قال المحلل الأمريكي نيكولاس غفوسديف، أستاذ دراسات الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأمريكية، إن أحد أسباب عدم تحقيق تقدم في تقليص الأسلحة
النووية التكتيكية بشكل كبير، على الرغم من طرح مثل تلك المقترحات على الطاولة بعد نجاح معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى عام 1987، هو أن
روسيا كانت دائما تعتبر الأسلحة النووية التكتيكية قدرة أخيرة لحماية الدولة في حالة الانهيار التام أو هزيمة قدراتها العسكرية التقليدية.
وتساءل غفوسديف الذي يشغل منصب مدير برنامج الأمن القومي في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، عن ما إذا كانت هذه التسريبات، خاصة بشأن الخطط الروسية لاستخدام تلك الأسلحة لوقف أي غزو صيني، تغير أي شيء؟
وأضاف غفوسديف، الذي يشغل منصب مدير برنامج الأمن القومي في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، أن وظيفة المؤسسات العسكرية في مختلف أنحاء العالم، في المقام الأول هي التصور والاستعداد لأي سيناريو مهما كان مستبعدا. وقد احتفظت
الولايات المتحدة بخطط حربية لغزو كندا حتى القرن العشرين.
وتابع: "جزء من الحسابات التي دفعت الولايات المتحدة إلى قبول قيود على بناء السفن الحربية في العديد من المؤتمرات البحرية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، هو إمكانية اندلاع صراع مستقبلي مع بريطانيا العظمى".
وأوضح أنه "في الواقع، تفترض فكرة التخطيط القائم على أساس القدرات (في مقابل التخطيط القائم على أساس سيناريو معين) أن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة للتغلب على القدرات، وليس الثقة في أن الأيدي التي تمتلك هذه القدرات ستكون صديقة ولن تستخدمها ضد الولايات المتحدة أو مصالحها".
ويرى غفوسديف أنه رغم أن هذه الوثائق كتبت في الفترة بين عامي 2008 و2014، خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، فإن هيئة الأركان العامة الروسية تلقي نظرة بعيدة المدى.. فالشركاء الحاليون اليوم، ومن بينهم تركيا والصين، كانوا في الماضي منافسين استراتيجيين.
وأكد، أنه "لا تزال المؤسسة الأمنية الوطنية الروسية تنتهج حكمة أو مقولة القيصر ألكسندر الثالث، الذي أشار إلى أن الحلفاء الحقيقيين والدائمين لروسيا هما فقط جيشها وبحريتها وبعبارة أخرى، ترى روسيا شراكاتها في إطار المعاملات والمواقف".
ويذكر مثالا على ذلك.. فقد كانت أنقرة وبكين تعارضان موسكو في الماضي لكنهما تتعاونان معها اليوم لأن هذا من مصلحتهما. وإذا تغيرت الحسابات فإن العلاقات ستتغير أيضا.
وبين غفوسديف أن المحرر المؤسس لمجلة ناشونال إنتريست، أوين هاريس، قال ذات مرة إن الولايات المتحدة “تعرض التحالفات بشروط سهلة”.
وتفترض واشنطن أن الحلفاء لن يكون لديهم أي سبب للتحول ضدها.. في المقابل موسكو تؤمن بأنها إذا أظهرت أي علامة على الضعف أو التدهور، فسيرى شركاؤها الاستراتيجيون الحاليون أن هذا يشكل فرصة لتغيير معايير شراكاتهم لكي تكون لصالحهم، وفقا لغفوسديف.
وأكد المحلل أن هذا الموقف ظهر في العامين الماضيين حيث تستخدم روسيا الجزء الأكبر من قوتها في متابعة تنفيذ “عمليتها العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، على الرغم من تكبد خسائر عسكرية كبيرة من المقاومة الأوكرانية، بالإضافة إلى الضرر الاقتصادي الناجم عن العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وبحسب المحلل فقد تمكنت تركيا والصين من الضغط لإجراء مراجعات لشراكتهما مع روسيا، خاصة في الجانب الاقتصادي.
وتعتبر تركيا أنقرة سببا رئيسيا لنجاح “الممر الأوراسي” الذي مكّن روسيا من تخفيف بعض من تأثير العقوبات الغربية وتحويل التوازن في كل من القوقاز والبحر الأسود لصالح تركيا.
من جانبها، تمكنت
الصين من تغيير شروط التجارة ليتم تسعير الموارد الروسية بالعملة الصينية ولصالح حصول الصين على تخفيضات إضافية. وإذا استمرت القوة الروسية في التراجع، فماذا سيحدث بعد ذلك؟
وتابع: "قبل عقدين من الزمن، أشار المحلل السياسي الأمريكي راجان مينون، إلى إمكانية حدوث سيناريو تتمكن فيه الصين، حتى إذا لم تضم بشكل رسمي أراضي روسية سابقة في سيبيريا والشرق الأقصى، من ممارسة سيطرة فعلية، وهذا يغذي الكابوس الجيوسياسي الذي يخشاه الكرملين منذ مدة طويلة، والذي يتمثل في روسيا ضعيفة مقسمة إلى مناطق نفوذ غربية أوروبية، وشرق أوسطية وصينية.
وتساءل غفوسديف عن ما إذا كان قد تم تسريب هذه الوثائق بشكل استراتيجي - في هذا الوقت بشكل خاص - لتذكير الصين والولايات المتحدة بأن روسيا تدرس حدا أدنى للاستخدام النووي كتحذير ضد استغلال نقاط الضعف الروسية؟
وختم بالقول، يكمن جمال التسريب في أن الكرملين يستطيع أن ينأى بنفسه رسميا عن الوثائق لكنه في الوقت نفسه يحقق الهدف منها، ويتم تذكير الصين بأن الاشتباك مع روسيا سيكون مكلفا، وأنه يمكن تحقيق أهداف بكين ورغباتها بشكل أفضل من خلال استمرار التعاون داخل الإطار الحالي للعلاقات الصينية الروسية، وأضاف: "نعم، ربما يكون الدب الروسي مريضا، إلا أن مخالبه لا تزال حادة".