أين ذهبت الكوميديا
المصرية..؟! وتحديدا أين ذهبت في شهر رمضان؟! فلقد لعبت الكوميديا المصرية دورا كبيرا
في حركة التمثيل والفن في مصر..
فمن ينسى برنامج ساعة
لقلبك..؟! ومن ينسى مسلسلات فؤاد المهندس وشويكار الإذاعية: شنبو في المصيدة، العتبة
جزاز وغيرهما؟ ومن ينسى حلقات عبد المنعم مدبولي أيام المرح..؟!! ومن ينسي سباعية
الرجل والدخان لعادل أمام..؟!!
وقبل كل هؤلاء
كان نجيب الريحاني (الأستاذ) الذي تأثرت به الأجيال وساروا على نهجه جميعا وأصبحوا
نجوما تتلألأ في سماء
الفن.
فمنذ مائة عام تقريبا،
تلألأ نجم نجيب الريحاني (21 كانون الثاني/ يناير 1889 القاهرة- 8 حزيران/ يونيو 1949
القاهرة)، الممثل الفكاهي المصري، وملك الكوميديا الحزين، والضاحك الباكي، وموليير
العرب وأخيرا زعيم
المسرح الفكاهي، وكلها ألقاب كان جديرا بها عن استحقاق، فيعد الريحاني
أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي عموما ومصر خصوصا، ومن أشهر
الكوميديين في تاريخ الفنون المرئية العربية.
ارتدى الفنان نجيب الريحاني قناع الضحك، وأخفى وجهه الباكي، وامتدت مسيرته الفنية لنحو 30 عاما، تخللتها موجات من الفقد والحزن، لكن أعماله الفنية المبهجة الضاحكة الباحثة والباعثة على السعادة، ما تزال حاضرة في ذاكرة السينما والمسرح العربي
واشتهر في ذلك الوقت
بتقديم شخصية كشكش بيه الناقدة للأوضاع الاجتماعية بشكل كوميدي ساخر، كما قدم العديد
من المسرحيات والأفلام، منها فيلم غزل البنات الذي اختير ليكون تاسع أفضل فيلم في تاريخ
السينما المصرية، ومعه فيلمي: سلامة في خير، وسيي عمر، ضمن أفضل مائة فيلم بتاريخ السينما
المصرية.
ورث الريحاني عن أمه
المصرية القبطية، وتربيته وإقامته بحي باب الشعرية الشعبي، فكان يسخر كما تسخر هي من
المتناقضات الاجتماعية التي يعج بها المجتمع المصري في تلك الفترة.
وفي بداياته كوّن
مع صديقه محمد سعيد فرقة مسرحية تقدم اسكتشات خفيفة لجماهير الملاهي الليلية في شارع
عماد الدين.
فلقد ارتدى الفنان
نجيب الريحاني قناع الضحك، وأخفى وجهه الباكي، وامتدت مسيرته الفنية لنحو 30 عاما،
تخللتها موجات من الفقد والحزن، لكن أعماله الفنية المبهجة الضاحكة الباحثة والباعثة
على السعادة، ما تزال حاضرة في ذاكرة السينما والمسرح العربي. قدم الريحاني حصرا حوالي
ثمانين مسرحية؛ منها: خللي بالك من إبليس (1916)
وريا وسكينة (1921) والجنيه المصري (1931) والدنيا لما تضحك (1931)
وغيرها.
أنشأ الريحاني مع
الفنان عزيز عيد في صيف 1915 فرقة المسرح العربي، وتبرع لهما أحد
الأثرياء بمبلغ عشرة جنيهات، لكنها لم تصمد طويلا أمام المنافسة الشرسة مع الفرق الكبري
وقتها.
وفي أواخر العشرينيات
أسس مع صديق عمره بديع خيري "فرقة الريحاني"، وقدمت عروضا مقتبسة من المسرحيات
الكوميدية الفرنسية، وحققت الفرقة شهرة واسعة في أرجاء العالم العربي.
وانضم إليها عمالقة
التمثيل وقتها منهم: عباس فارس وماري منيب وميمي شكيب وعبد الفتاح القصري، وانفرد الريحاني
بدور البطولة، وجسد شخصية الإنسان البسيط الذي تضعه الظروف في مواقف حرجة، وقدمها في
قالب كوميدي ساخر.
واجهت فرقة الريحاني
منافسة شديدة من فرقة "علي الكسار" الفكاهية، وكلاهما حاول جذب الجمهور إلى
مسرحه، والاعتماد على الارتجال والخروج على النص، وانطبع في الأذهان أن عروضهما هزلية،
وغايتها انتزاع الضحك من دون تقديم مضمون جيد، وبات الجمهور يرتادها بحثا عن التسلية
فقط.
لقد كان الريحاني بحق مدرسة فنية كوميدية كبرى، نهلت من خبراته أجيال من المبدعين بالوطن العربي، فهو بحق رائد وزعيم المسرح الفكاهي على مر العصور. ولكن المتابع للكوميديا الآن، سواء مسرحيا أو تلفزيونيا أو سينمائيا، لا يجد الكوميديا التي عرفناها، بل يجد كوميديا هزيلة لا تقدم ولا تؤخر
ولقد طرأ تحولا مفاجئا
في بداية الثلاثينيات، على مسيرة الريحاني الكوميدية، فاقتبس مسرحية طوباز للكاتب الفرنسي
مارسيل بانيول، وكانت تلك أجرأ خطوة يتخذها نحو الكوميديا الجادة، إلا أنها صدمت جمهوره
الباحث عن الضحك، ورغم فشلها، فإنها شهدت بداية نضجه كفنان كوميدي.
لقد كان الريحاني
بحق مدرسة فنية كوميدية كبرى، نهلت من خبراته أجيال من المبدعين بالوطن العربي، فهو
بحق رائد وزعيم المسرح الفكاهي على مر العصور. ولكن المتابع
للكوميديا الآن، سواء مسرحيا أو تلفزيونيا أو سينمائيا، لا يجد الكوميديا التي عرفناها،
بل يجد كوميديا هزيلة لا تقدم ولا تؤخر، وهناك من يحاول أن يستخف دمه بأي وسيلة، ولهذا
عندما يعرض
التلفزيون مسلسلا مفترض أنه كوميديا لا نجد فيه أية بهجة تدفعنا للمتابعة.
ولكني متفائل، وأرى
أنه رغم المنغصات والمحبطات فهناك أمل في نهاية النفق وأنه لا بد أن تعود الخطة الطموح
مرة أخرى لتقديم كوميديا جديدة، تنتمي للكوميديا وليست اسكتشات قص ولزق، وستطل
مرة أخرى علينا الكوميديا الحقيقية الهادفة في رمضان، لكي تمنحنا البهجة والسعادة والشباب.