أنشأت دول الغرب الاستعماري الوازنة إسرائيل في عام 1948 على القسم الأكبر من مساحة
فلسطين التاريخية،
وساعدت في تهيئة الظروف لهجرة يهود العالم الى فلسطين ،جنباً الى جنب مع تهجير
غالبية الفلسطينيين في العام المذكورإلى خارج وطنهم فلسطين، وقامت تلك الدول في دعم إسرائيل على كافة المستويات
واستمرارها كدولة مارقة في تاريخ فلسطين ،وسترحل شانها ذلك شأن كافة الاحتلالات
العابرة.
دعم مطلق
يلحظ المتابعون للقضية الفلسطينية أهمية العلاقة المتينة بين إسرائيل
والغرب، خاصةً مع الإدارات الغربية الكبرى، مثل إدارة بايدن، وتتجلى هذه العلاقة
بشكل واضح في الدعم الذي تتلقاه إسرائيل، لا سيما خلال قتلها الممنهج للفلسطينيين
في قطاع
غزة، الضفة الغربية، والقدس، منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي، إذ شهد
العالم تصاعداً في العدوان الإسرائيلي، بينما هرولت أغلب الدول الغربية مثل
الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا لتتبنى الرواية الإسرائيلية الزائفة،
وقدمت دعماً عسكرياً ومالياً واسع النطاق، لتستمر إسرائيل في شن حربها الهمجية على
الشعب الفلسطيني بغرض الإبادة والتهجير وتدمير البنى التحتية وكل ما يمكن أن يساعد
على الحياة في غزة؛ مما يجعل هذه الدول شريكة في تلك الجرائم الجارية التي تُرتكب
بحق الفلسطينيين على مدار الساعة منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
إن العمل على عزل إسرائيل وداعميها يتجاوز كونه رد فعل على الظلم، إنه يمثل تحدياً مباشراً للبنية الاستعمارية التي سمحت بتفشي هذه الأعمال وتجاهلت معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، ويعتبر هذا الضغط خطوة متقدمة لإنهاء النفوذ الاستعماري الغربي الذي طالما سيطر على مؤسسات النظام العالمي وادائها ومواقفها غير العادلة إزاء القضية الفلسطينية بتفاصيلها المتعددة.
وظهرت مواقف قادة الغرب مثل الرئيس الفرنسي، رئيس الوزراء البريطاني،
والمستشار الألماني، إلى جانب إدارة بايدن، انحيازاً واضحاً لحكومة نتنياهو في
الاعلام وتبني الرواية الإسرائيلية في ذات الوقت، وذلك رغم حديثهم المتواتر عن
الجانب الانساني للفلسطينيين، على قاعدة أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً، في وقت أدت
المجازر إلى قتل وجرح واعتقال عشرات الآلاف من أهالي قطاع غزة والضفة الغربية
والداخل المحتل، ويمكن الجزم بأن دعم الدول الاستعمارية لإسرائيل يعتبر الركيزة الأهم
لاستمرار الدولة العصابة في ارتكاب إبادة جماعية، حيث تقوم الولايات المتحدة في
دعم الجيش الإسرائيلي من خلال تزويده بالأسلحة والمعدات العسكرية من مستودعاتها
الموجودة بالأراضي المحتلة؛ هذا الدعم لا يقتصر على التمويل اللوجستي بل يشمل
أيضاً تحويل مليارات الدولارات أقرها الكونغرس قبل عدة أيام.
نهج استعماري ممتد
تعتبر الشراكة الغربية مع إسرائيل في الإبادة الجماعية بحق الشعب
الفلسطيني امتدادا لنهج استعماري قبل وبعد عام 1948، وليست وليدة اللحظة الراهنة،
وتتجذر استراتيجية تعزيز التحالف مع إسرائيل في مختلف الأصعدة لترسيخ الهيمنة
والمصالح الاستعمارية المختلفة في منطقة الشرق الأوسط، وتجلى ذلك بوضوح في دعم إسرائيل في المحافل الدولية، حيث
استخدمت الدول الاستعمارية حق الفيتو لمنع أي قرار يدين السياسات الإسرائيلية ضد
الفلسطينيين، وتم تعزيز تلك السياسات الاستعمارية من خلال الضغط على المنظمات
الدولية مثل الأمم المتحدة للتخلي عن مواقفها النقدية تجاه إسرائيل، كما حدث في
تغيير موقف الأمم المتحدة تجاه الصهيونية في عام 1991، تُظهر مدى التعقيد والتداخل
في العلاقات الدولية التي تؤثر بشكل مباشر على الصراع مع إسرائيل.
واللافت أن الفضائيات ومراسيلها وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي
المختلفة ساهمت إلى حد كبير في كشف الجرائم التي تُرتكب على مدار الساعة على
امتداد الوطن الفلسطيني.. وتبعاً لذلك تبرز بشكل ملح وضروري أهمية التحرك الدولي
الحازم لوصم وإدانة إسرائيل بالعنصرية والفاشية والإبادة الجماعية، حيث أظهرت هذه
الحرب بشكل جلي أن الصمت واللامبالاة، وخاصة من قبل الدول الإسلامية والعربية، من
شأنه تمكين الاحتلال من مواصلة انتهاكاته بحق الفلسطينيين، ويجب الضغط على
المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لاتخاذ موقف صارم ضد إسرائيل وداعميها الغربيين،
رداً على جرائمها وخرقها للقوانين الدولية.
إن العمل على عزل إسرائيل وداعميها يتجاوز كونه رد فعل على الظلم،
إنه يمثل تحدياً مباشراً للبنية الاستعمارية التي سمحت بتفشي هذه الأعمال وتجاهلت
معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، ويعتبر هذا الضغط خطوة متقدمة لإنهاء النفوذ
الاستعماري الغربي الذي طالما سيطر على مؤسسات النظام العالمي وادائها ومواقفها
غير العادلة إزاء القضية الفلسطينية بتفاصيلها المتعددة.
ومن نافلة القول التأكيد بأن انكشاف صورة إسرائيل العنصرية والفاشية
وصولاً إلى عمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني؛ أدى إلى انزياح المزاج
الشعبي العالمي منذ تشرين الأول / أكتوبر الماضي إلى جانب الحق الفلسطيني وخاصة في
دول الغرب وأستراليا وكندا، وحراكات الطلاب في الجامعات المناصرة لفلسطين دالة
كبرى على ذلك، وقد يؤسس ذلك لتغيير المواقف السياسية في عدد من الدول .
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا