تمتاز العلاقة البلجيكية مع القضية
الفلسطينية
بتنوع قواعدها ومحدداتها البلجيكية الأوروبية السياسية والاجتماعية والتاريخية
والاقتصادية والقانونية والدبلوماسية.
إن الموقع الجغرافي البلجيكي ما بين الدول الأوروبية
الكبرى وتنوع مكونها الاجتماعي والثقافي وتاريخها جعل منها عاصمة للاتحاد الأوروبي
ومركزا لحلف النيتو، الأمر الذي فتح آفاقا لبلجيكا ولكن صعّب أيضا الأمر على
علاقاتها الخارجية وحمّل مسؤوليات ثقيلة أحيانا على عاتق المملكة الصغيرة.
فبالنسبة للتفاعل البلجيكي مع الحرب المستمرة على
الفلسطينيين في
غزة بشكل خاص والضفة الغربية والقدس بشكل عام، فقد تقدمت
بلجيكا
على العديد من الدول الأوروبية الأخرى بمواقفها الداعية لوقف الحرب وإدانة الأداء
الإجرامي للاحتلال والداعية لضمان إيصال المساعدات للفلسطينيين والاستمرار بدعم الأونروا.
هذا التقدم الملحوظ يمكن ربطه بتركيبة المجتمع
البلجيكي المتنوع من الشق الهولندي والألماني والفرانكفوني، أيضا من وجود ما يقارب عشرين في المئة من الشعب البلجيكي من المهاجرين، وهم مهاجرون أتوا من المغرب
العربي وأفريقيا وتركيا وإيطاليا والشرق الأوسط وآسيا.
تقدمت بلجيكا على العديد من الدول الأوروبية الأخرى بمواقفها الداعية لوقف الحرب وإدانة الأداء الإجرامي للاحتلال والداعية لضمان إيصال المساعدات للفلسطينيين والاستمرار بدعم الأونروا
يوجد حاليا ما يقارب السبعين ألف فلسطيني في
بلجيكا، أغلبهم من الغزيين تفاعلوا أم لم يتفاعلوا مع الأحداث، لكنهم موجودون في
بلجيكا ويتفاعلون مع مجتمعها الذي يشكلون جزءا منه. فأطفالهم في المدارس مع الآخرين
من صغار بلجيكا ويعملون معا ويسكنون جنبا إلى جنب مع البلجيك، ويتأثر هؤلاء من
الحرب على عائلاتهم في غزة وبالتالي سيكون هناك أثر للحرب على بلجيكا، الأمر الذي يجيب
على تساؤلات بعض الداعمين لدولة الاحتلال: "لماذا علينا استيراد صراع بعيد
عنا 5000 كم إلى ساحتنا البلجيكية؟".
- التعاطف السياسي والمجتمعي والتضامن التاريخي
البلجيكي مع القضية الفلسطينية كقضية تحرر منذ الثورة الفلسطينية وحتى يومنا هذا؛
ما زال حيّا بجهود أعضاء من الأحزاب الاشتراكية والشيوعية الأوروبية، من الأوروبيين
أو العرب، ومن عمال وطلاب ومهنيين. أيضا لا ننسى أن كل اللوبيات الموجودة في
بروكسل لأهميتها، من لوبيات ومنظمات تحررية وانفصالية ومعارضة لأنظمة مستبدة، تلعب
دورا في هذا
التضامن.
- الحفاظ على رمزية القضية الفلسطينية كقضية
تحررية ضد الاستعمار بالنسبة للأحزاب السياسية اليسارية والاشتراكية حتى أصبحت
سؤالا مهما في انتخابات بلجيكا المعقدة، ذلك بعد مشاركة بلجيكا في النشاط
الاستعماري الأوروبي في أفريقيا ورغبة نسبة كبيرة من المجتمع البلجيكي التحلل من
هذه النزعة والثقافة والتنصل من تاريخ جرائم الإبادة الجماعية في أفريقيا، فيجدون
ضالتهم بالقضية الفلسطينية. يذكر أن حزبين من مكونات الحكومة الحالية من أربع مجموعات حزبية، هما الاشتراكيون والخضر المدافعون عن البيئة، متضامنان مع الشعب
الفلسطيني إلى حد ما.
من ناحية أخرى، فقد عانت بلجيكا من الإرهاب المنظم
أو ما قيل عنه إنه منظم، واستغلال اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني لذلك الإرهاب
ليصبح أداة لمعاداة الفلسطينيين وشيطنة ثورتهم.
أما كون بروكسل عاصمة للاتحاد الأوروبي وحلف
الناتو فقد عقّد علاقات بلجيكا الدولية وحمّلها مسؤوليات كبيرة، فتحسب الحسابات
الكثيرة لمواقفها السياسية على المستوى الدولي. فبلجيكا وكدولة عضو في الاتحاد الأوروبي
وفي فترة الحرب الجارية أصبحت الرئيس الدوري للمجلس الأوروبي، دفعها ذلك لاقتراح
مبادرات على المستوى الأوروبي لإيجاد فرص للسلام وإنهاء الحرب، منها الدعوة لمؤتمر
للسلام ودعوة الجامعة العربية ورئاسة وزراء السلطة الفلسطينية ووزير خارجية
الاحتلال، ومؤخرا فقد تم الاجتماع مع دول الخليج العربي بهذا الشأن.
