سلطت بيانات
مصرية رسمية، كشفت عنها الحكومة مؤخرا، عن حجم أزمة موارد البلاد الدولارية، وذلك بعد تراجعها إلى أدنى مستوى في 6 سنوات وبنسبة تراجع بلغت 24 في المئة، ما تسبّب في واحدة من أسوأ أزمات نقص العملة الأجنبية جعلتها على حافة الإفلاس.
وكشفت النشرة السنوية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، أن إجمالي حصيلة مصر من النقد الأجنبي خلال العام المالي 2022-2023 انخفضت إلى 121.9 مليار دولار خلال عام 2022-2023، بينما كانت نحو 160.5 مليار دولار عام 2021-2022 بنسبة تراجع بلغت 24 في المئة، وذلك نتيجة انخفاض المتحصلات الحكومية.
وتمثل هذه الأرقام أهم 5 مصادر، حصيلة النقد من قناة السويس والسياحة والاستثمار الأجنبي والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج في العام المالي الماضي 121.9 مليار دولار، وهي الأسوأ منذ 2016-2017 هبوطًا من 160.5 مليار دولار في العام المالي السابق.
وحقّقت بعض تلك المصادر تراجعا كبيرا على رأسها تحويلات المصريين العاملين في الخارج حيث انخفضت خلال العام المالي 2022-2023، بأكثر من 10 مليارات دولار وبنسبة 30.8 في المئة على أساس سنوي، بحسب بيانات رسمية.
وتصدرت الدول العربية، جُملة المتحصلات بقيمة 45.6 مليار دولار وبنسبة 37.4 في المئة، جاءت السعودية في صدارة تلك الدول حيث بلغت إجمالي المتحصلات 18.3 مليار دولار بنسبة 15 في المئة، يليها الإمارات بإجمالي متحصلات بلغت 12.8 مليار دولار.
إجراءات نقدية مؤلمة
أدّى تراجع حصيلة مصر من الموارد الدولارية إلى أسوأ أزمة نقد أجنبي في البلاد، إلى جانب خروج استثمارات أجنبية في أدوات الدين الحكومية بنحو 22 مليار دولار، أدّت إلى خفض قيمة الجنيه 4 مرات كان آخرها في آذار/ مارس الجاري حيث هبط الجنيه من بداية الأزمة من مستوى 15.7 جنيه إلى حوالي 47.7 جنيه للدولار الواحد.
ورفع البنك المركزي المصري الفائدة من مستوى 9.25 في المئة و10.25 في المئة في آذار/ مارس 2022 إلى 27.25 في المئة و28.25 في المئة بزيادة قدرها 17 في المئة من أجل إعادة جذب أموال المستثمرين في أدوات الدّين الحكومية مُجددا ما يُنذر بتكرار أزمة خروجها في أي وقت، رغم حديث الحكومة المصرية عن أنها تعلمت الدرس في أعقاب خروجها قبل عامين.
وقفز حجم الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية "الأموال الساخنة" التى ضخها المستثمرون الأجانب بعد قرار تحريك سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة (6 في المئة) فى 6 آذار/ مارس الحالي وحتى الآن تراوحت بين 14 إلى 16 مليار دولار، بحسب صحيفة المال المحلية.
آثار تراجع الإيرادات الدولارية الكارثية
انعكس انخفاض الجنيه بحوالي 200 في المئة ورفع العائد على الفائدة إلى تضخم غير مسبوق وصفه رئيس وزراء الحكومة بالتاريخي وتجاوز العام الماضي الـ41 في المئة، وارتفعت الأسعار منذ عامين أكثر ما بين 200 في المئة و400 في المئة ما تسبب في موجة غلاء غير محتملة.
