يبدأ الرئيس
السنغالي المنتخب، باسيرو ديوماي فاي، الخميس، زيارة لموريتانيا هي أول زيارة خارجية له منذ وصوله للسلطة في انتخابات رئاسية مثيرة قبل أسابيع؛ وذلك وسط مخاوف من عودة التجاذب بين البلدين الجارين بعد سنوات من الهدوء.
ففور فوز باسيرو ديوماي فاي، بانتخابات الرئاسة في السنغال أعادت وسائل إعلام موريتانية نشر مقابلة سابقة لرفيق باسيرو ورئيس حزبه عثمان سونغو نشرت عام 2019، تحدث فيها عن رؤيته للعلاقة مع
موريتانيا، مشيرًا خلالها إلى أن جميع الرؤساء السنغاليين كانوا متصالحين مع موريتانيا.
سونغو تحدث حينها في المقابلة أيضا عن أن "
الرئيس السنغالي الأسبق عبدو ضيوف سلم الضفة اليسرى لموريتانيا دون استفتاء، واستمر الوضع على هذا الحال، فيما تم ترك 50 بالمائة من غاز السنغال لموريتانيا دون أخذ وجهة نظرنا".
كذلك، أكد على ضرورة إحياء "مشروع الأحواض الناضبة" من أجل تطوير الزراعة في بلاده، بالرغم من الرفض الموريتاني.
هذه التصريحات أثارت مخاوف الجانب الموريتاني بشأن مستقبل العلاقة بين البلدين، وتعززت هذه المخاوف بعد أن عين باسيرو، رفيقه عثمان سونغو، رئيسا للحكومة.
رسالة خاصة
لكن الرئيس السنغالي المنتخب أراد على ما يبدو تبديد مخاوف موريتانيا، بهذا الخصوص، واختار
نواكشوط لتكون أول عاصمة يزورها بعد توليه السلطة.
وقالت الرئاسة السنغالية في بيان، إن زيارة ديوماي فاي، لموريتانيا تأتي في إطار "مواصلة تعزيز روابط حسن الجوار التاريخية، والتلاقح الاجتماعي والثقافي، بين البلدين".
ووفق البيان فقد حث الرئيس السنغالي حكومته على إيلاء اهتمام خاص للحفاظ على العلاقات الودية التي تربط السنغال بجيرانها، و"العمل على تعزيزها"؛ فيما يبدو أن نواكشوط تفاعلت إيجابا واعتبرت ذلك بمثابة رسالة إيجابية "تنم عن متانة العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط البلدين".
وعشية الزيارة قال المتحدث باسم الحكومة الموريتاني، الناني ولد اشروقه، في مؤتمر صحفي، تابعه مراسل "عربي21" إن اختيار باسيرو، موريتانيا كأول بلد يزوره بعد انتخابه بمثابة "رسالة خاصة".
وأضاف: "نحن فخورون بهذا القرار ونعتبره رسالة خاصة تنم عن متانة العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين".
وقبل ذلك حرص الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني على حضور حفل تنصيب باسيرو، ثم أجرى الرئيسان بعد ذلك مباحثات هاتفية، أكدا خلالها عزمهما تعزيز علاقات البلدين.
رغبة واضحة في التهدئة
ويرى متابعون أن المؤشرات التي صدرت عن المسؤولين في البلدين تنم عن رغبة واضحة في التهدئة وعدم الانجرار نحو أي مواقف قد تثير الحساسيات أو تهز علاقات البلدين الجارين.
ويقول المحلل السياسي الموريتاني، الخليفة ولد أحمد، إن مشاركة غزواني في حفل تنصيب باسيرو، ومحادثاتهما الهاتفية بعد ذلك، والاتصال الهاتفي أمس بين رئيس الوزراء الموريتاني، محمد ولد بلال، ونظيره السنغالي، عثمان سونغو، تظهر رغبة البلدين في أن تستمر العلاقات كما كانت عليه في عهد الرئيس السابق ماكي صال.
وأضاف ولد أحمد في تصريح لـ"عربي21": "هذه الاتصالات المكثفة والتصريحات الإيجابية، هي رسائل متبادلة بين الطرفين بالرغبة في استمرار التهدئة".
ولفت المتحدث إلى أن الإكراهات السياسية والاقتصادية، تفرض على البلدين مستوى من ضبط علاقاتهما والابتعاد عن أي تصعيد.
علاقات حساسة
توصف العلاقات الموريتانية السنغالية بأنها معقدة وحساسة، وتعرف مدّا وجزرا، بسبب ملفات الصيادين التقليديين، وغيرها من الملفات التي تثير التوتر من حين لآخر.
وكانت السنوات من 1989 إلى 1991 الأكثر صعوبة في تاريخ علاقات البلدين، حيث شهدت توترا وتصادمات عرقية، جراء نزاع بين مزارعين سنغاليين ورعاة إبل موريتانيين، أدى إلى تهجير قسري لرعايا البلدين.
ويرى متابعون أن بدء استغلال حقل غاز مشترك بين البلدين سوف يجبرهما على ضبط علاقاتهما وتفادي كل ما من شأنه توتيرها.
ومن المقرر أن يبدأ البلدان بتصدير أول شحنة من حقل "السلحفاة" المشترك بينهما نهاية العام الجاري، حيث تُقدر احتياطاته من الغاز بـ25 تريليون قدم مكعب.
ويرى متابعون أنه بالرغم من أن هاجس عدم الثقة ظل حاضرا في العلاقات الثنائية منذ أحداث 1989، فإن المصالح المشتركة وعلى رأسها الغاز المكتشف، باتت تفرض على البلدين تناسي خلافاتهما التاريخية.