كباقي الدول الأوروبية وضمن موقف الاتحاد الأوروبي
الموحد، فقد أعلنت بلجيكا رفضها لـ"الإرهاب" وإدانتها لأحداث السابع من
تشرين الأول/ أكتوبر، ومطالبتها بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وحق إسرائيل
بالدفاع عن نفسها، لكن من ناحية أخرى فقد طالبت بلجيكا باحترام القانون الدولي وأن
"الإرهاب" لا يبرر الجرائم ضد الإنسانية واحتمالية جرائم الإبادة
الجماعية.
في الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي
ذهب رئيس الوزراء البلجيكي إلى رفح المصرية وزار دولة الاحتلال ورام الله والأردن،
وأعلن من رفح رفضه للجرائم بجرأة بالنسبة لتلك الفترة، إلا أن الاحتلال هاجمه
ووضعه بزاوية الدفاع عن نفسه على مستوى أوروبا، وحاول أن يصنع منه سابقة كي لا
ينتقد أحد الجرائم الإسرائيلية بشكل واضح، واستدعت خارجية الاحتلال سفير بلجيكا
لدى دولة الاحتلال.
- استدعت بلجيكا سفيرة دولة الاحتلال للتوبيخ بعد
حادثة الهجوم على مركز التنمية البلجيكية ومنظمة ذوي الاحتياجات الخاصة بنفس
المبنى في غزة.
- التعبير عن الغضب البلجيكي جراء استثناء
الاحتلال المواطنين البلجيك من قوائم المسموح لهم بالخروج من غزة والتضييق عليهم
وعدم سماح وصولهم للقنصلية أو السفارة البلجيكية.
- تقترب وزارة الخارجية البلجيكية من خطاب بوريل
الناقد للسياسات الأوروبية التي يعتبر هو أهم صانعيها والتي تصطدم بالإجماع الأوروبي.
- تنتقد بلجيكا من خلال وزيرة خارجيتها التبعية الأوروبية
للإرادة الأمريكية فيما يخص الموقف السياسي والإنساني عن الوضع في غزة.
- ظلت بلجيكا ترفض الاستيطان وإرهاب المستوطنين
ونجحت بعض البرلمانات البلجيكية مثل الوالون بوقف التعامل كليا مع المستوطنات.
وتطالب أحزاب سياسية بقطع العلاقات مع كل منتجات المستوطنات ووقف العمل معها،
ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
- وزارة الدفاع نظمت إنزالات جوية للمساعدات فوق
غزة، والمساعدة في النقل البحري من قبرص، إلى جانب دعوة بلدية بروكسل لجمع
التبرعات وإرسالها إلى غزة. كما رُفع العلم الفلسطيني على أكثر من مبنى رسمي.
- دعمت بلجيكا محكمة العدل الدولية بالمعطيات التي
لديها وصرفت خمسة ملايين يورو للمحكمة. ووقع 850 أكاديميا وعالما وباحثا على عريضة
يطالبون فيها الحكومة بجهود أكبر من أجل وقف المجازر في غزة، آخذة بعين الاعتبار
قرارات محكمة العدل الدولية والاتفاقات التي تعد بلجيكا جزءا منها.
- في الرابع والعشرين من نيسان/ أبريل استشهد طبيب
فلسطيني يعمل في المؤسسة الرسمية البلجيكية للإنماء في غزة، وحتى الآن لم يأخذ الأمر
أبعادا احتجاجية بلجيكية مؤثرة.
- أعلنت بعض
نقابات عمال الشحن وقف عملها بتنزيل وتحميل شحنات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة والمتوجهة إلى دولة الاحتلال. وتشارك نقابات عمالية ومنظمات أهلية وأحزاب مثل اليسار والاشتراكيين والخضر
في المظاهرات الدورية على المستوى الوطني.
- فعاليات متنوعة منها شعبية في الشارع بشكل يومي وأخرى
كمظاهرات أسبوعية، والكثير من الفعاليات الأخرى كندوات مع الأطباء والصحافيين
والشباب والسياسيين، منها توعوية تحشيدية ومنها احتجاجية منتقدة لأداء الاتحاد الأوروبي
أو الحكومة البلجيكية. تتسم النشاطات في بلجيكا بالجرأة وإن كانت أقل من الدول الأوروبية
الأخرى، إلا أن الحكومة البلجيكية لا تدخل في مواجهة مع المتظاهرين بسبب علم أو كوفية
أو شعار، وهناك تعاون ملحوط مع الشرطة البلجيكية كي تظل هذه الفعاليات مصرحا بها
وغير عدائية.
أما بالنسبة للعمل الفلسطيني في بلجيكا فهو عمل
متشرذم غير موحد وفشل بتنظيم عمل فلسطيني جماعي تشاركي داعم للشعب الفلسطيني
وقضاياه داخل فلسطين المحتلة.
هذا الفشل مرده تركيز الفصائل الفلسطينية على نقل
تجاربها من فلسطين ومخيمات اللجوء إلى بلجيكا، والإصرار على العمل الفصائلي
المتفرد لإثبات الوجود في ساحة مهمة كبروكسل.
أغلب الفلسطينيين في بلجيكا هم من الغزيين الذي لا
يتفاءلون خيرا بتنظيم المظاهرات والفعاليات الجماهيرية في أوروبا ضد حكومات هي من
ترسل الأسلحة لدولة الاحتلال لتقتل أهاليهم، وتتخلى عن أدوات الضغط الحقيقية على
دولة الاحتلال وبنفس الوقت ترسل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وهناك شبان فقدوا أهاليهم
وبيوتهم وأصبحوا جزءا من المجتمع البلجيكي بعد أن فقدوا الأمل عند اتخاذ قرار
الهجرة من غزة إلى بلجيكا ويحتاجون إلى وقت كي تتجدد الدماء والأفكار لديهم.