ودفع هذا التدهور الكبير الحكومة المصرية، إلى زيادة الأعباء على المواطنين، رغم اتخاذها بعض الإجراءات بدعوى تعويض المتضريين، قامت بزيادة أسعار رسوم الخدمات الحكومية بشكل كبير تجاوز 300 في المئة ورفعت أسعار الطاقة والوقود والكهرباء والغاز أكثر من مرة بنسب تجاوزت الـ100 في المئة، وتقلص الدعم التمويني 75 في المئة على الأقل، 50 جنيها للفرد شهريا.
تأمل مصر في زيادة الحصيلة من النقد الأجنبي خلال العام المقبل 2024-2025 بعد توصلها إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على استئناف برنامج المساعدات المعلق وزيادته من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، وعقد صفقة استثمارات مع الإمارات للحصول على مدينة رأس الحكمة الساحلية هي الأكبر في مصر بمبلغ 35 مليار دولار منها 11 مليار دولار ودائع لدى البنك المركزي المصري.
وفي إطار اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي على تأمين حدودها من البحرية وعدم السماح للاجئين بالهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، ومساعدة مصر في أزمتها المرتقبة من احتمال استقبال لاجئين من غزة سوف تحصل على 8 مليارات دولار و6 مليارات أخرى من البنك الدولي على عدة سنوات.
هدوء مؤقت وتدفقات غير مستدامة
استبعد أستاذ الاقتصاد بالجامعات الأمريكية، مصطفى شاهين، تكرار أزمة النقد الأجنبي في مصر على المدى القريب، وقال: "مصر حصلت على حزمة مساعدات ودعم وقروض كبيرة جدا تقترب من 60 مليار دولار سوف تبعدها بعض الوقت عن أزمة نقص الدولار، إلى جانب تدفقات أموال أجنبية في أدوات الدين المحلية للاستفادة من ارتفاع الفائدة".
وأضاف لـ"عربي21": "الأمر العام المقبل أصبح مختلفا، ولولا ذلك ما أصدروا هذا البيان، والغرض هو أن حصيلة الدولارات العام الماضي تأثرت بشدة وأن هذا العام سيكون الوضع أفضل بكثير عما كان عليه العام الماضي 2022-2023، ولكن يبقى السؤال ماذا بعد؟".
ولكن الخبير الاقتصادي توقع "أن تكون هذه التدفقات مؤقتة وليست دائمة، وأن تظل أزمة الدولار قائمة في مصر، ولكن تزيد حدتها وتخفت بحسب التطورات الاقتصادية، ومن الصعب الاعتماد على الأموال الساخنة واستثمارات الآخرين في تحقيق استقرار مالي واقتصادي في أكبر بلد عربي".
رهن الاقتصاد المصري بأيدي المانحين
اعتبر الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، أن "إيرادات أو حصيلة مصر من العملة الأجنبية تكشف، في بداية الأمر، أن إيرادتها متواضعة للغاية مقارنة بإحدى الشركات الأمريكية، وربما أقل من شركة من شركات التكنولوجيا الكبيرة، وهو ما يكشف حقيقة ضعف قيمة الاقتصاد المصري الذي لا يتضمن أي قيمة مضافة تجعله قادر على تحمل أي صدمات خارجية".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن "اعتماد مصر على المساعدات والقروض والمنح والمساعدات والأموال الساخنة يجعلها عرضة لتقلبات التطورات الجيوسياسية، وغير قادرة على تحمل الصدمات الناجمة عن تلك التغيرات المفاجئة وترهن قراراتها السياسية والاقتصادية بيد الجهات والمؤسسات والدول المانحة كما حدث ويحدث طوال 12 عاما".
إلى ذلك، حذّر يوسف من مغبة "استمرار السياسات الاقتصادية القديمة في الإنفاق على مشروعات عديمة الجدوى، والتوسع في الاقتراض وطباعة النقود، واستمرار تراجع صادرات مصر، وعدم قدرتها على كبح جماح التضخم، والحفاظ على أسعار الفائدة مرتفع لمواصلة تدفقات الأموال الساخنة".