في 16 أبريل المنصرم، نشر عضو الكونغرس
ستيني هوير تصريحاً على موقعه الرسمي تضمّن العديد من المغالطات حول حماس وإسرائيل
والدور الذي تلعبه قطر في الأزمة. وفي بيانه، هدّد النائب المذكور الدوحة بإعادة
النظر في طبيعة علاقتها مع الولايات المتّحدة الامريكية إذا لم تقم بتأمين نتيجة
مرضية لإسرائيل في نهاية المطاف، قائلاً "إذا فشلت قطر في ممارسة هذا الضغط
(على حماس)، فيجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم علاقتها مع قطر.
وقد ردّت السفارة القطرية في واشنطن على
تصريحات النائب الأمريكي مشيرة الى إستغرابها إستخدام النائب لغة التهديد، موضّحة
أن نتيجة التفاوض تقع على عاتق الطرفين المنخرطين، مذكّرة إياه بطبيعة العلاقة
القطرية- الامريكية التي تستضيف قطر من خلالها أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط
(10 آلاف جندي امريكي)، وانّ الدور الذي تلعبه قطر -فيما يتعلق بحماس وإسرائيل-
إنما طُلب منها القيام به، لافتة الى أنّه اذ اكان حريصاً على عدم خروج الأسرى
والرهائن، فبإمكانه (أي الولايات المتّحدة) ان يطلب إيقاف الدور القطري.
ليست المرّة الأولى التي يتم توجيه مثل هذه
الاتهامات إلى قطر خلال
الحرب الإسرائيلية على غزّة، ففي الأشهر الأولى من الحرب،
أدلى عدد من أعضاء الكونغرس، والمسؤولين السابقين، والأفراد الموالين لإسرائيل في
واشنطن سيلاً من التهديدات ضد قطر إذا لم تقم بتأمين التوصل الى إتفاق بين حماس
وإسرائيل او بالأحرى إجبار حماس على التنازل لإسرائيل وتلبية جميع مطالبها. كما
ضغط هؤلاء على البيت الأبيض لكي يتّخذ إجراءات ضد الدوحة لضمان التوصّل الى نتيجة
مرضية لنتنياهو.
وقد أثارت الإزدواجية الأمريكية (طلب مساعدة
الدوحة سراً، وتهديدها او إبتزازها علناً) حنق المسؤولين القطرين حيث أشار رئيس
مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في تصريح له،
بُعيد اللقاء الذي جمعه مع وزير خارجية تركيا هاكان فيدان خلال زيارته الدوحة أول
من أمس، الى أنّ بلاده بصدد إعادة تقييم دورها كوسيط رئيسي بين إسرائيل وحماس.
وقال الشيخ محمد: "لقد رأينا إهانات ضد وساطتنا، واستغلالها من أجل مصالح
سياسية ضيقة، وهذا ما دفع قطر إلى مراجعة هذا الدور بشكل شامل".
ويمكن النظر إلى الزيادة الأخيرة في وتيرة
هذه التهديدات الأمريكية ضد الدوحة على أنها استراتيجية "الشرطي الجيد
والشرطي السيئ"، حيث تسمح الإدارة الأمريكية للأصوات المؤيدة لإسرائيل في
الولايات المتحدة بانتقاد قطر من ناحية، بينما تسعى في الوقت نفسه للحصول على
مساعدة قطر في قضية حماس.
الموقف الأمريكي يخلق الكثير من الالتباس
للأصدقاء والحلفاء على حد سواء. ويزيد مثل هذا النهج من إلحاق المزيد من الضرر
بصورة واشنطن وسمعتها ومصداقيتها. وكانت الثقة في السياسات والالتزامات الأمريكية
في المنطقة عند أدنى مستوياتها على الإطلاق قبل الحرب الإسرائيلية على
غزة، وقد
هوت إلى أدنى مستوياتها منذ ذلك الحين، ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين غير مدركين
حتى الآن للتأثيرات المترتبة على ذلك.
