صدرت حملة من ردود الأفعال الإسرائيلية "المحبطة"، ونداءات من
أمهات الجنود اللواتي عبرن عن عدم الثقة في قيادة
الاحتلال السياسية والعسكرية،
وذلك بعد عودة جيش الاحتلال لعمليات في نفس الأماكن التي سبق أن غزاها في قطاع
غزة.
آفي اشكنازي المراسل العسكري لصحيفة
معاريف نقل عن "ياعيل"، وهي أم
لأحد مقاتلي وحدة الكوماندوز في جيش الاحتلال، أنها "تشعر بانكسار وهي ترى
التقارير والتحليلات من عدم اتخاذ القرار في اليوم التالي لقطاع غزة، الأمر الذي
يؤدي لمقتل جنود لا داعي له".
وتابعت: "ينفطر قلبي عندما أرى كيف يدخل الجنود ويموتون ويصابون مرارا
وتكرارا في نفس الأماكن في غزة، فقط بسبب المماطلة لاعتبارات سياسية حزبية، الآن
جباليا والزيتون مرة أخرى، وهكذا سيكون في كل حي فلسطيني، لقد قاتلوا بالفعل، فما
الداعي للعودة من جديد".
وأضافت في تقرير ترجمته "
عربي21" أن "أبناءنا الجنود في غزة
يدفعون ثمن تجنب اتخاذ القرارات، والنتيجة أن حماس سوف تتعافى، وباعتبارنا أمهات
يؤمنّ بالخدمة العسكرية، لكننا نشعر بالإحباط، لأن حياة أبنائنا يتم التلاعب بها
في لعبة سياسية حزبية، ابني فقد أصدقاءه في غزة، والعديد منهم أصيبوا بجروح خطيرة،
ولن يتعافوا قريبًا، لقد كان في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر، ولأشهر طويلة في
غزة".
وأكدت أن "ابنها يبلغها من ساحة القتال في غزة أنه والعديد من رفاقه
الجنود لا يثقون في القيادة، غاضبون جدًا جدًا لأنهم لم يستغلوا تضحياتهم الهائلة
من أجل إعادة المختطفين، نحن كعائلات نؤمن بالخدمة العسكرية في الجيش، لكني لا أنا
ولا أنت ولا جميع الآباء يريدون أن ينتهي بهم الأمر برفض الخدمة العسكرية، ولكن
إذا لم نتحرك الآن، فإننا سوف ننتهي إلى هذه الزاوية، يجب أن تسمع الدولة أصواتنا،
لقد توجهت أنا وباقي الأمهات للوزراء، لكنهم يرفضون الاستماع إلينا".
محافل عسكرية إسرائيلية أكدت لصحيفة يديعوت أحرونوت، أن "عودة الجيش
إلى جباليا والزيتون من جديد تؤكد عدم ثقته فيما أعلنه سابقاً بشأن توجيهه ضربة
قاسية وقوية لحماس سابقاً، واليوم يحاول تنفيذ غارات بغرض "جز العشب"
كما هو الحال في الضفة الغربية، لكن قادة الجيش يقولون اليوم إن المشكلة في غزة أن
العشب تحول إلى غابة، وحجم البنية التحتية لحماس أكبر بكثير من الضفة الغربية، وفي
الوضع الحالي، نجد أنفسنا في غزة، تماماً كما في جنوب لبنان، أو أسوأ من ذلك
فيتنام، حيث قُتلوا على تلال تم احتلالها مراراً وتكراراً".
القائد السابق للقيادة الوسطى بجيش الاحتلال الجنرال غادي شامني، أكد
لصحيفة إسرائيل اليوم في مقابلة ترجمتها "
عربي21"، أن "قرار اجتياح
رفح والعودة من جديد للأحياء الفلسطينية في غزة هو عمل سياسي من قبل هذا الائتلاف
الحكومي الذي يجب أن يستقيل، ويخرج من الحياة العامة"، مطالبا رئيس الحكومة
بنيامين نتنياهو بالاستقالة، لأنه "في كل يوم يقضيه في منصبه يتسبب بأضرار".
