توجت زيارة الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان إلى
العراق، الحراك الدبلوماسي والأمني الذي شهده البلدان في الآونة الأخيرة بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين المجاورين، لا سيما في ملفات مكافحة تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، والمياه، والنفط، وطريق التنمية.
ووضع الرئيس التركي في زيارته، التي وصفت بـ"التاريخية"، إلى العاصمة العراقية بغداد، ومنها إلى أربيل، اللمسات الأخيرة على عدد كبير من الاتفاقيات والتفاهمات، في وقت تعتزم فيه أنقرة إنهاء "العمال الكردستاني" في العراق، بعدما أسفرت اللقاءات الثنائية المكثفة بين مسؤولي البلدين عن إعلان التنظيم الكردي "منظمة محظورة" من قبل الحكومة العراقية.
وقال أردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بغداد، إن زيارته إلى العاصمة العراقية بغداد، والاتفاقيات المبرمة على هامشها ستشكل نقطة تحول في العلاقات التركية العراقية، مشيرا إلى أن الأمن والتعاون بمكافحة الإرهاب كانا من أهم البنود المطروحة على جدول أعمال المباحثات مع الجانب العراقي.
وأضاف أنه تشاور مع الجانب العراقي حول "الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها ضد تنظيم بي كي كي الإرهابي" الذي يستهدف
تركيا من الأراضي العراقية، مشددا على استعداد حكومة بلاده لتقديم الدعم اللازم لنظيرتها العراقية في كل ما يلزم بمكافحة "بي كي كي" وإنهاء وجوده على أراضي البلد الجار.
وأفاد أنه بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي للتعاون المشترك المبرم بين البلدين، سيتم تشكيل لجان دائمة مشتركة لضمان استمرار ومراقبة المفاوضات الفنية في العديد من المجالات مثل الأمن ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والتجارة والطاقة والنقل والبيئة والمياه العابرة للحدود والصحة والتعليم.
وتسعى تركيا إلى إطلاق عمليات عسكرية جديدة داخل الأراضي العراقية، بهدف إنهاء تهديدات حزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب لديها هذا الصيف، وذلك عقب إعلان بغداد الحزب الكردي "منظمة محظورة" نتيجة لمباحثات مكثفة مع الجانب التركي.
وتهدف العملية التركية المرتقبة إلى إنشاء ممر أمني شمالي العراق في منطقة تتراوح ما بين 30 إلى 40 كيلومترا، للضغط على التنظيم الذي شن نهاية العام الماضي هجمات دامية على الجيش التركي.
ورأى الكاتب والصحفي التركي عبد القادر سيلفي، أن العلاقات بين أنقرة وبغداد دخلت في نقطة تحول تاريخية مبنية على ركيزتين أساسيتين: التنمية الاقتصادية ومكافحة حزب العمال الكردستاني.
ولفت إلى أن الرئيس أردوغان، قال بوضوح إن "وجود حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية سينتهي في أقرب وقت ممكن".
"عائق أمام طريق التنمية"
ترى أنقرة أن وجود حزب العمال الكردستاني العسكري على حدودها شمالي العراق يشكل خطرا على أمنها القومي، فضلا عن كونه عائقا أمام تنفيذ مشروع "
طريق التنمية" الذي يوليه أردوغان أهمية كبيرة.
وهذا المشروع عبارة عن طريق برية وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج، وفقا لوكالة الأناضول.
وفي هذا الصدد، رأى الكاتب التركي يوسف كاراداش، أن النقطة الأولى التي يجب الإشارة إليها في هذا السياق هي العمليات التي أطلقتها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق عام 2019 تحت اسم "المخلب" واستمرت عام 2022 تحت اسم "قفل المخلب".
ورغم أنها أثارت في بعض الأحيان ردود فعل من الحكومة المركزية العراقية في فترات مبكرة، إلا أن هذه العمليات، التي تم تنفيذها بالتعاون مع إدارة بارزاني، كان لها عدة أهداف متشابكة، حسب كاراداش.
وأوضح الكاتب في مقال نشر في صحيفة "
إيفرينسال" التركية، إلى أن حكومة أردوغان هدفت في المقام الأول إلى تحييد حزب العمال الكردستاني بهذه العمليات وإنشاء منطقة عازلة في المناطق الانتقالية بين إقليم كردستان العراق وروج آفا.
وأشار إلى أن تصفية الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني في المنطقة اعتبر أمرا لا مفر منه من أجل تسويق الغاز والنفط الكردستاني عبر تركيا ومشروع "طريق التنمية"، مبيّنا أن الوجود العسكري التركي المتزايد في المنطقة كان له أهمية أيضا في الحد من نفوذ إيران وقوات ميليشيا الحشد الشعبي المدعومة من طهران.
