتحسن".
شعبيا في مصر اليوم، ما يؤرق المصريين هو ارتفاع أسعار
السلع بشكل كبير مع تراجع القوة الشرائية للجنية بعد قرار التعويم، الذي سيفقد غالبيتهم
ممن يعيشون على حد الكفاف، القدرة على تلبية متطلباتهم اليومية، فضلا عن تأثير القرار
على
الأزمات التي تشهدها بعض السلع الغذائية كالسكر؛ الذي أصبح من النادر أن تجده
على رفوف البقالات في مصر، وإذا وجدته كان بأسعار في متناول المواطن الثري وليس المتوسط،
الأزمة الاقتصادية في مصر منذ البداية لم تكن محصورة في سعر صرف العملة؛ لأن هذا عرض للمرض، ولكن جوهر الأزمة يكمن في الاستبداد بالقرار، وغياب الرقابة والشفافية، وانتشار الفساد وسوء التخطيط، وقد بدا اليوم للجميع، إلى أي مدى يمكن للسلطة أن تستخدم إعلامها وصحفها ولجانها الإلكترونية كمنصات للتضليل والخداع.
وإذا كنت من عامة الشعب كحال كاتب هذه السطور، فينبغي عليك أن تقف في طوابير طويلة أمام
أحد المعارض التي تنظمها الدولة، وتضع عليها لافتات تأييد للزعيم صاحب الإنجازات التي
لا تحصى.
أما نخبويا، فالأمر أعقد من ذلك، فالأزمة الاقتصادية التي
تعصف بالبلاد ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج لسياسات خاطئة بدأها السيسي منذ سنوات في
بداية حكمه؛ حينما استنفر كل مؤسسات الدولة المالية، وسخّر من أرصدتها من أجل شق تفريعة
جديدة لقناة السويس (أنفق فيها 64 مليار جنية مصري، كان سعر الصرف آنذاك 6 جنية أي
8.4 مليار دولار أمريكي)..
باع السيسي الوهم للمصريين حينها بأن القناة الجديدة سوف
تجلب لهم الرخاء، ليخرج لاحقا بعدما نجحت تفريعته الجديدة في تغيير واقع المصريين من
السيئ للأسوأ؛ عقب قرار التعويم الذي اتخذه البنك المركزي في ذلك الوقت، ليقول؛ إن شق
القناة كان ضروريا من أجل رفع حالة الروح المعنوية للمصريين.
وهنا، يجب التأكيد أن هناك من يتصور أن الأزمة الاقتصادية
في مصر منذ البداية لم تكن محصورة في سعر صرف العملة؛ لأن هذا عرض للمرض، ولكن جوهر
الأزمة يكمن في الاستبداد بالقرار، وغياب الرقابة والشفافية، وانتشار الفساد وسوء التخطيط،
وقد بدا اليوم للجميع إلى أي مدى يمكن للسلطة أن تستخدم إعلامها وصحفها ولجانها الإلكترونية
كمنصات للتضليل والخداع، فكل ما روجوه طوال الأسابيع الماضية، كان ضد ما أعلنوه مؤخرا،
وهو ما يفسر انهيار الثقة لدى عموم المصريين في نظام الحكم.