وقع أكثر من 50 أستاذا للصحافة من أفضل الجامعات الأمريكية على رسالة تدعو صحيفة "نيويورك تايمز" إلى الرد على أسئلة حول تقرير استقصائي كبير أجرته وصف "نمط العنف القائم على النوع الاجتماعي" خلال بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ونشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرا ترجمته "عربي21" تحدثت فيه عن التقرير التحقيقي الكبير الذي نشرته "نيويورك تايمز" حول العنف الجنسي في هجوم "
حماس" على "إسرائيل" والذي أثار انتقادات داخل الصحيفة وخارجها.
وتأتي الرسالة بعد أشهر من الانتقادات والمخاوف التي أثارها النقاد الخارجيون وكذلك بعض موظفي "التايمز" حول مصداقية مصادرها وعملية التحرير للقصة.
وتطلب الرسالة، التي وقعها أساتذة في كليات من بينها جامعة نيويورك وجامعة بنسلفانيا وإيموري وجامعة تكساس، من صحيفة التايمز، "تكليف مجموعة من خبراء الصحافة على الفور بإجراء مراجعة شاملة ومستقلة كاملة للتقارير والتحرير وعمليات النشر لهذه القصة وإصدار تقرير بالنتائج".
وتم إرسال الرسالة صباح الاثنين إلى ناشر صحيفة التايمز إيه جي سولزبيرغر والمحرر التنفيذي جو كان والمحرر الدولي فيليب بان.
وفي بيان، قالت متحدثة باسم صحيفة التايمز إن الصحيفة "قامت بمراجعة العمل الذي تم إنجازه بشأن هذا الموضوع الصحفي ونحن راضون عن أنه يفي بمعاييرنا التحريرية".
واعترفت الرسالة، التي حصلت عليها صحيفة "واشنطن بوست"، باستحالة "كتابة مسودات دقيقة تمامًا للتاريخ في الوقت الفعلي"، لكنها شددت على أن المؤسسات الإخبارية يجب أن تكون على استعداد للتحقيق في عملها.
وأشارت الرسالة إلى أن صحيفة التايمز والعديد من المطبوعات الأخرى أعادت تقييم القصص بالطريقة التي يقترحها الأساتذة.
يذكر أنه في عام 2004، استعرضت التايمز تغطيتها للفترة التي سبقت غزو العراق، وفي مذكرة للقراء، اعترف المحررون لاحقا بأنهم حددوا "قصصا إشكالية" استندت إلى روايات مصادر عراقية "أصبحت مصداقيتها موضع نقاش عام متزايد".
ومن بين الموقعين على الرسالة الحالية: روبرت ماتشيسني من جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، وفيكتور بيكارد من جامعة بنسلفانيا، وماغي زانجر من جامعة أريزونا، وديان وينستون من جامعة جنوب كاليفورنيا.
وبدأت التساؤلات بالظهور بعد وقت قصير من نشر صحيفة التايمز تحقيقها في كانون الأول/ ديسمبر تحت عنوان "صرخات بلا كلمات: العنف الجنسي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
وأعرب أقارب امرأة قُتلت في الهجوم، وأصبحت قصتها محورا رئيسيا لتقرير التايمز، عن شكوكهم حول التقارير التي تشير إلى تعرضها للاغتصاب، بينما أشار منتقدون آخرون إلى تناقضات في الروايات المختلفة التي قدمها شاهد عيان ورد في القصة.
وذكر موقع "ذا إنترسبت" أن البودكاست الرئيسي "ذا ديلي" التابع لصحيفة التايمز، قد أوقف حلقة كان مخططا لها حول التقرير بسبب هذه الأسئلة.
وردًا على ذلك، أطلقت صحيفة التايمز تحقيقا داخليا مكثفا لتحديد من قام بتسريب معلومات غرفة الأخبار، وهي حملة وصفتها نقابة الصحيفة بأنها "مطاردة ساحرات مستهدفة عنصريا"، بينما نفت التايمز بشدة ادعاء النقابة.
وذكر موقع "ذا إنترسبت" أيضا أن صحيفة التايمز اعتمدت بشكل كبير على اثنين من الصحفيين المستقلين عديمي الخبرة نسبيا في "إسرائيل" – أنات شوارتز وآدم سيلا – لتغطية القصة، في حين كان مراسل التايمز جيفري جيتلمان مسؤولا عن نسجها معا.
وبحسب الصحيفة؛ أثارت رسائل الأساتذة مخاوف بشأن "ترتيبات إعداد التقارير هذه"، مشيرة إلى أن المراسل الحائز على جائزة بوليتزر، ريك براغ استقال من التايمز في سنة 2003 بعد أن تبين أنه اعتمد بشكل كبير على صحفي مستقل أقل خبرة في إعداد التقارير.
وتشير الرسالة إلى التعليقات التي أدلى بها جيتلمان في مقابلة بعد نشر القصة، والتي قال فيها إنه لا يريد استخدام كلمة "دليل" لوصف تفاصيل معينة في القصة لأنها "تشير إلى أنك تحاول إثبات ادعاء أو إثبات قضية في المحكمة".
وجاء في الرسالة: "تتناقض هذه اللغة بشكل صارخ مع القصة نفسها التي تستخدم كلمة "دليل" في العنوان الفرعي في إشارة إلى نفس المعلومات التي كان جيتلمان يناقشها على ما يبدو على المسرح".
وفي شهر آذار/ مارس، ذكرت صحيفة التايمز أن أدلة الفيديو الجديدة "تقوض" بعض التفاصيل في تحقيقها الأولي. لكن الصحيفة لم تصدر تصحيحا أو تراجعا عن تقرير كانون الأول/ ديسمبر الذي وصفه أساتذة الصحافة بـ"القرار الاستثنائي".
وقال شاهان مفتي، الأستاذ في جامعة ريتشموند، في مقابلة إن الظروف غير العادية تتطلب استجابة من أساتذة الصحافة.
وقال: "نحن في تعليم الصحافة لا نهدف عادة إلى إخبار الزملاء في المهنة بكيفية القيام بعملهم"، مضيفا أن "هذا يتطلب دراسة ومداولات جادة، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن هذا ضروري".
وقالت ساندي تولان، الأستاذة في جامعة جنوب كاليفورنيا، إن توقيت القصة - حيث كان الرأي العام في الولايات المتحدة يتحول نحو فهم أكثر انتقادًا للدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي للمناطق المدنية في غزة - له أهمية أيضا.
وأوضحت أنه مع "ارتفاع عدد القتلى في غزة، وبدء الانتقادات بالتركيز أكثر على إسرائيل، نشرت صحيفة نيويورك تايمز هذه القصة، التي يبدو أنها نُشرت قبل الأوان، ومع إدراكنا للأضرار والعواقب المحتملة للتوقيت، نظرا لأنه لم يتم الإبلاغ عنه جيدا كما ينبغي، هناك سبب إضافي يجعل المراجعة الخارجية مناسبة".
وجاء في الرسالة أن مراجعة مستقلة يمكن أن تجد أن التايمز لم ترتكب أي خطأ، أو تجد أخطاء في الطريقة التي تعمل بها غرفة الأخبار. وفي كلتا الحالتين، خلصت الرسالة إلى أن المراجعة الفورية "هي الشيء الوحيد المسؤول والموثوق الذي ينبغي القيام به".