ولفت الكاتب إلى أنه "على الرغم من ذلك، فإن مساعي الحكومة التركية الرامية إلى تصفية حزب العمال الكردستاني، الذي زاد قوته في العراق اليوم وطوّر علاقاته مع الاتحاد الوطني الكردستاني، لن تتم بسهولة".
ما هو طريق التنمية؟
أشرف الرئيس التركي خلال زيارته للعراق على توقيع مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع "طريق التنمية" بين بلاده وبغداد والدوحة وأبوظبي.
وشارك في حفل التوقيع الذي جرى داخل القصر الجمهوري بالعاصمة بغداد، وزراء النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، والنقل العراقي رزاق محيبس السعداوي، والمواصلات القطري جاسم بن سيف السليطي، والطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل محمد المزروعي.
وقال وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، إن مشروع "طريق التنمية" سيتيح نقل البضائع إلى كل بلدان أوروبا دون انقطاع، عبر طريق برية وسكة حديدية تمتد من ميناء الفاو العراقي، وصولا إلى العاصمة البريطانية لندن.
ولفت إلى أن ميناء الفاو الكبير في العراق يحظى بالأهمية في المشروع بوصفه "مركز عبور"، موضحا أن المشروع سيخفض بشكل كبير وقت السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا.
إلى ذلك، قال الصحفي التركي نديم شينار إن مشروع "طريق التنمية" سيغير التاريخ في حال جرى تنفيذه بالكامل، مشيرا إلى أن الخريطة التي توضح نقل البضائع المنتجة في الشرق إلى الدول الغربية اليوم، كما حدث في التاريخ، توضح أيضا أسباب الحروب والمجازر التي تحدث في منطقتنا اليوم.
وأضاف في مقال نشر في صحيفة "
حرييت" التركية، أن كل هذه المجازر والحروب تهدف إلى منع الغرب من فقدان هيمنته على الشرق، ونقل البضائع وموارد الطاقة المنتجة في الشرق إلى الغرب. لذا فإن الأمر كله يتعلق بنقل الموارد والإنتاج في الشرق الغني بالطاقة من أجل ازدهار الغرب. وما فعلوه بالاحتلال والنظام الاستعماري في التاريخ، يفعلونه اليوم بالتجارة التي تحددها قواعدهم وأسعارهم الخاصة. وكما حدث في التاريخ، يحافظ الغرب على تفوقه من خلال استغلال الشرق، بما في ذلك أفريقيا.
وشدد على أن مشروع الطريق التنموي، الذي وقعت تركيا اتفاقية بشأنه مع العراق والإمارات وقطر، هو الخط الأسهل والأكثر ربحية في التنفيذ مقارنة بالخطوط الأربعة التي تنقل المنتجات من الدول الآسيوية مثل الصين والهند والنفط والغاز الطبيعي المستخرج في الشرق الأوسط إلى الأسواق الغربية.
ولفت إلى أن "طريق التنمية" الذي سيمكن المنتجات من مراكز الإنتاج في آسيا من عبور الخليج العربي عن طريق البحر وصولا إلى أوروبا عبر العراق وتركيا، هو أكثر فائدة من جميع الممرات من حيث الوقت والمسافة، كما من شأنه أن يعزز مكانة تركيا كمركز دولي للنقل والتجارة.
وينص المشروع، الذي تبلغ كلفته 17 مليار دولار ومن المقرر إنجازه مع حلول عام 2030، على ربط ميناء الفاو في محافظة البصرة العراقية بتركيا عبر طريق سريع وسكك حديدية باتجاهين يبلغ طولهما حوالي 1200 كيلومتر، حسب الصحفي التركي.
وأوضح شينار أنه من أجل ربط شبكة السكك الحديدية التركية بالخط الجديد المقرر بناؤه في العراق، يجب بناء خط إضافي بطول 133 كيلومترا محليا، لافتا إلى أن المشاريع جاهزة ويمكن الانتهاء من الخط الواقع في الجانب التركي في وقت قصير.
"صراع على السلطة"
لفت نديم شينار إلى أن الولايات المتحدة تشكل العائق الأكبر أمام المشروع الذي تطمح أنقرة إلى إتمامه، مشيرا إلى أنه عندما طرحت أنقرة هذا المشروع على جدول الأعمال أطلقت واشنطن مشروع الممر المسمى "طريق التوابل"، الذي سيربط جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط، في قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي عقدت في نيودلهي العام الماضي.
وفي حين أن نقطة الخروج إلى البحر الأبيض المتوسط في المشروع الأمريكي محددة بإسرائيل، فإن تركيا مستبعدة بشكل كامل، وفقا للصحفي التركي الذي أشار إلى أن الخطة التي تقودها تركيا ومبادرة الولايات المتحدة ليست مجرد منافسة على المشاريع، بل هي أيضا صراع على السلطة.
وشدد على أن "الولايات المتحدة ستحاول بشتى الطرق منع تنفيذ مشروع طريق التنمية وسوف تفعل كل أنواع الشر، بما في ذلك استخدام المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني"، حسب تعبيره.