سلط تقرير لمجلة "
فورين أفيرز" الضوء على المعضلة التي
تواجه الولايات المتحدة في ما يتعلق بالشروط
السعودية لتطبيع العلاقات مع الاحتلال
الإسرائيلي، ومن بينها الحصول على التكنولوجيا النووية المدنية.
وبحسب التقرير فإن السعودية مصرة على الحصول على التكنولوجيا النووية،
حيث تخشى واشنطن أن يكون ذلك مقدمة لبرنامج نووي عسكري، لكن في الوقت ذاته تخشى
واشنطن أن الرياض يمكن أن تجد عند بكين ما لا يمكن أن تجده عند واشنطن، عندها
ستكون واشنطن هي الخاسرة.
وفي ما يأتي نص التقرير الذي ترجمته "عربي21":
وبعد عقود من العلاقات الباردة، كان ثمن
السلام الذي طلبته الرياض باهظا جدا: فبالإضافة إلى الضمانات الأمنية الأمريكية والتنازلات
الإسرائيلية الرمزية على الأقل بشأن السيادة الفلسطينية، كان المفاوضون السعوديون يطالبون
بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية.
واليوم، فإنه على الرغم من الجهود الجديدة التي
تبذلها إدارة بايدن، يظل مثل هذا الاتفاق مجرد احتمال بعيد.
ومع استمرار الحرب في غزة، فإنه حتى لو كان المسؤولون
السعوديون مهتمين بالتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فمن المرجح
أن يجدوا أنه من المستحيل التفاوض على سلام دائم في حين أن الجماهير العربية، بما في
ذلك جماهيرها، غاضبة من الأزمة الإنسانية التي تسببت فيها "إسرائيل" في غزة.
وعلى الرغم من أن المفاوضات قد لا تُستأنف أبدا، إلا أنها تظل مصدرا مهما للضغط المحتمل
في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ وهو مصدر يعتقد المسؤولون في واشنطن أنه يمكن أن
يساعد ليس فقط في تسهيل وقف إطلاق النار في غزة، بل أيضا في تحفيز "إسرائيل"
على تقديم تنازلات أوسع بشأن الدولة الفلسطينية.
وبينما تفكر الولايات المتحدة في كيفية
تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، سواء أثناء الحرب في غزة أو بعدها، فإن قضية البرنامج
النووي السعودي ستكون أمرا لا يمكن إغفاله. فهناك حاجة إلى النظر في مطالب الرياض بالتعاون
النووي المدني وطلبات الدفاع - وهو تطور يمكن أن يغير بشكل كبير الصورة الأمنية الإقليمية،
خاصة إذا كانت السعودية تفكر في نهاية المطاف في امتلاك أسلحة نووية. في الوقت الحالي،
سيشمل البرنامج النووي السعودي المقترح مفاعلات نووية مدنية تدار بموجب اتفاقية ضمانات
شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن الرياض أعربت تاريخيا عن عدم ارتياحها
حتى تجاه تلك القيود القياسية، وغالبا ما تكون البرامج النووية السلمية هي الخطوة الأولى
نحو الحصول على أسلحة نووية. ورغم أن السعودية لا تمتلك حتى الآن بنية تحتية نووية
كبيرة خاصة بها، فإنها تقوم ببناء مفاعل أبحاث نووي صغير على مشارف الرياض وتطوير صواريخ
باليستية بمساعدة الصين.
وربما تلتزم السعودية بالتطوير النووي المدني
في الوقت الحالي. ولكن نظرا للتهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في
القنبلة النووية
الإيرانية، فإنها قد تميل إلى التحرك نحو التسلح النووي العسكري في المستقبل. ويجب على الولايات
المتحدة أن تعمل على التخفيف من هذا الخطر. إنه مناورة صعبة لواشنطن؛ فإن تعاونت بشكل
أقل مما ينبغي، فقد تفقد الدعم السعودي للتطبيع مع "إسرائيل" وتتنازل عن
نفوذها لمنافسين مثل الصين؛ ومن خلال منح دعم غير مشروط لقدرات التخصيب النووي السعودية، فإنه يمكن للرياض اغتنام الفرصة لتطوير برنامج للأسلحة النووية في المستقبل. ولذلك فإنه يجب على
واشنطن أن تقبل الطموحات النووية السلمية للسعودية، لكنها تصر على اتخاذ تدابير قوية
وأنظمة صارمة لاستباق انتشار الأسلحة النووية السعودية، ومنع سباق التسلح الإقليمي.
ويمكن لبرنامج نووي مدني أن يسهل برنامج
الأسلحة النووية من خلال منح السعودية تقنيات مزدوجة الاستخدام مثل قضبان الوقود، ومرافق
إعادة المعالجة، وتصميمات المفاعلات المتقدمة. ومن شأن المفاعلات وقدرات تخصيب اليورانيوم
أن تزود المملكة بالبنية التحتية والقاعدة المعرفية اللازمة لتطوير قدراتها النووية
من خلال تحويل المواد أو الخبرة نحو التطبيقات العسكرية.