في سياق متصل، وعقب العودة من جديد إلى أحياء غزة وجباليا، فقد صدرت أصوات
في المؤسسة الأمنية للاحتلال التي تواصل انتقاد حقيقة امتناع المستوى السياسي عن
اتخاذ القرار بشأن اليوم التالي في غزة، وعلى هذه الخلفية، فإن الجيش غير قادر على
إنشاء بديل حاكم لحماس، وبدلا من ذلك يعود مجددا إلى أحياء فلسطينية سبق أن قاتل
فيها.
آفي أشكنازي، المراسل العسكري لصحيفة معاريف، ذكر في تقرير ترجمته
"
عربي21" أن "حماس تستغل هذا الإرباك لدى القيادة الإسرائيلية
للعمل باستمرار لاستعادة قدراتها في الأماكن التي عمل فيها الجيش في بداية
المناورة البرية، لأن من يطعم الناس في غزة لديه فرصة للحكم، حتى أن أوساط الجيش
تؤكد القول إننا حتى لو أنهينا عمليتنا في رفح، وقمنا بتفكيك البنية التحتية
العسكرية لحماس، ولكن إذا لم يكن هناك من يقبل إدارة المنطقة، فستحاول حماس مواصلة
إعادة التأهيل والعمل".
يوسي ميلمان الخبير العسكري والأمني الإسرائيلي في صحيفة هآرتس، يسخر من عودة جيش الاحتلال لتنفيذ عملية برية في جباليا، قائلا إننا "أمام
حرب لا تنتهي، يرجى منكم تصحيحي، ألم نستول على جباليا منذ بضعة أشهر، هل أنا
مخطئ، أم لا؟".
وأضاف في مقال ترجمته "
عربي21" أن "عودة الجيش لذات المناطق
التي غزاها سابقا في غزة تؤكد أن المستويين العسكري والسياسي يتخذان خطوات مختلف
عليها، ونتائجها تصعّب إنهاء
الحرب، بل يشوّش على الجنود والضباط، والنتيجة هي فشل
الجيش في معظم مناطق القطاع، وبخسائر كبيرة، مما يعني أن الجيش اليوم ينفذ عملياته
العسكرية بدوافع واعتبارات حزبية وغطرسة شخصية وتصور متوهم لدى القيادة السياسية،
ينجم عنها أضرار كبيرة".
دورون ماتسا الخبير الاستراتيجي في صحيفة
معاريف، أكد أن "رفح هي فخّ
للجيش، ليس فقط لأنها لن تؤدي لانهيار حماس وإطلاق سراح المحتجزين، بل ستؤدي لتآكل
مزيد من نقاط قوة الاحتلال، وستعمّق نجاحات الخصم".
أور هيلر مراسل القناة الـ12 للشؤون العسكرية كشف في تغريدة ترجمتها
"
عربي21" أن "ما تم التهامس به في الغرف المغلقة في الأشهر
الماضية، أصبح تصريحا واضحًا وشبه رسمي هذا الصباح، وهو أنه بدون إقامة بديل حكومي
لحماس من قبل المستوى السياسي، فقد كان محكومًا على جنودنا بالعودة مرارًا
وتكرارًا إلى جباليا والزيتون وبقية الأحياء، بينما القطاع يتحول إلى صومال، وساعة
الشرعية الدولية تنفد".
من الواضح أن هذه الانتقادات الإسرائيلية الموجهة للقيادتين السياسية
والعسكرية عقب العودة إلى مناطق جباليا وحي الزيتون ومدينة رفح، تؤكد أن الاحتلال
يعيش وهماً حقيقيا بالقدرة على تحطيم التوازن مع حماس، وكسر قوة صمودها، ولا يعبر
ذلك سوى عن خطاب انفعالي ليس أكثر، لأن عمليات الجيش في اليومين الأخيرين ليست سوى
خطوات محدودة ورمزية على الأغلب لأغراض داخلية وعلاقات عامة، ولا تعتبر صورة
انتصار، بل عملية يائسة تدل على فقدان القدرة والرغبة في اتخاذ قرار استراتيجي
لإنهاء الحرب.