القضية الأساسية هنا هي أنه لا رغبة على ما
يبدو لدى الولايات المتحدة ولا إسرائيل في التوصل إلى اتفاق مناسب مع حماس؛
فواشنطن وتل أبيب أكثر تركيزاً على ما يبدو على إلقاء اللوم على طرف ما، والسعي
إلى صفقات مواتية لنتنياهو لمساعدته على الخروج من مأزقه. وفي مثل هذا السياق، من
غير المرجح أن تمتثل الدوحة لمثل هذه المطالب، واذا ما إزداد الضغط، فانّ الموقف
القطري مفتوح على كل الاحتمالات.
إذا كانت واشنطن تريد حقًا أن تستمر الدوحة
في الوساطة، فيجب عليها الإشارة علنًا إلى دعمها القاطع لقطر، ووقف الهجمات
الخبيثة ضد الدوحة، وممارسة الضغط على نتنياهو للامتناع عن تخريب وعرقلة
المفاوضات. إن البيئة السامة التي خلقتها إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في واشنطن،
وازدواجية المسؤولين الأميركيين، تعيق التقدم في المفاوضات، وتمنع التوصل إلى
نتائج ذات معنى، مما يدفع قطر إلى إعادة النظر في دورها في القضية برمتها. لن تقبل
الدوحة أن يُقال لها شيء خلف الأبواب المغلقة لتسمع شيئا آخر من المسؤولين
الأمريكيين والإسرائيليين عبر وسائل الإعلام.
على الرغم من تطلعات تركيا إلى لعب دور وساطة أساسي بين حماس وإسرائيل، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة لا ترغبان في مشاركة أنقرة النشطة في هذه المسألة. ونتيجة لذلك، اضطلعت تركيا بدور إنساني رائد، ودور دبلوماسي داعم بدلاً من دور الوساطة الأساسي.
لكن ماذا إذا سحبت الدوحة يدها من ملف
الوساطة؟ هل من الممكن أن تتيح للاعبين آخرين مثلاً دوراً أكبر في الملف؟ كتركيا
على سبيل المثال؟ على الرغم من تطلعات تركيا إلى لعب دور وساطة أساسي بين حماس
وإسرائيل، إلا أن إسرائيل والولايات المتحدة لا ترغبان في مشاركة أنقرة النشطة في
هذه المسألة. ونتيجة لذلك، اضطلعت تركيا بدور إنساني رائد، ودور دبلوماسي داعم
بدلاً من دور الوساطة الأساسي.
ويظهر ذلك بشكل جلي في التطورات الأخيرة،
مثل الانخراط الفعّال لرئيس الإستخبارات التركيّة إبراهيم كالين في نقل الرسائل
الحسّاسة بين العواصم المعنية عقب التصعيد بين إيران وإسرائيل، وزيارة هاكان فيدان
الاخيرة إلى الدوحة والتي إلتقى خلالها إسماعيل هنيّة في اجتماع قيل أنّه إمتد
لأكثر من ثلاث ساعات. في الوقت الحالي، يبدو أن تركيا تركز على تعزيز الاعتراف
الدولي بالدولة
الفلسطينية، وضمان الوحدة الفلسطينية، وحشد الدعم لحل الدولتين.
إن انتقال تركيا إلى الوساطة المباشرة بين
حماس وإسرائيل يعتمد على مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا قررت الدوحة في
وقت لاحق التراجع أو وقف جميع جهود الوساطة، فسيكون لدى واشنطن خيارات أقل
إيجابية. وبينما قد تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى طلب المساعدة من مصر بحيث
تصبح اللاعب الرئيسي، لا تبدو القاهرة حريصة على ذلك لأسباب كثيرة من بينها لوم
العديد من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكية لها، وإدّعائهم تحمّلها جزء من
مسؤولية هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي شنتها حماس. وفي مثل هذا السيناريو، قد
تتاح لأنقرة فرصة للمشاركة المباشرة، لكن يبدو هذا الإحتمال ضعيفاً حتى هذه اللحظة.