وتتمثل الخطوة التالية والأكثر عدوانية
في التصعيد من الكمون إلى التحوط النووي ــ الاستخدام الاستراتيجي لبرنامج نووي مدني
كورقة مساومة ــ أو توجيه السلوك العدائي (كما فعلت كوريا الشمالية، على سبيل المثال).
وبوسع السعودية أن تقوم بتخصيب اليورانيوم، أو زيادة إنتاجها من أجهزة الطرد المركزي،
أو شراء المواد والمعدات النووية من دول أخرى، أو حشد الدعم السياسي الداخلي لامتلاك
الأسلحة النووية، وكل هذا على أمل زيادة قدرتها التفاوضية.
ويمكن لعدد من العوامل أن تدفع السعودية
إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية، بما في ذلك الرغبة في تعزيز الأمن القومي، وردع الخصوم
المحتملين، وتعزيز نفوذها الجيوسياسي. لكن الدافع الرئيسي من المرجح أن يأتي من جارة
السعودية ومنافستها: إيران. وتقترب طهران من القدرة على صنع أسلحة نووية. قد تكون إيران
قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية في غضون
أسابيع، على الرغم من أن الأمر قد يستغرق على الأرجح ستة أشهر أخرى على الأقل لتطوير
سلاح قادر على ضرب هدف محدد بدقة.
وقد يدفع التقدم النووي الإيراني أيضا دولا
أخرى في المنطقة، مثل الإمارات أو تركيا، إلى التحول نحو التسليح، ما يؤدي إلى تحرك
سعودي في الاتجاه نفسه. وتعرضت الإمارات لانتقادات بسبب فشلها في الكشف عن معلومات
حول منشآتها النووية المدنية، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد اقترح في وقت
سابق أنه لا ينبغي منع تركيا من الحصول على أسلحة نووية. فالرياض، التي تعتبر نفسها
زعيمة إقليمية، لن ترغب في أن يتمكن أي من البلدين - وخاصة الإمارات وهي منافس رئيسي
– أن تسبقها في التسلح النووي.
إن التحوط النووي السعودي أو الانتشار النووي
ينطوي على العديد من المخاطر الكبرى. أولا، قد تواجه إيران والسعودية مفارقة الاستقرار
وعدم الاستقرار، وهي فكرة مفادها أنه على الرغم من أن الأسلحة النووية قد تساهم في
الاستقرار على المستوى الاستراتيجي من خلال ردع حرب كبرى بين الدول المسلحة نوويا،
إلا أنها يمكن أن تؤدي في الوقت نفسه إلى تغذية انعدام الثقة والتصعيد على مستوى أدنى.
وإذا استمرت إيران في تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع رأس حربي نووي، فقد تعتقد الرياض
أن الردع النووي السعودي يمكن أن يؤدي إلى استقرار العلاقات بين الخصمين.
ثانيا، إن الدور البارز المتزايد للأسلحة
النووية في العلاقات السعودية الإيرانية يهدد بسوء الفهم، وبالتالي، التصعيد بين البلدين.
وقد تفسر السعودية سعي إيران لامتلاك القدرات النووية، حتى لو كان ذلك لأغراض التحوط،
على أنه إشارة إلى نوايا عدائية أو مقدمة للتسلح. وقد تنظر إيران إلى برنامج السعودية
على أنه تهديد وتسعى إلى التسلح بنفسها. وقد يؤدي هذا التفسير الخاطئ إلى دفع السعودية
إلى تسريع برنامجها النووي، معتقدة أنها تحتاج إلى رادع ضد إيران المسلحة نوويا. يمكن
أن تؤدي دوامة التنافس النووي هذه بين الخصمين إلى سباق تسلح في المنطقة، ما يزيد
من احتمال حدوث سوء تقدير أو صراع.
يمكن لواشنطن أن تلعب دورا حاسما في تحديد
ما إذا كانت السعودية ستحصل على سلاح نووي، لكن يبقى السؤال الرئيسي: إلى أي مدى ترغب
الولايات المتحدة في الذهاب لحماية السعودية من طهران؟ إن الطريقة التي تختار بها الرياض
في نهاية المطاف الرد على إيران النووية تعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت الولايات
المتحدة ستمنح الرياض ضمانات أمنية ثابتة، مثل الالتزام بوضع السعودية تحت مظلتها النووية،
أو حتى إنشاء تحالف أمني رسمي مماثل للاتفاقيات السائدة في أوروبا أو شرق آسيا. وعلى
الرغم من وجود محادثات جارية حول علاقة دفاعية رسمية، فإن الترتيبات الأمنية بين
الولايات المتحدة والسعودية ليست مؤكدة على الإطلاق، خاصة إذا فاز دونالد ترامب بالرئاسة.
إن رفض الرئيس السابق الرد على هجوم إيراني على منشأة سعودية لمعالجة النفط في عام
2019، حيث تجاوزت طهران ما كان يُفترض منذ فترة طويلة أنه خط أحمر أمريكي، لم يفعل
الكثير لطمأنة المسؤولين السعوديين بأن إدارة ترامب الثانية ستدعم الرياض.
وبعيدا عن التحالف الأمني الذي من شأنه
تهدئة المخاوف من إيران نووية، فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تضغط على الرياض للتوقيع على
"اتفاقية 123" للتعاون النووي. تسمح هذه الصفقات، التي سُميت على اسم قسم
من قانون الطاقة الذرية الأمريكي، بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية الأمريكية
مقابل التزام صريح بالامتناع عن التسليح. وقد تفاوضت الولايات المتحدة على هذه الاتفاقيات
على أساس كل حالة على حدة مع 47 دولة، بما في ذلك البرازيل واليابان وتركيا. وتتطلب
الاتفاقيات عادة من الدولة الالتزام بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقييد
مستويات التخصيب، وإعادة الوقود النووي المستهلك إلى الولايات المتحدة لمنع إعادة معالجة
مواد الأسلحة. تتضمن النسخة القياسية الذهبية من "اتفاقية 123" حظرا كاملا
على التخصيب كمستوى إضافي من الحماية.
ومع ذلك، فإن إحدى العقبات أمام مثل هذا
الاتفاق هي رغبة الرياض المعلنة في تخصيب اليورانيوم محليا لتوليد الكهرباء من خلال
تفاعلات الانشطار النووي الخاضعة للرقابة، بدلا من الاعتماد على اليورانيوم المخصب
مسبقا من مصادر خارجية.
وإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على
التفاوض بشأن فرض حظر كامل على التخصيب وغير راغبة في تقديم تنازلات أخرى، فقد تلجأ
السعودية إلى دول أخرى، مثل الصين، للحصول على المساعدة في التكنولوجيا النووية، ما
يؤدي إلى فقدان الشفافية بشأن الأنشطة والمنشآت النووية، وخسارة نفوذ الولايات المتحدة.
وقد حافظت الرياض منذ فترة طويلة على علاقات ودية مع بكين، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت
علاقتهما أقرب. وفي عام 2019، وضعت القوتان اللمسات الأخيرة على اتفاقية بقيمة 10 مليارات
دولار تهدف إلى تطوير مجمع للتكرير والبتروكيماويات، وفي وقت لاحق من ذلك العام، ساعد
الجيولوجيون الصينيون السعودية في تحديد رواسب اليورانيوم في الجزء الشمالي الغربي
من البلاد. وقامت بكين بمبادرات دبلوماسية مع الرياض، بعد أن ساعدت في التوسط في
التقارب السعودي الإيراني في عام 2023.
ومن أجل استباق التحول السعودي نحو الصين، فقد تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات. ويمكن أن تفكر واشنطن في عرض بناء منشأة
لتخصيب اليورانيوم في السعودية، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الرياض سيطرة أكبر على
سلسلة إمدادها بالوقود النووي ويقلل من اعتمادها على الموردين الأجانب مع الإصرار على
اتخاذ إجراءات قوية لمنع السعودية من تطوير برنامج عسكري. ويمكنها أن تطالب، مثلا، بإدارة
أي منشأة للتخصيب من قبل أفراد أمريكيين، أو تثبيت آلية إغلاق عن بعد كإجراء وقائي
في حالة الاستيلاء الفعلي على المنشأة. لكن يجب على واشنطن أن تكون واضحة الرؤية بشأن
مثل هذه البنود: فهذه التدابير من شأنها بالتأكيد أن تقلل من خطر الانتشار النووي السعودي،
لكنها لن تقضي عليه.
وكبديل للتخصيب السعودي، فإنه يمكن لواشنطن أن
تعرض ضمان إمدادات موثوقة من اليورانيوم المخصب لمفاعلات السعودية، ما يلغي حاجتها
إلى منشآت التخصيب المحلية. وتتراوح الاحتمالات بين وقف طويل للتخصيب المحلي السعودي،
وبين إدارة منشآت التخصيب بواسطة أفراد أمريكيين بدلا من سعوديين، مع آليات إغلاق عن
بعد في حالة الاستيلاء المحتمل. ونظرا لموقف إيران الإقليمي العدواني المتزايد، فإن
الاتفاق الأمني المعزز بين الولايات المتحدة والسعودية سيظل أولوية سعودية قصوى، وحافزا
قويا للرياض للحد من طموحاتها النووية.
ينبغي على صناع القرار في الولايات المتحدة
الاستمرار في إقناع نظرائهم السعوديين بمزايا تكنولوجيا المفاعلات الأمريكية مقارنة
بالتكنولوجيا الصينية والروسية، مع التركيز على الفوائد التقنية والمتعلقة بالسمعة
الناتجة عن الالتزام بالمعايير الأمريكية للبرامج النووية وتعزيز الشفافية.